صفية الشحي «إني أعرف بأني لا أعرف، وبالكاد أعرف هذا»، بهذه العبارة لخص أرسطو لحظة مضيئة في وعي البشرية حول قيمة التسامح، هذا المفهوم الذي لا يزيد عمره بشكله الحديث عن ثلاثمئة عام، والذي ارتبطت فكرته بالمسألة الدينية الموصوفة من قبل الفيلسوف جون لوك بالحل العقلاني الوحيد للخلاف الناشئ داخل المسيحية، خلال القرن السادس عشر، والنصف الأول من القرن السابع عشر.لكن ما هو التسامح لغة؟ وهل هناك فرق بين كيفية تناول الأوروبيين للمفهوم واعتناق العرب للمعنى؟ في الواقع الكثير من الدراسات التي خاضت في هذا الشأن أكدت الاختلاف اللغوي في الكلمة المشتقة من الجذر اللاتيني، والذي يعني (التحمل)، ويعكس فكرة التعايش مع شيء مكروه أو لا أخلاقي بالمعنى الإنجليزي للكلمة، أما بالنسبة للغة العربية فالكلمة مشتقة من (سمح)، والتي تشير إلى المرونة والتساهل في الخلاف، وربما التنازل كتعبير عن التهذيب، فالقاسم المشترك بين الكلمتين لا يزال ضئيلاً، أما الاختلافات فهي محل نقاش ممتد حتى اللحظة. أوروبيّاً ولد المفهوم ليعكس حاجة أفرزتها حروب التناحر الديني في القارة، كرد فعل على سلوك لا إنساني خسرت في سبيله البشرية آلاف الأرواح في الغرب، أما عند العرب فهو جزء لا يتجزأ من منظومة الفضيلة والكرم العربي، أي أنه الامتياز الذي يتحقق به التفاضل الاجتماعي، وفق سلم القيم، إلا أنه لا يمثل قيمة بحد ذاتها. يقول الدكتور سمير الخليل، في كتاب مشترك بعنوان «التسامح بين الشرق والغرب»، إن اللغة تعكس فهم متكلميها لثقافتهم ونظام معتقداتهم وأخلاقياتهم وقيمهم، وعليه كيف يفهم العرب كلمة التسامح التي صارت إجابة حاسمة وعقلانية في كثير من النزاعات المبنية على قاعدة التطرف والفهم المغلوط والممارسات غير المسؤولة؟، وما هو المقام الصحيح لاستثمار مقالة التسامح وأبعادها في رأب الصدع وتجسير العلاقات وتقريب وجهات النظر؟ ومن هو الذي يجب أن يفكر بالتسامح وينطق باسمه ويدافع عن مكتسبات التجربة؟ دون أن ننسى أن الأمر لا علاقة له بأذواقنا ونزعاتنا وفرديتنا - سمة هذا العصر بامتياز - بل هو موقف إنساني يجب أن تشترك فيه جميع الأقطاب الدينية والسياسية والفكرية والفلسفية، وذلك حسب حدود يمليها المفهوم بذاته، وهي تتعلق برفض ما يتعارض مع القاعدة الأخلاقية التي ينهض عليها مثال التسامح في مجتمع ما، أو ما يتعارض مع التسامح نفسه. safia.alshehi@gmail.com
مشاركة :