أكد مسؤولو الصحف الكويتية أن قرار احتجاب يوم السبت لا يمثل إرهاصة بانتهاء عصر الصحافة الورقية قريباً، مشيرين إلى أن الاحتجاب الجزئي يعود إلى أن الدافع اقتصادي 100 في المئة لترشيد التكاليف. ترك الاحتجاب الجزئي لصحف كويتية ورقية الباب مشرعاً أمام تكهنات بما إذا كان ذلك استراحة محارب لالتقاط الأنفاس قبل مواصلة صراع البقاء، أم بداية الطريق للحاق بركب مطبوعات عالمية انسحبت أمام تألق غريمتها الإلكترونية. وقال معنيون بالشأن الإعلامي في تصريحات لـ"كونا"، إن "القرار الجماعي لصحف الجريدة والقبس والراي والأنباء بالاحتجاب يوم السبت أسبوعيا إجحاف برغبة القراء المرتبطين بالنسخة الورقية، وتهديد لما درجوا عليه من طقوس قرائية اعتبره إعلاميون آخرون خطوة مستحقة تأخرت كثيراً". واستند أصحاب الرأي الأخير إلى تأثر صحف عالمية وعربية خلال العقد الماضي بالثورة الرقمية، ومنها صحيفة كريستيان ساينس مونيتور، التي أوقفت نسختها الورقية في 2009، بعد انخفاض توزيعها إلى 200 ألف نسخة مقابل أكثر من مليون مستخدم لموقعها الإلكتروني. وفي مقابل ذلك، أرجع المتحمسون للنسخة الورقية اهتمامهم بها إلى الدفاع عن النمط التقليدي للحياة بعيداً عن تغول وسائل الإعلام الجديد، وتغييرها للأنساق الاجتماعية السائدة، فضلا عن سهولة تدارك الأخطاء الكارثية في النسخ الورقية بعكس نظيرتها الإلكترونية. ترشيد التكاليف وفي السياق، قال رئيس تحرير جريدة "القبس" وليد النصف، إن "الدافع اقتصادي 100 في المئة لترشيد التكاليف"، مبيناً أن "الصحف اتفقت على وجود صعوبات في منافسة الوسائل الإلكترونية"، بالإضافة إلى "تأثرها بالإعلانات والوضع الاقتصادي"، ولأجل ذلك رأت أن تحتجب يوماً للتغلب عليها. ورأى النصف أن قرار الاحتجاب "قد يعطي العاملين في الصحف فرصة للراحة، وتاليا المزيد من الإنتاج، وفي الوقت نفسه يوفر نسبة من التكاليف، وهذا إجراء معمول به في أميركا وأوروبا وكل أنحاء العالم، حيث تكون للصحف طبعة واحدة يومي السبت والأحد". وعما إذا كان الاحتجاب مقدمة لموت الصحافة الورقية، ذكر أن "هناك تقريرا أميركيا يتوقع عدم وجود أي صحيفة ورقية في سنة 2032، وأنا أقول إنه ربما خلال تلك الفترة قد تظهر عوامل تحول دون ذلك". استثمارات إلكترونية وأضاف: "خطتنا الوحيدة الآن تقوية الجانب الإلكتروني في الجريدة، ولدينا استثمارات كبيرة في هذا المجال، وسنستقطب المزيد من القراء". وعن سبل مواكبة المتطلبات العصرية للقراء قال، إن "المحتوى يجب أن يكون عصرياً مميزاً، فالقارئ تطور كثيرا، واعتاد على السرعة والاختصار، لذا علينا أن نلبي رغباته". وذكر أن "هناك تجارب أميركية وبريطانية وفرنسية في كيفية تطوير الموقع الإلكتروني للصحف الورقية، ليجذب القراء الذين فقدتهم في النسخة الورقية، وهذا يحتاج إلى استثمارات كبيرة جدا، وبالنهاية نحن لن نترك المواقع الإلكترونية "مجاناً"، بل سنجعل القارئ يدفع ثمنا بسيطا". وفيما يخص خدمة بث نسخة من الجريدة بصيغة "بي دي إف" إلى القراء عبر (واتس آب) مجانا، كشف النصف أن "هذا لن يستمر، وإن استمر فسيقتصر على لقطات من الجريدة، ومن يرد النسخة كاملة فعليه أن يدفع اشتراكا بسيطا". وبسؤاله عن موعد تحصيل مقابل مادي لمثل هذه الخدمات الإلكترونية قال "عندنا دراسة نعدها ونعرضها على الصحف الأخرى، فلا