"أنا رجل ينتمي للشعب وتصرفت على طبيعتي وغير نادم على ركل رجل الشرطة" "هُناك 3 آلاف شخصًا فعلوا مثلما فعلت، لكن الصحافة اهتمت بركلتي لأنني الرجل صاحب الرقم 10 على قميصه". هكذا بدأ زفونيمير بوبان أسطورة كرواتيا وميلان حديثه مع FilGoal.com. محير هو أمر "التاريخ"، كتاب ضخم عُمره من عُمر ليلة آدم الأولى على الأرض، تحفظ أوراقه إرث طريد الجنة، لكن حاله من حال الإنسان يصدق أحيانا ويكذب أحيانا، قد تُمزَق صفحاته عن عمد لإخفاء الحقائق ومحو الأحداث غير المرغوب في اكتشافها، لكنها تُذكر بين الحين والآخر لأن الإنسان يحفظ التاريخ أفضل من الورق، وذاكرته غير قابلة لتمزيق أوراقها. التقى Filgoal.com بـ زفونيمير بوبان، على هامش حفل توزيع جوائز غلوب سوكر في دبي لاستعادة ذكريات تاريخية لأسطورة كرواتيا وميلان، ولمعرفة المزيد عن التاريخ غير المكتوب والذي حفظه بوبان عن ظهر قلب. في ١٩٩٠ بدأت الأصوات تتعالى بالاستقلال عن يوغوسلافيا سواء في كرواتيا أو غيرها من البُلدان التي اجتمعت تحت مُسمى "يوغوسلافيا" بعدما تحررها من الاحتلال الألماني، وبرغم أن الأوضاع السياسية لم تكن على ما يرام في البلاد، إلى أن لا شيء كان قادرا على إلغاء مباراة النجم الأحمر بلجراد الصربي ودينامو زغرب الكرواتي، مباراة كرة قدم لكن في الحقيقة أنها كانت مباراة قومية أو هكذا نظرت إليها جماهير دينامو زغرب الراغبة في استقلال كرواتيا لتصبح دولة مستقلة بذاتها بعيدا عن يوغسلافيا وجماهير النجم الأحمر التي تعتبر كرواتيا جزءا من يوغوسلافيا بل تعتبر أنها حتى جزءا من صربيا. يومها هتفت الجماهير الصربية "زغرب صربية، زغرب صربية" وتدافعوا مُرددين الأغاني الوطنية الصربية على مرأى ومسمع من الشُرطة اليوغوسلافية المُحيطة بجنبات الملعب إلى أن تحطم الحائط العازل بين الجمهورين، وبرغم أن الملعب كان للفريق الكرواتي إلا أن الصرب علموا تمام العلم أن الشرطة ستكون إلى جانبهم، عدم تدخل الشُرطة أخذ الاشتباكات لمستوى جديد وجعل جماهير زغرب تتولى زمام أمور الدفاع عن أنفسها، فانتقلت المعارك من المدرجات إلى أرض الملعب عندما اجتاحت جماهير زغرب ملعب المباراة لتهاجم -حتى- الشرطة التي اعتبروها أداة القمع في يد النظام، تعاملت الشرطة بالطبع مع الجماهير الغاضبة، بالهراوات وقنابل الغاز ومدافع المياه. “أنا رجل ينتمي للشعب وتصرفت على طبيعتي وغير نادم على ركل الشرطي". في حين حاول لاعبو دينامو زغرب مساعدة جماهيرهم المصابة على إثر التعامل الوحشي للشرطة، لمح زفونيمير بوبان لاعب الفريق حينها، شرطيا يوغوسلافيا ينهال بالضرب على أحد مشجعي الفريق في منتصف الملعب. لم يأبه يومها بالأضواء المُسلطة على الملعب والكاميرات المحيطة بالحدث الدامي على العشب الأخضر، لم يكترث لمستقبله ولا