صراحة – محمد المحسن : أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد، المسلمين بتقوى الله عز وجل . وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام: جاء الإسلام لتحقيق مصالح العباد في الحال والمآل ، وفي جميع الأحوال : في العقيدة ، والعبادة ، والمعاملات ، والعادات ، والقيم ، والأخلاق ، والارتباطات الاجتماعية ، والعلاقات والإنسانية، مما ينظم حياة الإنسان كلها في الدنيا والأخرة . وأوضح، أن أعمال الإنسان إما عبادات يقوم عليها دينه، وإما عادات تصلح بها دنياه ، والعادات مرتبطة بنية العبد ، فَحَسنها حسن ، وقبيحها قبيح ، وفي الحديث الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى ” مخرج في الصحيحين، والموفق من عباد الله من اختار أفضل السبل ، واجتهد في تحصيل أكمل المـُــثُــل والعادات ، والأعراف ، لها سلطانها على النفوس ، وتمكنها من حياة الناس ، يشق نزع الناس عنها ، ويصعب التخلص منها والفطرة الإنسانية تميل إلى الأنس بما اعتادته والركون إلى ما ألفته . وبين ان أعراف الناس وعاداتهم جزء من حياتهم ، ورمز من رموز حضارتهم وثقافتهم ، ومن هنا جاء الشرع مقرا لهذه الأعراف ومعترفاً بها ، وهذا كله في الأعراف الصالحة المستقيمة ، أما الأعراف الفاسدة فإن الشرع ينهي عنها ، ويأباها . وأضاف الشيخ بن حميد أن الأعراف تنشأ من البيئة ، ونظم الحياة الاجتماعية ، جودة ورداءة ، وغنى وفقراً ، وعلما وجهلا ، واستقامة وانحرافا ، ففي الحياة الطيبة تتولد أعراف مجيدة ، ومن الحياة الرذيلة تنشأ عادات سيئة مرذولة ، فعادات كل مجتمع تعبر عن حاله ، استقامة وانحرافا ، وانفتاحا وعصبية ، فالصلاح ينتج عادات صالحة ، والجهل ينتج عادات جاهلية وكلما حَسُنَ تدين المجتمع ، واستقامت تربيته ، وارتقت ثقافته ، وازداد وعيه ارتقى في عاداته وأعرافه ، وقلت فيه العادات السيئة . وأبان أن العادات : تنشأ وتتولد من معان كريمة ، وأخلاق رصينة ، وقيم عالية ، وكرم وشهامة ، تورثها عقائد مستقيمة ، وتدين صحيح ، ورجال كرام ، ومبادئ في الصلاح راسخة ، مما ارتضته النفوس السوية في أمور معاشها ، ومكاسبها ، وعلاقاتها كما قد تنشأ العادات من سلوكيات منحرفة من الخرافة ، والظلم ، والعصبية ، والاستكبار ، والتسلط ، والجاهلية والعادات ، والأعراف ، والتقاليد ، تعبر عن حياة الناس ، وتجارب المجتمعات خلال مسيرة تاريخهم الحافل بالأحداث والمتغيرات والتطورات وللعادات تأثير بليغ ، فهي تبني وتهدم ، وترفع وتخفض ، وتجمع وتفرق. وقال إن العادات : سلوك اجتماعي ، يسير عليها الناس ويبنون عليها تصرفاتهم في الأحداث ، والمواقف ، والمناسبات ، والأفراح ، والأتراح ، وتجري عليها أساليبهم في أقوالهم ، وتعاملاتهم ، وما يأتون ، وما يتركون ، في المآكل ، والمشارب ، والمساكن ، والمراكب ، واللباس ، والغذاء ، والحديث ، والألفاظ ، والتصرفات ، والخطط والأنظمة ، والمعاملات ، والبيوع ، والإجارات ، والأوقاف ، والأيمان ، والنذور وغيرها مما تقتضيه حوائج الناس ، وتدفع إليه مسالكهم ، في التدبير ، والإدارة ، والإصلاح وكذلك الحال في أعراف الألفاظ والحركات في تبادل التحايا والترحيب مع ما عليه أهل الإسلام من إفشاء السلام كما تبرز مع الأعراف بعض المعاني الكريمة ، والقيم السامية ، من إكرام الضيف ، ومساعدة المحتاج ، وعون الغريب ، وإغاثة الملهوف . وفاد أن الغريزة : هي أصل العادات ، فإذا تكرر الفعل الغريزي وتوالى أنتج