أحد الزملاء العرب يعيش ويعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، أرسل إلي قبل فترة من الزمن رسالة قال فيها متهكما أو جادا «ألستم مع الحرية الإعلامية؟ لماذا هناك صحفيون ومؤلفون سعوديون يطالبون بإغلاق قناة الجزيرة الفضائية؟!». ولهذا الزميل ولكل من تبادر لذهنه مثل هذا السؤال، أقول: توجد وسائل إعلام كثيرة تنتقد وتتحدث يوميا بمواضيع قد لا تروق لنا أو في مواضيع تؤذينا وتسبب حتى ربكة في أسواق المال، لكن معظم تلك الوسائل الإعلامية لديها خط لا تتجاوزه، وهو خط المهنية والمصداقية، وإذا قدر وتجاوزته فإن القضاء سيحسم الأمر معها. وفي حالة قناة الجزيرة، هي ببساطة متناهية قناة لم تعد تنقل الأكاذيب فحسب، بل تطورت إلى صناعة المحتوى أو القصة الخبرية المفبركة والترويج لها، هي غير مهتمة بوظيفة الإعلام في نقل الحقيقة، بل مهمتها المشاركة بفعالية في حرب تتم وتستهدف استقرار بلادنا، ووظيفتها التحريض ونشر الشائعات وترويج الأكاذيب، وهي في هذا السياق تحظى بمظلة من الحماية، فعندما تكون متضررا منها لا طريق لتصحيح الخطأ وتوضيح انتهاكها لحقوقك الإنسانية والقانونية، لا تستطيع رفع قضية ومحاكمتها، فالدولة التي تنطلق منها أبعد ما تكون عن قيم الحرية الإعلامية، وأبعد ما تكون عن حرية التعبير. ولعل كثيرا منا يعلم ما تردد عن حكم المؤبد الشهير على شاعر قطري، والسبب قصيدة لم تعجب أميرها. في اللحظة نفسها الجزيرة لا تتحدث عن الجرائم التي تحدث في قطر مثل سوء معاملة العمال الذين ينصهرون في بناء ملاعب كرة القدم التي راح ضحيتها كثير بين قتيل وجريح، ورغم أن هناك منظمات دولية حقوقية تتحدث وتناشد وتصدر تقارير، إلا أننا لم نسمع أن الجزيرة سلطت الضوء على هذه القضية، والحال نفسه في موضوع تهجير كثير من أبناء الشعب القطري وسحب هوياتهم وتجريدهم من حقوقهم الوطنية وغيرها كثير. وسائل الإعلام المحترمة تحترم أولا كلمتها وتصون ميثاق الشرف الإعلامي، فلا تنصب نفسها مدعية وقاضية ومنفذة لتلك الأحكام، وسائل الإعلام المحترمة لا تضع نفسها في مستوى السلطات التشريعية ولا في منزلة السلطات القضائية ولا في مكانة السلطات التنفيذية، وسائل الإعلام المحترمة إن تجاوزت كل هذه الخطوط فإن هناك قانونا يردعها ويعيد لها توازنها ويضعها في حجمها الطبيعي، فهل هذا القانون متوفر في قطر؟ إذا حدث وتجاوزت قناة الجزيرة في تغطيتها الإعلامية وبثت سمها وتجنت وافترت، هل يمكنني أن أرفع قضية عليها في الدوحة؟ أعلم أن هناك من سيقول إن القضاء القطري مشرعة أبوابه أو إنه قضاء نزيه، لكننا نعلم حجم هذه النزاهة ومتى تظهر ومتى تطمر في التراب. قضيتنا مع الجزيرة ليست تغطية إعلامية، ولا موضوع رأي، ولا مساحة حرية. القضية الحقيقية أنها سلاح في حرب تشن ضد بلادنا ورموزنا الوطنية، تريد تجريدنا من كل جميل في وطننا، مثل شرف خدمة الحرمين الشريفين التي أنعم الله بها علينا.
مشاركة :