كابول - يتطلع جيران أفغانستان، الذين فوجئوا بتقارير عن خطط أميركية لسحب الآلاف من الجنود من البلاد، بقلق إلى تداعيات هذا القرار على مستوى خلق أزمة لاجئين، فيما يؤكد دبلوماسيون أن بعض جيران أفغانستان بدأوا يستعدون لخطر تدفق مئات الآلاف من الأفغان عبر الحدود. ومع الانزعاج من احتمال حدوث انسحاب فوضوي، قال دبلوماسيون من دول مجاورة أجروا محادثات مع مسؤولين أميركيين في كابول إنهم يعيدون تقييم السياسات وسيكثفون من الاستعدادات على الحدود. وقال دبلوماسي آسيوي كبير من مقره في كابول “في هذه المرحلة لا يوجد وضوح بشأن الانسحاب لكن يتعين أن تكون لدينا خطة عمل واضحة جاهزة… يمكن أن يتحول الوضع من سيء إلى أسوأ بسرعة كبيرة”. ومع اكتساب المفاوضات حول مستقبل البلاد زخما، تحاول طالبان طمأنة الأفغان بأنه ليس لديهم ما يخشونه بعد انسحاب القوات الأجنبية. لكن بعض الأفغان يرفضون الثقة في موقف طالبان الجديد. وقال سيد رافي سادات، وهو طالب في إقليم هرات بغرب البلاد، إن طالبان ستفرض قوانين قاسية لتدمير الديمقراطية. وأضاف “إذا انسحبت القوات الأميركية فلن يكون هناك أمل في المستقبل وسنضطر لترك البلاد”. وذكر متحدث باسم البيت الأبيض الأسبوع الماضي أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم يصدر أوامر إلى وزارة الدفاع (البنتاغون) بسحب قوات من أفغانستان. لكن الإدارة الأميركية لم تنف تقارير تفيد بعزم واشنطن سحب ما يقرب من نصف أفراد قوتها المنتشرة حاليا في أفغانستان وقوامها 14 ألف جندي.تأتي هذه التقارير وسط تحركات مكثفة باتجاه مفاوضات للسلام في أفغانستان. وكان المبعوث الأميركي الخاص زلماي خليل زاد قد التقى بممثلين لحركة طالبان الشهر الماضي وناقش القضايا المتعلقة بسحب قوات أميركية في المستقبل بالإضافة إلى مقترحات لوقف إطلاق النار. ويقول محللون إن حتى قوى مثل إيران أو باكستان أو روسيا لا ترغب في انسحاب أميركي مفاجئ. ولطالما ارتابت هذه الدول في أن الولايات المتحدة تريد قواعد عسكرية دائمة في جنوب آسيا. وقال جريم سميث، الاستشاري في مجموعة الأزمات الدولية، “رغم أن الأنباء عن الانسحاب الأميركي المحتمل قد تكون مدعاة للتفاؤل الحذر في المنطقة، فإنهم لا يريدون انسحابا مفاجئا”. وأضاف “تدرك جميع الأطراف أن الانسحاب السريع قد يشعل حربا أهلية جديدة تزعزع استقرار المنطقة. الجيران لا يستمتعون بالمفاجآت، والإشارات غير المؤكدة من واشنطن تبعث على القلق”. وأرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى أفغانستان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن، وفي ذروة الانتشار كان لديها أكثر من 100 ألف جندي في البلاد. وسحبت واشنطن معظم قواتها في عام 2014، لكنها لا تزال تبقي على حوالي 14 ألفا هناك كجزء من مهمة يقودها حلف شمال الأطلسي لمساعدة قوات الأمن الأفغانية وتعقب المتشددين. وقال أكبر قائد عسكري أميركي في أفغانستان إن عام 2019 سيكون عاما مثيرا. وقال الجنرال سكوت ميلر القائد الأميركي للقوة التي يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان في مقر مهمة الدعم الحازم في كابول “تجري مراجعة للسياسة في عواصم متعددة، وتجري محادثات سلام، واللاعبون الإقليميون يضغطون من أجل السلام وتتحدث طالبان عن السلام والحكومة الأفغانية تتحدث عن السلام”. أمن الحدود تعمل باكستان بالفعل على بناء سياج على حدودها الممتدة 1400 كيلومتر مع أفغانستان وتنشر قوة شبه عسكرية قوامها 50 ألف فرد على طول الحدود، وتستعد لتدفق جديد للاجئين في حالة حدوث اضطرابات. ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول، طلب عدم ذكر اسمه، “ستقام مخيمات بالقرب من الحدود للتعامل مع موجة جديدة من اللاجئين الأفغان والمهاجرين غير الشرعيين، ولن يسمح للأفغان بإقامة منازل غير قانونية في باكستان”. ووفقا لمفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فإن أفغانستان هي بالفعل ثاني أكبر مصدر للاجئين في العالم. وتشترك أفغانستان في الحدود مع باكستان وإيران وتركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان والصين.وتشير تقديرات المنظمة الدولية للهجرة إلى أن حوالي 1.4 مليون أفغاني لا يحملون وثائق يعيشون في باكستان وربما 1.2 مليون في إيران. ورغم خروج الآلاف من الأفغان الذين لا يحملون وثائق من إيران بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية الأخيرة، قال مسؤولون إيرانيون في كابول إنهم يخشون أن يتسبب أي انسحاب مفاجئ للقوات الأميركية في تدفق جديد للاجئين. وقال مسؤول إيراني “نعمل بشكل وثيق مع الحكومة الأفغانية لمنع الأفغان من دخول بلادنا. لا نريد استخدام العنف لمنعهم لكن الانسحاب الأميركي المفاجئ سيؤدي إلى أزمة”. ولا توجد حدود برية لأفغانستان مع تركيا، لكن الأفغان يدخلون تركيا عبر إيران للعمل في الرعي أو الزارعة أو في قطاع البناء. ويستخدمها كثيرون كنقطة عبور لمحاولة الوصول إلى أوروبا. قلق تركي وإيراني قضية اللاجئين الأفغان، ليست حديثة العهد، حيث تمتد إلى الغزو الروسي لأفغانستان عام 1979، وما تعرضت له البلاد بعد خروج الروس من حرب أهلية بين فصائل المجاهدين والتي ما زالت مستمرة حتى اليوم. وعلى امتداد ذلك التاريخ، استقبلت تركيا، كما إيران، أعدادا كبيرة من اللاجئين الأفغان، واستفادت منهم سواء كعمالة داخل البلاد، أو في سياستها الخارجية مثلما يتجلى في تجنيد إيران للمقاتلين الأفغان لينضموا إلى ميليشياتها خصوصا في سوريا. لكن، اليوم، تخشى إيران، وتركيا، اللتان تمران بظروف داخلية، سياسية واقتصادية، صعبة، من تداعيات أي تدفق جديد، قد يحمل بين ثناياه “عناصر” مقلقة، خاصة وأن المنطقة تعج بالتنظيمات المصنفة على قائمة الجماعات الإرهابية. وقال حميد رضا عزيزي، الأستاذ المساعد في الدراسات الإقليمية في جامعة شاهد بهشتي وعضو المجلس العلمي في معهد الدراسات أوراسيا وإيران في طهران، إن السلطات الإيرانية ناضلت لاحتواء موجة اللاجئين الأفغان الذين يعبرون الحدود بين إيران وأفغانستان. وبالنسبة لتركيا، الغارقة في مستنقع الحرب في سوريا، فلا يبدو الوضع مريحا على الطرف الآخر من حدودها، وهي تتوقع موجة جديدة من اللاجئين الأفغان المتدفقين إلى تركيا عبر إيران، ما يعني ضغطا جديدا وهي التي ترزح تحت ضغط أزمة اللاجئين السوريين.
مشاركة :