عادة ، فالعادات تتكون تدريجيا ، ويكون الإقلاع عنها تدريجيا . واكد فضيلة امام وخطيب المسجد الحرام أن تشريع الإسلام جاء في أحكامه بمراعاة أحوال الناس وعوائدهم المستقرة ، وأعرافهم السائدة مما يلبي مطالبهم ومصالحهم بل إن هذا مما تركه النبي صلى الله عليه وسلم للناس يسيرون فيه على ما يصلحهم مادام أنه لا يعارض شرعا ، ولا يقر ظلما ، فهو داخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : ” أنتم أعلم بأمور دنياكم ” اخرجه أحمد ، ومسلم ، وابن ماجه والقاعدة في ذلك أن كل ما تعارف عليه الناس واعتادوه وساروا عليه ، ولم يكن فيه حكم شرعي مقرر فانه يوزن بميزان المصلحة الشرعية بعيدا عن الأغراض ، والعصبيات ، فإذا كانت العادة ، أو العرف يحقق للناس مصلحة راجحة ، أو يدفع عنهم مفسدة ظاهرة ، ولا يخل بالمجتمع فهو عرف مقبول ، وعادة نافذة والإسلام أقر من الأعراف ، والعادات ما كان صالحاً نافعا لا يعارض أحكام الشرع المطهر ، وأصلح بعض الأعراف وقوَّمها . وبين الدكتور صالح بن حميد أن في رعاية الأعراف رعايةٌ لمصالح المسلمين ، والشريعة مصلحة كلها ، ورحمة كلها ، ومن مصالح الناس أن يقروا على ما ألفوه وتعارفوا عليه تيسيرا لهم ، ورفعا للحرج عنهم وأحكام الشرع ارتبطت بحياة الناس ومصالحهم وبظروفهم ، ولذا فكثير من الأحكام الاجتهادية ارتبطت بالأعراف ، والعوائد والأعراف ، والعادات ، تتغير وتتبدل وتتطور مع تطور المجتمعات ، وتغير الثقافات ، وانتشار التعليم فيقبل مالم يكن مقبولا ، ويرفض ما كان مقبولا ، فهي تتغير حسب الزمان والمكان ، والأحوال ، وطبائع الأمم ، وأخلاق الشعوب . وأوضح أن الأصل في العادات ، والأعراف ، الإذن والإباحة ، وقد تتحول العادة إلى عبادة وسنة ، للفرد ، أو المجتمع سواء كانت حسنة ، أو سيئة ، وفي الحديث : ” من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن بنقص من أوزارهم شيء ” . وقال إن الأعراف الصالحة ، والعادات المستقيمة تعزز الشعوب ، وتقويها ، وتشد منها والعادات السيئة والأعراف المنحرفة تضعفها وتحرفها ، والتقليد الأعمى للأباء والأسلاف يضلها ويزعزها وقد جاء الإسلام بالتحذير والتنفير من الأعراف السيئة ، والعادات المستقبحة ، والجمود على ما عليه الأسلاف ، والتمسك بما عليه الأباء والأجداد فهي تبعية عمياء ، وتعطيل للعقول والافهام ، وحرمان من الحرية البناءة أعراف سيئة تكلف الناس المشقة ، والعنت ، وتستنزف منهم الجهد ، والمال ، والوقت ، يلزمون بها أنفسهم إرضاء لغيرهم ، واتقاء لنقدهم ، يتكلفون مالا يطيقون ، ويفعلون مالا يحبون ، وينفقون وهم كارهون ، فكيف إذا كانت عاداتٍ وأعرافاً مخالفة للشرع ، ضارةً بالصحة والعقول ، مسيئة للأخلاق والقيم . ودعا فضيلته الى التأمل في بعض عادات المجتمعات السيئة في الزواج ، والولائم ، والمآتم ، والمجاملات ، في تكاليف باهظة ، ونفقات مرهقة ، بل ديون متراكمة ومن ثم يكون التواصل والتزاور وإجابة الدعوات عند هؤلاء هماً وغماً ، بدلا من أن يكون فرحاً وسرورا ، فالتزاور للأنس ، والمباسطة ، ولذة المجالسة ، وليس للمفاخرة ، والتكلف ، وإظهار الزينة ، والتفاخر ، والتباهي مما يجعل الحياة هماً ، وشقاء ، وعبئاً ثقيلا . وأكد فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام انه يتعين على كل عاقل – فضلا عن المسلم الصالح – أن ينبذ كل عادة ، وعرف يخالف أحكام الشرع ، أو يقود إلى عصبية وجاهلية ، وفرقه وتمييز ، وعليه