وضعت نهاية العام الماضي نهاية تراجيدية لسنوات طويلة من انتعاش عمالقة التكنولوجيا العالمية وكبدتها خسائر غير مسبوقة منذ أكثر من 10 سنوات. وأدى ذلك إلى إغلاق نادي التريليون دولار الذي افتتحته أبل في أغسطس حتى إشعار آخر في ظل اتساع المخاوف بشأن الآفاق المستقبلية للاقتصاد العالمي. واشنطن – عمقت توقعات أبل المتشائمة التي ترجح استمرار انحدار مبيعات هواتف آيفون الذكية، مخاوف المحللين بشأن مستقبل الشركة، التي كانت حتى أكتوبر الماضي زعيما بلا منازع لثورة قطاع التكنولوجيا. ويخشى محللون ألا يكون ذلك التراجع مجرد عملية تصحيح مؤقتة بعد المكاسب العائبة في السنوات الماضية وأن يكون ذلك بداية عهد جديد يتسم بتزايد الصراعات التجارية وتشديد الحكومات للإجراءات الضريبية التي تطارد عوائد شركات التكنولوجيا العابرة للحدود. وبلغت أبل ذروتها القصوى قبل 3 أشهر حين بلغت قيمتها السوقية 1.1 تريليون دولار، بعد شهرين من دخولها منفردة نادي التريليون دولار، لتفقد 420 مليار دولار منذ ذلك الحين. وتراجعت عن عرش أكبر الشركات العالمية المدرجة في أسواق المال لتصبح الرابعة عالميا حيث تتصدرها الآن شركات مايكروسوفت وأمازون وألفابيت، الشركة المالكة لموقع غوغل، والتي تكبدت خسائر كبيرة لكن تلك الشركات الثلاث لم تكن في قائمة أكبر الخاسرين. وتتصدر مايكروسوفت حاليا صدارة أكبر الشركات المدرجة بنحو 753 مليار دولار تليها أمازون بنحو 733 مليارا وألفابيت 710 مليارات، في حين تراجعت قيمة أبل إلى أقل من 675 مليار دولار. وأرجعت أبل التوقعات المتشائمة إلى “التباطؤ الاقتصادي” في الصين والأسواق الناشئة بدرجة تفوق التوقعات. وأشارت إلى أن التوترات التجارية بين واشنطن وبكين تؤثر على مبيعات هواتفها الذكية. وتثير تلك التحولات أسئلة كبيرة عن العقبات التي تواجه أبل وما إذا كانت ستخسر موقعها الريادي، وحاجتها إلى إعادة هيكلة خارطة إيراداتها أو طرح منتج جديد ينقذها من فخ التراجع. 675 مليار دولار قيمة أبل السوقية أمس مقارنة بنحو 1.1 تريليون دولار في بداية أكتوبر الماضي ويشير محللون إلى اعتماد أبل الشديد على مبيعات آيفون لدفع عجلة عائدتها، رغم تنويع قاعدة منتجاتها وتقديم خدمات أكثر على غرار الموسيقى وعمليات الدفع الرقمية. ويرى روجر كاي المحلل لدى إيندبوينت تكنولوجيز اسوشييتس أن “آيفون يدعم أبل منذ أكثر من عقد وأنها تحدت الجاذبية عبر النمو بشكل أسرع من أي شركة أخرى في السوق. لكن حسابيا، كانت من المستحيل هزيمة السوق إلى ما لا نهاية”. واعتبر أن تحديد قيمة أبل السوقية بأكثر من تريليون دولار “غير منطقي” وكان مبنيا على توقعات نمو الشركة الذي من المستبعد أن تحققه دون محفّز جديد. وتتعرض أبل، التي سجلت نموا في الصين رغم عدم هيمنتها، إلى ضغوط ناجمة عن حرب الرسوم الجمركية بين واشنطن وبكين، وتفاقمت حدتها جراء توقيف المديرة المالية لشركة “هواوي” الصينية في كندا بطلب من الولايات المتحدة. وتفوّقت هواوي على أبل كثاني أكبر مصنع للهواتف الذكية رغم تواجدها المحدود في الولايات المتحدة. وتتوقع أبل، التي تأتي معظم إيراداتها من مبيعات آيفون، تراجع تلك المبيعات في أسواق ناشئة أخرى، ما يؤدي إلى تراجع العائدات رغم وجود بعض المؤشرات الإيجابية في الأسواق المتقدمة وفي منتجات وخدمات الشركة الأخرى. وخفضت الشركة توقعات عائدات الربع الرابع من 2018 إلى 84 مليار دولار، وهو رقم أقل بكثير من توقعات المحللين بأن تصل إلى 91 مليار دولار. وحذرت شركة لوب فينتشرز للاستثمارات من أن “سهم أبل بات في مفترق طرق وأن بعض المستثمرين سيعتبرون أن السهم تعرض للكسر. لكننا تابعنا الشركة لمدة طويلة بما يكفي لنعرف أن هناك تقلبات دورية في علاقة السوق بأبل”. وأكدت لوب فينتشرز أن أبل ستحتاج إلى “منتج من فئة جديدة” أو عملية استحواذ كبيرة لتتمكن من استعادة زخمها. ويرى البعض من المحللين أن شركة أبل أخطأت في رفع سعر هواتف آيفون الجديدة إلى أكثر من ألف دولار في سوق الهواتف الذكية المغرق بدرجة كبيرة وحيث تزداد حدة المنافسة. وقال ريتشارد ويندزر محلل التكنولوجيا الذي يساهم في مقالات في مدونة “راديو فري موبايل” إن المذنب الرئيسي هو “الأسعار المرتفعة للغاية التي حددتها أبل لأجهزة آيفون الجديدة”. لكنه أضاف أن “ذلك ليس كارثة ولا مؤشرا على أن أبل تفقد قبضتها على سوق الهواتف الذكية، لكنه مجرد سوء تقدير من قبل أبل بشأن كم سيدفع الناس لامتلاك جهاز آيفون”. وأثارت الأنباء الأخيرة الحديث عن أن “لحظة نوكيا” بانتظار أبل، في إشارة إلى الشركة الفنلندية التي كانت تقود سوق الهواتف المحمولة مطلع الألفية. لكن ويندزر يستبعد ذلك بأي شكل من الأشكال “لعدم وجود ما يمثل تحديا جديا لآيفون” في قطاع السلع الراقية. وترى كارولينا ميلانيسي من “كرييتف ستراتيجيز” أن أبل متميزة بين صانعي الهواتف الذكية نظرا لامتلاكها مجموعة من التطبيقات والخدمات التي تدر العائدات. وتضيف أنه “رغم عدم وجود منتج واحد حقق لأبل ما حققه آيفون” إلا أن لدى الشركة أفضلية على “جميع البائعين الآخرين الذين قد يبيعون كميات أكبر من الهواتف لكنهم لا يمتلكون طريقة مباشرة للاستفادة ماليا من مستخدميهم بعد إتمام عملية البيع”. ويقول باتريك مورهيد من شركة “مور إنسايتس أند ستراتيجي” إن أبل قد تكون غير قادرة على تحقيق النمو بمعدلات في خانة العشرات التي تتوقعها وول ستريت نظرا لحال سوق الهواتف الذكية الراهن. لكنه أضاف أنه ليس قلقا بشأن الشركة وأن المستثمرين سينتظرون ريثما تتمكن من إيجاد طريقة لتحقيق نمو في عائداتها بمعدلات تفوق 10 بالمئة.
مشاركة :