الأخبار المزيفة .. العالم مليء بالأغبياء

  • 1/6/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قرار للعام الجديد، لنا جميعا: اتركوا الحديث عن الأخبار المزيفة. ربما كان علينا أن نتوقف في الوقت الذي بدأنا فيه الحديث عنها. وفقا لـ "جوجل تريندز"، كان ذلك هو الأسبوع الذي تلا فوز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، ما يشير إلى أن هذا الاهتمام كان مدفوعا بأشخاص مندهشين يبحثون عن تفسير. لم تكن الأخبار المزيفة هي كبش الفداء الوحيد، لكنها كانت ولا تزال كبش فداء رائجا. كما تمت تسميتها "كلمة العام" في عام 2017 من قبل "كولينز ديكشنري". لكن هذه العبارة لم تعد مفيدة منذ فترة طويلة.. فيما يلي خمسة أسباب لذلك. أولا، الأخبار المزيفة لا تعني شيئا - أو بالأحرى، تعني كثيرا من الأشياء المختلفة لأشخاص مختلفين بما أنها تسبب الحيرة. دراسات مجموعة التركيز التي أجراها معهد رويترز لدراسة الصحافة أثبتت أن الناس وضعوا أشياء مختلفة تحت مظلة "الأخبار الكاذبة"، بما في ذلك الإعلانات المنبثقة المزعجة، والسياسيون الذين يقدمون ادعاءات مضللة، والصحف ذات الميول السياسية. لا يتطابق أي من هذا مع التعريف الأصلي للأخبار المزيفة - على الأقل، بالشكل الذي أفهمه - الذي يشير إلى القصص التي يتم اختراعها للفوز بنقرات إعلانية، أو إلى الصحافة المُنتَحلة، أو المُقلَدة بطريقة ساخرة. المثال الأكثر شهرة هو "الإعلان" أن البابا صادق على ترشيح ترمب للرئاسة. تمت مشاركة مثل هذه القصص على نطاق واسع، وبينما ادعى بعضهم أنها مجرد دعابة أو نوع من التهكم، إلا أن الدافع الرئيسي كان المال. تلفيق الأكاذيب زهيد الثمن، والأكاذيب اللافتة للنظر هي مصدر موثوق للنقرات وبالتالي جني المال من الإعلانات. ولا عجب أن يصبح الصحافيون غاضبين: فبالنسبة إلى كثير من الصحف أصبحت الأخبار الحقيقية غير مربحة والأخبار المزيفة مصدرا للأموال. لكن بالنسبة إلى أولئك الذين عقدوا العزم على الاعتقاد أن تأييد البابا الوهمي تسبب في أن تكون الانتخابات لمصلحة ترمب، هناك قليل من الأدلة على أن هذا - أو ما شابهه من العناوين المفبركة اللافتة للانتباه - تسبب في أي شيء من هذا القبيل. في حين إنه تمت مشاركة المواضيع الكاذبة الأكثر شيوعا على نطاق واسع على الأقل بقدر أكثر المقالات الحقيقية شيوعا، إلا أن هذا يعود جزئيا إلى أن الأخبار الكاذبة كانت فريدة بينما كل مقالة حقيقية كان لديها عشرات المقلّدين أو المقالات المشابهة. توصلت دراسة أجراها الاقتصاديان، هانت ألكوت وماثيو جينتزكوف، إلى أن الأخبار المزيفة لم تكن ببساطة منتشرة وحاضرة في الذاكرة على نطاق واسع كما يعتقد كثيرون. ورغم شيوعها في وقت غير بعيد من انتخابات 2016، إلا أن هذه القصص لم تغير على الأرجح مجرى الانتخابات. إليكم السبب الثاني لتجاهل عبارة الأخبار المزيفة: في صيغتها الأصلية هي شيء مزعج، وأحيانا تحرض على العنف الخطير. لكن على الرغم من درجة معينة من الذعر الأخلاقي، لا تشكل في حد ذاتها تهديدا وجوديا للديمقراطية أو الصحافة الحرة. ما يشكل مثل هذا التهديد هو ردود الفعل شديدة القسوة من الحكومات. هل هذا محتمل؟ وصفت منظمة فحص الحقائق "فل فاكت" استجابة بعض الحكومات وشركات الإنترنت والإعلام بأنها "ردود فعل مخيفة أكثر من اللازم" - على الرغم من أنها تضيف أن حكومة المملكة المتحدة تجنبت حتى الآن الإجراءات المتعجلة، أو غير الليبرالية. من السهل جدا تحويل المخاوف المشروعة بشأن المعلومات الخاطئة إلى موقف تقرر فيه الحكومة ما يمكن قوله ومن يمكن أن يقوله. نحن بحاجة إلى توخي الحذر من أن يكون الحل أسوأ من المشكلة - وهو سبب ثالث لتجنب الذعر من الأخبار المزورة. السبب الرابع هو أن ترمب، مع عبقريته الملتوية في تحويل قضية معقدة إلى هراوة سياسية، نشر هذا المصطلح لتشويه صورة الصحافيين الاعتياديين. بالنظر إلى عدد الصحافيين الذين قُتلوا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في الولايات المتحدة، فقد يأمل المرء في بعض السيطرة من جانب الرئيس، لكن دون جدوى. سياسيون آخرون تبنوا هذه العبارة، بمن فيهم رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، وزعيم حزب العمال، جيريمي كوربين. أشعر بالقلق حيال عالم يصدق فيه كثير من الناس الأكاذيب، لكنني أشعر بقلق أكبر حيال عالم يرفض فيه كثير من الناس غريزيا تصديق الحقيقة. إليكم السبب النهائي لتهدأوا من ناحية الأخبار المزيفة: إنها تغذي الافتراض المغري، لكن المتعجرف، بأن العالم مليء بالأغبياء. يتم أحيانا خداع الناس بالأكاذيب، وبعض الأكاذيب المذهلة اجتذبت انتباها على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر مما قد يرجوه المرء. لكن إذا أقنعنا أنفسنا بأن ترمب تم انتخابه من قبل أشخاص أرادوا أن يكونوا على الجانب نفسه الذي ينتمي إليه البابا، فإننا لا نمنح الناخبين التقدير الكافي. صحيح أن معظم الناس مبتعدون عن الأخبار الجدية، ويصوتون بأحاسيسهم بدلا من عقولهم، أو يسترشدون بالأصدقاء بدلا من قراءة تحليل السياسة بشكل جيد. لكن هذا لا يجعلهم حمقى. هناك كثير مما يثير قلقي في بيئة المعلومات السياسية الحالية. أشعر بالقلق "جزئيا بشكل أناني" من أن الحفاظ على عمل يوفر صحافة جادة أصعب مما كان عليه في السابق. وأشعر بالقلق من أن السياسيين في جميع أنحاء العالم يبذلون قصارى جهدهم لتسييس ما يجب أن يكون غير سياسي، لتشويه التحليل المستقل والحط من قيمة الخبرات. أخشى أن يكون هناك قليل من الشفافية حول الإعلانات السياسية في العصر الرقمي. فنحن لا نعرف من الذي يدفع ثمن خبر ما ليتم عرضه على شخص ما. تواجه الصحافة الحرة - والخطاب الديمقراطي السليم - بعض المشكلات الوجودية. الأخبار المزيفة ليست واحدة منها.

مشاركة :