نستطيع فعل ذلك بمفردنا، وهناك صحف رحبت بالدراسة التي نقوم بها" في هذا الشأن. مواقع إلكترونية ومن جهته، قال رئيس تحرير جريدة "الراي" ماجد العلي، إن "الصحف كانت تحتجب يوم الجمعة سابقاً، واليوم عادت إلى هذه الآلية التي تعمل وفقها أيضاً كبريات الصحف العالمية". ورأى العلي أن "الاحتجاب لن يؤثر سلبا من ناحية عدد القراء، خصوصا أن جميع الصحف لديها مواقع الكترونية وحسابات على مواقع التواصل، وستستمر في تقديم الخبر للقارئ والمتابع على مدار الساعة". وعلّق على الصراع الورقي-الإلكتروني بالقول، إن "الصحف الورقية تتماشى مع زيادة الانتشار الإلكتروني، والدليل أن مواقع التواصل تنقل أخبارا كثيرة عن الصحف التي مازالت تتمتع بمصداقية وثقة لدى الجمهور". وأفاد بأن "كل الدراسات العالمية في 2018 أكدت أن المنافسة في المصداقية بين الورقية والإلكترونية حسمت لمصلحة الورقية، التي تغربل الخبر، وتتأكد منه قبل النشر بعكس الوسائل الأخرى التي تعتبر سرعة بث الخبر أهم من مضمونه أو مصداقيته، ولكننا لا يمكن أن ندفن الرأس في الرمل أمام تقدم الواقع الإلكتروني، غير أن التكامل الذي تقدمه المؤسسات الإعلامية الكبرى مثل (الراي) يمكن أن يحقق الربط المطلوب بين مصداقية الخبر وسرعة بثه وجودة مضمونه". وبالتطرق إلى التحديات التي تواجه الصحف الورقية قال "إنها أمام تحديات دائمة وليست جديدة، ولهذا فإن الاستمرار موجود وقائم مادامت القيمة التي تقدمها هذه الصحف موجودة، خصوصا لجهة الأخبار الحصرية والقيمة المضافة التي تقدمها للقارئ على الأخبار، وتسليط الضوء على كل ما يهم الجمهور". تراجع الإعلانات وأرجع العلي الاحتجاب في جانبه الأكبر إلى أسباب مادية تتعلق بتراجع المدخول الإعلاني وزيادة النفقات، لافتا إلى أن "هذا التراجع موجود على جميع المستويات وليس في الصحف الورقية فقط، فهو متعلق بالوضع الاقتصادي العام، وهناك شركات كبرى تأثرت وتراجع أداؤها بسبب ذلك، كما أن انخفاض الإعلانات يسري أيضا على المستوى الإلكتروني". وذكر أن "الصحف تعاني منذ سنوات لكنها استمرت رغم الخسائر، والوقت حان لإعادة ترتيب الأمور، وفق ما اتفق عليه أصحاب الصحف". ونبه العلي إلى أن "الصحف الورقية لاتزال تحافظ على ريادتها الإعلانية لدى العلامات التجارية العالمية، بسبب موثوقيتها وانتشارها في المجتمع الكويتي خصوصا"، مدللا على ذلك بـ"إعلانات في الصحف الورقية تتبع مواقع التواصل، ما يبين إيمان هذه المواقع نفسها بتأثير الصحف لدى فئة كبيرة". تقليل النفقات وأكد رئيس تحرير جريدة «الأنباء» يوسف المرزوق، أنه «لا تأثير في عدد القراء بالاحتجاب، لأن أغلبية جهات الدولة من حكومة وقطاع خاص ستكون في إجازة أيضاً». ونفى نفياً قاطعاً أن يكون قرار الاحتجاب تمهيداً لإغلاق الصحف الورقية، مشدداً على أن «الهدف تقليل النفقات، لكون العالم بأكمله يمر بأزمة اقتصادية ملموسة من جميع الجهات». أزمات مالية بدوره، أوضح مدير تحرير جريدة «الجريدة» ناصر العتيبي، أن الصحف الورقية بدأت تواجه أزمات مالية حادة في الآونة الأخيرة، معتبراً أن قرار الاحتجاب الجزئي لصحف الكويت لا يمثل إرهاصة بانتهاء عصر الصحافة الورقية قريباً، معتبرا أنه «من السابق جدا لأوانه أن نتكلم عن إغلاق الصحف في الكويت، لاسيما أنها تتخذ خطوات جريئة في محاولات جادة وحثيثة