أن يعرض ذلك كله على ميزان الشرع المطهر ، لينفر من قبيح العادات ، وسيء الأعراف ، ويفيء إلى ظلال الإسلام الوارفة ، ودوحته الآمنة ، وإلى مسالك الأخيار من أهل العقل ، والفضل ، والكرم ، والمروءة لافتا الى انه من قدم هذه العادات والأعراف والتقاليد على شرع الله ، وحكمه ، أو تحاكم إليها بدلا من التحاكم إلى شرع الله ، فهذا منكر عظيم قد يقود إلى الخروج من الملة عياذا بالله . وفي المدينة المنورة، أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي المسلمين بتقوى الله تعالى، مبيناً أن التفكَّر في مُدَّة الدنيا القصيرة، وزينتها الحقيرة، وتقلُّب أحوالها الكثيرة؛ يدرك قدرَها، ويعلم سرَّها. فمن وثِقَ بها فهو مغرور، ومن ركَنَ إليها فهو مثبُور. وأوضح فضيلته أن قِصَرُ مُدَّة الدنيا بقِصَر عُمر الإنسان فيها، وعُمرُ الفرد يبدأُ بساعات، ثم ينقضِي عُمر الإنسان على التمام، ولا يدرِي ماذا يجري بعد موتِه من الأمورِ العِظام. وقال إن عُمرُ المخلوق لحظةٌ في عُمر الأجيال، بل الدنيا متاع، قال الله تعالى: (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ) وقال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا)، موضحاً أن ما بين الموت إلى البعث مدة قصيرة وبأن هذه المُدَّة الطويلة كساعة، قال الله تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ)، وقال جل وعلا: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)، وقال سبحانه: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)، ففي الحديث: (اذكُروا هاذِمَ اللذَّات؛ فإنه ما ذُكِر في كثيرٍ إلا قلَّله، ولا في قليلٍ إلا كثَّرَه)، «كفَى بالموت واعِظًا». وبين فضيلة الشيخ الحذيفي أن فعل الأعمال الصالحات، وهجَرَ المُحرَّمات، جزاؤه الفوز برِضوان الله في نعيم الجنات. ومن اتَّبعَ الشهوات، وأضاعَ الصلوات والواجِبات، فجزاؤه الهلاك في الدَّرَكات. وأضاف أنّ في إقبالِ عامٍ وإدبارِ عامٍ عِبَرًا فيومٌ تُخلِّفُه، ويوم تستقبِلُه، حتى ينقضِيَ الأجل، وينقطِعَ الأمل، قال الله تعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى). وأردف قائلاً بوجوب العمل للآخرة ودخول الجنة التي لا يفنَى نعيمُها ولا ينقُص ولا يَبيد، قال الله فيها: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) البعد عما يدخل النار التي لا يُفتَّرُ عن أهلها العذاب، بامتِثال أمر الله الأكيد، واتِّقاءِ غضبِه الشديد، (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ). وبين فضيلته أن الله قد فتَحَ أبوابَ الرحمة بما شرعَ من فعلِ الخيرات وتركِ المُنكَرات، فلا يُغلِق أحدٌ على نفسِه بابَ الرحمة بمُحاربَة الله بالذنوب، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ). وحث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي المسلمين على اغتنام زمن العافية؛ فإن يومًا يمضِي لن يعودَ أبدًا. فاستودِع أيامَك بما تقِرُ عليه من الحسنات واحفَظ صحيفتَك من السيئات، عن ابن عباس – رضي الله عنهما -، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ)، وعن ابن عُمر رضي الله عنهما -، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم (كُن في الدنيا كأنك غريبٌ أو عابِرُ سبيل) وكان ابن عُمر رضي الله عنهما يقول “إذا أصبحتَ فلا تنتظِر المساء، وإذا أمسَيتَ فلا تنتظِر الصباح، وخُذ من صحَّتك لمرضِك، ومن حياتِك لموتِك”.
مشاركة :