عمله ولم يزن حتى الأمور لوهلة أو يتساءل عما ستؤول إليه الأحداث في يوغوسلافيا. لم يرَ بوبان إلا هراوة تضرب بني جلدته بلا هوادة تحاول كسر كل ما تستطيع كسره، تهشم رأسا أو ضلعا أو حتى تكسر شوكة فكرة وإيمان بقضية قد يلفظ لأجلها آخر أنفاسه، فكانت ركلته بعيدة عن الكرة غير موجهة للمرمى، جاءت في صدر سارق الهوية محطم الأفكار، ركض بوبان نحو الشرطي راكلًا إياه ليبعده عن المشجع، انتقامًا ورفضًا للطريقة التي تعامل بها الشرطي مع المشجع الكرواتي. استعاد Filgoal.com ذكريات تلك الركلة والتي أسميناها -ركلة الاستقلال-مع بوبان والتي حرمته من لعب كأس العالم ١٩٩٠ مع يوغوسلافيا. يقول بوبان: "أنا رجل ينتمي للشعب، تصرفت على طبيعتي وفعلت ما قد يفعله أي شخص آخر، لم أستطع رؤية أحد أبناء شعبي يتعرض للضرب المُبرح فحاولت الدفاع عنه وهذا هو ما حدث، لم أندم مُطلقًا على ما فعلت". "أنا آسف بالطبع لما حدث مع هذا الشُرطي، لكن لست نادمًا وسأكرر الأمر إذا ما عاد بي الزمن إلى وقت الواقعة، أنا فعلت ما يتسق مع مبادئي وبما أؤمن به، ولم أكن الوحيد الذي فعل هذا بل كان هُناك 3 ألاف مُشجعًا قاموا بالأمر نفسه في أرض الملعب، لكن الأضواء سُلطت عليّ لأنني الرجل صاحب الرقم 10 على قميصي، اللاعب المشهور الذي تحولت ركلته إلى أيقونة كرواتية". وعن أفضل لحظة عاشها في الملعب قال أسطورة ميلان السابق: "ربما ستجد ما أقوله غريبًا، لكنها الحقيقة، في كأس العالم للشباب عام 1987 أحرزت ضربة الترجيح الأخيرة ليوغوسلافيا في مرمى منتخب ألمانيا الغربية، فقدت صوابي يومها وظللت أركض كالمجنون، لقد كنت شابا حقق للتو بطولة كأس العالم، أعتقد أن هذه اللحظة هي الأفضل في مسيرتي الكروية". تطرق الحديث عن لوكا مودريتش وجائزة الأفضل في العالم التي توج بها الكرواتي مؤخرا وظهر بعدها بوبان ينظر إليه بفخر ودموع، وعن هذه اللحظة قال بوبان: "تأثرت كثيرًا أثناء كلمة لوكا، ليس فقط لأنه وصفني بمثله الأعلى أو لأنه قال إن جيل 98 كان مصدرًا لإلهامه وإلهام زملائه، بل لأنني ولأول مرة في حياتي أرى أفضل لاعب في العالم يقف على منصة التتويج ويتحدث باللغة الكرواتية، كانت لحظة فخر عظيمة ومؤثرة". وأنهى بوبان حديثه لـ Filgoal.com قائلًا: "حققنا المركز الثالث في كأس العالم 1998، أسعد هذا الجميع، ولكنهم قالوا إن هذا الأمر لن يتكرر مرة أخرى، مرت السنوات لتُثبت خطأ وجهة نظرهم وحققت كرواتيا المركز الثاني، رُبما في المرة المقبلة سنحقق المركز الأول ونفوز بكأس العالم، ذلك سيكون ترتيبًا مثاليًا على أي حال، المركز الثالث ثم الثاني ثم الأول، أتمنى بالطبع أن تحقق كرواتيا كأس العالم، لكن الأهم من ذلك أتمنى أن أرى لاعبي كرواتيا يقاتلون دائمًا في الملعب من أجل منتخب بلادهم".
مشاركة :