للحؤول دون ذلك». ولفت العتيبي إلى أن «الجريدة» ستعمد خلال الفترة المقبلة إلى «تطوير نسختها الورقية لتضم إلى جانب الأخبار المزيد من التحليلات والتقارير والمقابلات والتحقيقات»، مواكبة للمنافسة الحادة الإلكترونية التي تواجهها، فضلا عن التحديات الحالية والمستقبلية. وعن تأثير قرار الاحتجاب في عدد قراء صحيفته، أوضح أن ذلك من الصعب قياسه في المرحلة الحالية، متوقعاً عدم انصراف القراء أو تحولهم إلى صحف أخرى، لأن قراء «الجريدة» يصعب تغييرهم، خصوصا أن الصحف الزميلة ستحتجب أيضاً في التوقيت ذاته، كما «أننا سنعوض الاحتجاب بغزارة الأخبار على الموقع الإلكتروني ووسائل التواصل». الموقع الإلكتروني وذكر العتيبي أنه «مواكبة لتطلع القارئ إلى الحصول على المعلومة بمنتهى السرعة عقب الحدث مباشرة، فإن «الجريدة» تحرص على تلبية هذا المطلب، وهو ما يمكن أن يلاحظه القراء على موقعها الإلكتروني بما فيه من تحديث على مدار الساعة، وعلى سبيل المثال فإننا ننشر مجريات جلسة مجلس الأمة كاملة على موقع الجريدة الإلكتروني، وفي صفحتها على «تويتر» فور انتهائها». وشدد على عدم وجود أي نية لتحصيل رسوم لقاء الخدمات الإلكترونية، مبينا أن تلك الخدمات تمثل «عاملا مساعدا للجريدة الورقية، والهدف منها خدمة القارئ لا التحصيل المادي». إعلاميون: توقعات بزيادة فترة الاحتجاب خلال عام أو اثنين رأى رئيس قسم الإعلام في كلية الآداب بجامعة الكويت د. مناور الراجحي أن "حجب الصحف يوم السبت من كل أسبوع أتى متأخرا سنتين أو ثلاث"، متوقعا أن "تزيد فترة الاحتجاب خلال عام أو عامين، لتشمل يومي الجمعة والسبت". وقال الراجحي إن "نحو 70 في المئة من النسخ الورقية للصحف يوزع على الهيئات والوزارات والبنوك عبر اشتراكات حكومية أو تجارية"، موضحا أن "المعلن أصبح يحجم عن الإعلان أيام الإجازات، لذلك كان على أصحاب الصحف وقف الصدور خلالها توفيرا للنفقات، بدلا مما شهدناه خلال السنوات الخمس الماضية من الاستغناء عن كفاءات كانت تضمن جودة المحتوى". ووصف الإعلامي عبدالله بوفتين خطوة الاحتجاب بأنها "استسلام من الصحف الورقية للأمر الواقع بما فيه من وسائل حديثة توفر محتوى متطورا ذا مزايا متعددة أهمها الجانب التفاعلي". وقال الإعلامي عبدالوهاب العيسى إن "الصحف الكويتية مظهر اجتماعي لمالكيها، وتعتمد على دعمهم، ولا تقوم على حساب الإيراد والدخل الدوري والمكسب والخسارة"، متوقعا أن "تستمر الصحف الورقية فترة ليست قصيرة، مع تغيير سياستها في الصدور لتصبح أسبوعية أو حتى شهرية". وتأكيدا لأهمية الصحافة الإلكترونية مقابل المطبوعة، قال الأديب والباحث السياسي د. محمد البغيلي إن "الانتقال إلى الصحافة الالكترونية الآن يعزز مسيرة التطور الإنساني بشكل عام، ويرفع مستوى الوعي لدى الأفراد، ويجعل المعرفة أكثر تكاملا، والأخبار أكثر مصداقية، من خلال تدعيمها بالوسائط المرئية والمسموعة". في السياق ذاته، لفت أمين سر اتحاد الإعلام الإلكتروني محمد العرادة إلى أن "الاحتجاب سيؤثر سلبا على الصحافة الورقية، من حيث عدد القراء"، معتبرا إياه "توطئة لإلغاء الصحافة الورقية في المستقبل القريب، لاسيما مع اهتمام أغلبها بدخول عالم الإعلام الإلكتروني، بينما لم نر أي صحيفة إلكترونية تتخلى عن نسختها الرقمية لتدخل العالم الورقي".
مشاركة :