كان العرسان يتزينون بها.. ومن ينشد الراحة والاسترخاء يتوجه إليها.. كما كانت إحدى الطرق القصيرة التى يصل بها السلاطين لقلوب المصريين.. إنها الحمامات التى أسس بعضها كثير ممن حكموا مصر منذ قرون منهم السلطان الأشرف أبوالنصر إينال، الذى أسس عام ١٤٥٦ حمامًا حمل اسمه بشارع المعز وبالقرب من قصر الأمير بشتاك الناصرى، والمقام فيه ما يعرف بـ«بيت الغناء العربى»، كمقصد للزائرين وقبلة لمحبى التراث القديم، ما زال يحتفظ برونقه القديم، ما إن يتجول داخله حتى يعود بك الزمن إلى مئات السنين، تتذكر أن من حولك أصوات نساء يتهامسن، يدندن فى مقطوعات أناشيد ممزوجة بجدران ضمت فى يوم ما جمالهن، عليك أن تستسلم وتجلس قليلًا فى المنتصف، هنا الروائح ما زالت عالقة كلما حاولت أن تستحضر الماضى، تتخيل نسوة جلسن يتسامرن فى صباح كانت تملأه السعادة قبل أن يتفاجأن بحريق.يتكون الحمام من ثلاثة أقسام، الحجرة الباردة وتسمى «المسلخ»، ثم ممر يقود على حجرة دافئة، ثم ممر يؤدى إلى الحجرة الساخنة التى تسمى حاليًا بـ«الساونا». شهد هذا الحمام قصة ملحمية أبرزت معانى ومبادئ عن الخجل والحياء، فالذين خرجوا عراة عاشوا، والذين جلسوا خوفًا من الفضيحة ماتوا.فهى حكاية مصرية حدثت فى عصر الدولة العثمانية، التى كانت إمبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قائمة لما يقرب من ٦٠٠ عام، وعندما كانت مصر تقع تحت حكم العثمانيين فى ذلك الوقت، كانت العمارة قديما تعتمد بشكل أساسى على وجود الحمامات القديمة، والتى كانت عبارة عن رقعة واسعة للاستحمام وجميع أمور النظافة والاسترخاء للرجال والنساء، وتستخدم بشكل أساسى الحطب والأخشاب والنشارة لتسخين أرضية الحمام والمياه، لتدفئة الجو والمساعدة على الاسترخاء، ورغم كثرة الحمامات فى تلك الفترة فإن الحب اختص بميزة ليملأ البخار الحمام جعلوا بالقرب منه، وتحديدًا فى الخلف «محمصة» للفول، فيخرج الدخان الناتج عنه داخل الحمام فى شكل بخار، كما يتم استخدام «المخلفات والأوراق التى لا تستعمل ليتم حرقها وتسخين المياه ليخرج البخار منها حسبما ذكر حازم جابر مدير منطقة آثار قلاوون.ويضيف «جابر» أن صناعة الحمامات القديمة فى عصر الدولة العثمانية كانت تعتمد بشكل أساسى على استخدام الخشب فى القباب والسقوف الخاصة بها، كما كانت هناك أخرى منها مصنوعة بأكملها من الخشب، وفى أحد الأيام ذهب الكثير من النساء للاستحمام وتركت إحدى العاملات بالحمام النار مشتعلة بشكل كبير، فنشب حريق هائل فى الحمام، لم يسنح الوقت للكثير من السيدات بارتداء ملابسهن، فهرب كل السيدات اللواتى كن يرتدين بعض الملابس ومن استحيين، فضلن الموت على الخروج عاريات.وتقول الحكاية إنه عند عودة صاحب الحمام سأل «البواب» الذى كان يرعى المبنى من الخارج أثناء غيابه: «هل مات أحد من النساء؟»، فأجابه «نعم.. اللى اختشوا ماتوا»، وصارت الجملة مثلًا يقال للإشارة إلى أن من يخجلون قد ماتوا، ولم يتبقَ إلا من لا يستحى ولا يخجل.اختتم حازم جابر حديثه بأن انتشار الحمامات قديما كان دليلًا على عناية المصريين بنظافتهم الشخصية، وشكلهم العام، وأنهم وصلوا منذ مئات السنوات إلى حمامات «الساونا».
مشاركة :