بعد أكثر من شهر من الاضطراب والتخبط الذي ساد دوائر القرار، توصلت واشنطن الى قرار مفاده بأن القوات الأميركية المنتشرة في سورية، والبالغ عددها ألفي جندي، باقية فيها. وتوصلت واشنطن كذلك الى اجماع بأن القوات الأميركية المنتشرة في افغانستان، والبالغ عددها 45 الفاً، هي في طريقها الى الانسحاب قبل نهاية العام، في وقت تواصل الديبلوماسية الأميركية عملها على التوصل الى تسوية بين الحكومة الافغانية وحركة «طالبان»، وهي تسوية تتم برعاية، وتسهيل، وضمانة دول خليجية.في الملف السوري، وفي ما يشبه تمرد المؤسسة العسكرية على قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من سورية، ووفقا لما كانت أوردته «الراي» في اليوم الذي تلى اعلان ترامب قراره، الشهر الماضي، حول امكانية عدم تنفيذ القرار الرئاسي بالتذرع بجدول زمني بلا موعد نهائي لاتمامه، ستواصل القوات الأميركية انتشارها في المناطق السورية شرق الفرات، حتى اشعار آخر. وتم تأكيد القرار الاميركي على اثر لقاء عقده كبار أركان المؤسسة العسكرية في وزارة الدفاع (البنتاغون)، بحضور وزيري الدفاع بالوكالة والخارجية باتريك شانهان ومايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتون. ونقلت قناة «الحرة» الأميركية عن مسؤول في البنتاغون «ان المهمة العسكرية الأميركية في سورية لم تنته بعد». وفي قول يعاكس صراحة ما سبق ان اعلنه ترامب حول انتهاء عملية القضاء على تنظيم «داعش»، قال المسؤول الاميركي انه «ما زال الكثير من المهمات والعمليات التي ينبغي القيام بها في سورية، وخصوصا ضد تنظيم داعش». ويعزو المتابعون في العاصمة الأميركية اسباب الاستدارة في الموقف الاميركي الى انفراد ترامب في قراره، الذي كان اعلنه في تغريدة، حول اتمام القضاء على «داعش»، وحول اعطائه اوامر لوزارة الدفاع بضرورة الانسحاب الفوري من هناك. ثم بعد زيارة ترامب المفاجئة إلى العراق، للمشاركة في عيد الميلاد مع الجنود الاميركيين في قاعدة عين الأسد، استمع الرئيس الى آراء الضباط الميدانيين، الذين اقنعوه باستحالة السيطرة على مناطق «داعش» في سورية من دون تواجد القوات الأميركية هناك، وان متابعة القضاء على التنظيم وضمان عدم عودته من العراق وحده ستحتاج الى بضعة آلاف اضافية من الجنود الاميركيين، خصوصا في حال الانسحاب من سورية والتخلي عن المجموعات الكردية المسلحة، التي ترفد القوة الأميركية بآلاف المقاتلين، وهم المقاتلون الذي تصنفهم تركيا - حليفة اميركا والتي اقنع رئيسها رجب طيب اردوعان نظيره ترامب بضرورة الانسحاب الاميركي من سورية - بمثابة «ارهابيين». ومع خروج جيمس ماتيس من وزارة الدفاع، وفي وقت يعتقد البعض ان خلفه بالوكالة سيبدي حزما اكثر واستعدادا للخوض في مغامرات عسكرية، خصوصا ضد ايران، تقول مصادر اميركية رفيعة المستوى لـ «الراي» ان شانهان من اكثر المتمسكين بالديبلوماسية مع الايرانيين. وقبل تعيينه وكيلا لوزارة الدفاع صيف العام 2017، سبق لشانهان ان عمل في مناصب رفيعة المستوى في شركة «بوينغ» الأميركية العملاقة للطيران، والاخيرة كانت من ابرز المندفعين نحو اتفاقية مع طهران، وهي وقعت عقودا بقيمة 25 مليار دولار مع الايرانيين، قبل ان يتسلم ترامب دفة الرئاسة، وينسف كل انواع التعاون والانفتاح على الجمهورية الاسلامية. على ان العاصفة التي اثارتها التغريدة الرئاسية حول سحب واشنطن قواتها من سورية هدأت، وعادت بذلك الولايات المتحدة الى سياستها التي عملت على تطويرها على مدى السنتين الماضيتين، وهي سياسة تقضي بمتابعة تمركز القوات الأميركية في وادي الفرات، لمنع عودة «داعش»، وللاطباق على نقاط استراتيجية تحتاجها ايران لتزويد ميليشياتها في سورية بالسلاح والمقاتلين. في الوقت نفسه، ستواصل واشنطن سياستها القاضية بحرمان نظام الرئيس السوري من أي أموال يحتاجها لاعادة الاعمار من دون توصل بشار الأسد ومعارضيه الى تسوية سياسية حقيقية تقضي بكتابة دستور جديد، واجراء انتخابات، وقيام حكومة وحدة وطنية.
مشاركة :