قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف: إن قضايا التقليد غلبت لعقود طويلة وربما لقرون عديدة على قضايا الإبداع والتجديد، وغلبت مناهج الحفظ والتلقين، وطغت على مناهج الفهم والتفكير، مما نتج عنه تقديس أو ما يشبه التقديس لغير المقدس من الآراء والأفكار والشروح وبعض الآراء المتعلقة بالأحكام الجزئية والفتاوى القابلة للتغير بتغير الزمان أو المكان أو أحوال الناس وأعرافهم وعاداتهم وواقع حياتهم .وأوضح «مختار» في بيان، اليوم الجمعة، أن ما كان راجحًا في عصر معين أو بيئة معينة أو حالة أو أحوال معينة قد يصبح مرجوحًا إذا تغير من ظروف العصر أو المكان أو الحال ما يستدعى إعادة النظر في الحكم أو الفتوى، وقد يصبح الرأي المفتى به غيره أولى منه في الإفتاء به نتيجة لتغير هذه المعطيات.وأشار: "وقد أدى الاعتماد على حفظ بعض الأحكام الفقهية الجزئية مع ضعف الاهتمام بالقواعد الكلية، وفقه المقاصد، وفقه الأولويات، إلى حالة من التعصب الشديد لدى بعض المقلدين من جهة ، وضيق الأفق والجمود والتحجر عند الرأي المحفوظ لدى بعضهم من جهة أخرى، لذا يجب أن نعود وبقوة إلى ما يرسخ مناهج الفهم والتفكير وإعمال العقل من خلال دراسة علم أصول الفقه، وقواعد الفقه الكلية، وفقه المقاصد، وفقه الأولويات، وفقه الواقع، مؤكدين أن الأحكام الفقهية الجزئية المستنبطة من خلال اجتهاد المجتهدين في قراءة النصوص في ضوء القواعد الكلية والأصولية وفهم مقاصد النصوص ومراميها ليست قرآنا، وأن بعضها قابل للتغيير وفق مقتضيات الزمان والمكان والأحوال، وقابل للرأي والرأي الآخر".وأكد أن الأقوال الراجحة ليست معصومة، والأقوال المرجوحة ليست مهدومة، طالما أن القائل بها من أهل الاختصاص والاجتهاد والنظر في ضوء الدليل الشرعي المعتبر، والمقاصد العامة للشريعة ، وهو ما أكده علماؤنا الأوائل: يقول الإمام الشاطبي (رحمه الله): إن الأصل في العادات الالتفات إلى المعاني، وبالاستقراء وجدنا الشارع قاصدًا لمصالح العباد والأحكام العادية تدور عليه حيثما دار، فترى الشيء الواحد يُمنَع في حال لا تكون فيه مصلحة، فإذا كان فيه مصلحة جاز، ويقول الإمام القرافي (رحمه الله): أن إِجراءَ الأحكام التي مُدْرَكُها العوائدُ مع تغيُّرِ تلك العوائد فهو خلافُ الإِجماع وجهالةٌ في الدّين.وأضاف "أنه بناءً عليه فإننا لا بد أن نعمل على نشر ثقافة التفكير في سائر جوانب الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، والخروج من دائرة القوالب الجاهزة والأنماط الجامدة إلى رؤية تتسم بالفكر وإعمال العقل، وعلينا جميعًا أن نعمل على تحريك هذا الجمود من خلال العمل على نشر ثقافة التفكير وإعمال العقل ومراعاة مقتضيات الواقع، غير أن هناك من يعتبر مجرد التفكير في التجديد خروجًا على الثوابت وهدمًا لها؛ حتى وإن لم يكن للأمر المُجتهَد فيه أدنى صلة بالثوابت، أو بما هو معلوم من الدين بالضرورة وما هو قطعي الثبوت قطعي الدلالة".وتابع قوله: "فقـد تبنى منهج الجمـود والتكفير والتخوين والإخراج من الدين أناس لا علم لهم ولا فقه، ولا هم من المجتهدين من أهل الاختصاص أو حتى دارسي العلوم الشرعية من مظانها المعتبرة، مسرعين في رمي المجتمــع بالتبديع، ثم التجهيل، فالتكفير، حتى وصل الأمر بغلاتهم إلى التفجير واستباحة الدماء؛ مما يتطلب حركة سريعة وقوية وغير هيّابة لمواجهة الجمود والفكر المتطرف معًا، حتى نخلص المجتمع والإنسانية من خطر التطرف الفكري وما يتبعه من تبني الإرهاب منهجًا وسلوكًا".
مشاركة :