أنا عندي "شَعرة"

  • 1/5/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ليلة رأس السنة الميلادية، عشت ساعات عصيبة، لأني أساسا لا أعرف عن هذه «الرأس» سوى أنها مثل أول «بطيخة» اشتريتها في حياتي.. بعد أن استغفلني البائع وباعني واحدة لأكتشف في البيت أنها «قَرعة»، نالني من سخرية «المدام» ما لازمني حتى الآن من «خيابة» في الشراء، هذا غير معايرة «العيال» وبالذات أصغرهم، الذي ما إن أستنفر رجولتي عليه، من منطلق أني رب البيت، حتى يباغتني باستهزاء «يا بابا.. نفسي آكل بطيخ»، فأهرش في قفاي باحثا عما يغير الموضوع. بالمثل كان طريقي في الشارع المملوء بالصخب، مغامرة لم أتعوّد عليها من قبل، عدا التهاني المكررة التي تنهال «عمّال على بطّال»، انهمرت أمامي زجاجات الفوارغ والأطباق من أسطح البنايات والشرفات، مع قوارير المياه وأسلاك «جلي الأواني» المشتعلة في تقليد مصري بائس، لم تنج منه السيارات الواقفة وأقفية أناس يمشون في شارع يموج بالفوضى، وكانت قمة المأساة أن تتحول شجرة الكريسماس في المنطقة الراقية إلى مسرح عبث يفوق كل أفكار رائد العبثية في العصر الحديث.. صمويل بيكيت! ولأن «عندي شعرة».. كما في الفيلم الشهير، فقد أصبت بهستيريا جعلتني أتحسس سيارتي، قبل رأسي، لأتأكد من سلامتها، وتساءلت: لماذا نحن مولعون بالتخريب إلى هذه الدرجة؟ ولماذا لا نستطيع حتى أن نعبر عن فرحنا وسعادتنا وفق أصول ثقافة الحياة، وليس بـ«فقه الموت» الذي ورثنا براعة تبجيله عن أجدادنا القدماء إلى الدرجة التي شيدوا فيها قبورا على شكل «أهرامات» ولم نستطع، كلنا كعرب، أن نرسي قاعدة واحدة للحياة بـ«الحسنى» عبر اختراع طبي أو علمي أو حتى ثقافة فكرية وسلوكية وإنسانية تنتشلنا مما يتحكم فينا من أفكار نرزح في ظلمات أعبائها الثقيلة التي جعلتنا في مؤخرة شعوب العالم! ولأن الكاتب مجنون، والقارئ أعقل طبعا، فقد هرعت يوما للاستنجاد بصديق دعوته لمساعدتي في توفير مكان هادئ ليلة رأس السنة يمكنني فيه قضاء فترة استجمام، فتحمس ونصحني بـ«سراية المجانين» انطلاقا من خبرته السابقة واعتمادا على صداقته الوطيدة بمديرها «الدكتور عقل». صديقي «العاقل» هذا حاول يوما عمل تحقيق صحافي عن سرقة الأعضاء من مشرحة الموتى، ونجح فعلا في شراء فخذ ميت، ذهب به منتشيا وهو ملفوف في كيس للمكتب، وما إن رآه مديره حتى فزع وطلب منه الخروج والتخلص من «الغنيمة» تجنبا لأي مشكلة أو الفصل فورا.. وفعلا تركها تحت أحد مقاعد الترام. لحظة والنبي.. ألبس طرطور أحمر بالمرّة!

مشاركة :