ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، قداس عيد الغطاس ويوم السلام العالمي على المستوى الوطني في لبنان، وذلك في كنيسة السيدة بالصرح البطريركي في "بكركي"، بحضور وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال "سيزار ابي خليل"، ممثلا عن رئيس الجمهورية ميشال عون، ولفيف من الشخصيات السياسية والاجتماعية.وفي عظته تحدث البطريرك عن عدة نقاط حول الأية المقدسة "لمّا اعتمدَ يسوع، وكان يصلّي، انفتحت السماء"، مُعددًا النقاط التالية:1. نحتفل اليوم بعيدَين: عيد الغطاس وهو معمودية يسوع بالماء على يد يوحنا المعمدان. وفيها تمّ اعتلان ألوهيّة يسوع وظهور سرّ الثالوث القدّوس. لذا، يُعرف العيد، بحسب اللّفظة السريانية، "بالدنح" أي الظهور. "فلما اعتمد يسوع، وكان يصلّي انفتحت السماء، ونزل عليه الروح القدس في صورة جسدية بشكل حمامة، وجاء صوت من السماء يقول: "انت هو ابني الحبيب، بك رضيت".2. نحتفل بهذه اللّيتورجيّا الإلهيّة إحياءً لهذَين العيدَين. وإذ أرحّب بكم جميعًا وأهنِّئكم بعيد الغطاس الذي هو خاتمة الأعياد الميلادية، وبالسنة الجديدة، راجيًا من الله ان تكون سنة خير وسلام على وطننا وبلدان الشَّرق الأوسط.3. إنّنا نخصّص هذه العظة لنقل تعليم قداسة البابا فرنسيس في رسالته ليوم السّلام العالميّ، بعنوان: "السّياسة الصّالحة هي في خدمة السّلام". يحدّد فيها مفهوم السّياسة الصّالحة بمبادئها الإنسانيّة والصّفات التي ينبغي أن يتحلّى بها رجل السّياسة؛ ويتكلّم عن العيوب التي تُفقدها صلاحها، وينهي بمشروع السّلام الكبير.4. مفهوم السّياسة الصّالحة وهي التي تقدّم السّلام الى كلّ شخص وعائلة وجماعة ووطن، والى أرضنا التي يسمّيها البابا فرنسيس" بيتنا المشترك"، والتي أسكننا الله عليها ويدعونا لنعتني بها. هذا السّلام قدّمه المسيح للعالم، ويشكّل لبّ رسالة تلاميذه، فلما أرسلهم قال: "حيثما كنتم، قولوا السّلام لهذا البيت". من هذا المنطلق حدّد الرّبّ يسوع السّياسة بأنّها "خدمة متفانية"، لتأمين خير الشّخص والجماعة، بحيث تحميهم وتوفّر لهم الأوضاع الكفيلة بمستقبلهم اللّائق والعادل، سواء كانوا في البيت، أم العائلة أم المجتمع، أم الكنيسة أم الدولة. إن لم تكن السّياسة كذلك تصبح أداة ظلم وإقصاء بل وهدم.5. عندما تُمارَس السّياسة الصّالحة يتّصف العمل السّياسيّ بالعدالة والإنصاف والاحترام المتبادل والإخلاص والصّدق والأمانة. ويتحلّى رجل السّياسة بالصّفات الحميدة التي تجمّل عمله ونشاطه ومسؤوليته، من مثل: الضمير المدرك للمسئوليّة؛ العمل الدؤوب من أجل الخير العام، لا من أجل المصلحة الخاصة؛ السعي بجدّية الى تحقيق تغيير جذريّ في الممارسة والإدارة من أجل الخير العام الأفضل؛ الشجاعة في الدفاع عن الحقيقة والعدل؛ حسن سماع حاجات المواطنين والعمل على تلبيتها؛ أخيرًا لا آخرًا احترام حقوق المواطنين الأساسيّة وتعزيزها، مع ما يقابلها من واجبات.6. إذا ألقينا نظرة إلى واقعنا اللّبناني، وإلى كيفيّة ممارسة السّياسة عندنا، في ما آلت اليه اليوم، لرأيناها بعيدةً كلّ البُعد عن مفهوم السّياسة الصّالحة. فكيف يمكن قبولها عندما تكون وسيلة للاغتناء غير الشّرعيّ ولتأمين المصالح الخاصّة والفئويّة والمذهبيّة والحزبيّة، على حساب الصّالح العام؟ كيف يمكن القبول بتعطيل تأليف الحكومة بعد ثمانية أشهر من أجل مصالح النّافذين ومَن معهم ومَن وراءهم، غير آبهين بالخراب الاقتصاديّ والخطر الماليّ المتفاقم، وبالشّعب المتضوّر جوعًا، والعئلات التي تتفكك، وبالبطالة المحطّمة للقدرات الشّبابيّة؟ كيف يغمضون عيونهم ويصمّون آذانهم عن أنين هذا الشّعب ومطالباته في مظاهرات وإضرابات، نحن نؤيّدها تمامًا لأنّها محقّة وعادلة؟ لقد سئم الشعب والرّأي العام كلّ ذلك! وعندما نسمعهم كل يوم يتكلّمون عن حصصٍ من أجل تأليف حكومة، لسنا ندري متى تأتي، تشعر كأنّك أمام مشهد جثّة وطنٍ يتناتشها المنقضّون عليها، ويسمّون ذلك "وحدة وطنيّة".7. العيوب المشوِّهة للسّياسة، فإنّ العيوب التي تُفقد السّياسة صلاحها ومصداقيّتها وهيبتها في قراراتها وأعمالها، إنما هي عيوب في السّياسيّين، من مثل: الفساد، بمختلف أشكاله، والاغتناء غير المشروع، والسّعي إلى المصالح الشّخصيّة فقط، والاحتفاظ بالسّلطة بكلّ السّبل، والتّمييز العنصريّ، والخوف من الآخر المختلف، واللّاثقة، والانغلاق على الذّات وعلى الحزب والمذهب. هذه كلّها تقضي على الأخوّة التي يحتاجها عالمنا ونحن في زمن العولمة. ما يعني أنّ أكثر ما تحتاج إليه مجتمعاتنا هو "صانعو سلام" كرسل وشهود أصيلين لله الآب الذي يريد الخير والسعادة لكلّ العائلة البشرية.8. بنتيجة هذه العيوب، يكون مستقبل الشباب مظلمًا ومقلقًا، وتولد فيهم اللّاثقة بالمسئولين السّياسيّين وبالوطن، حيث محكومٌ عليهم أن يعيشوا على هامش الحياة العامّة، ومن دون إمكانيّة المشاركة في مشروع بناء المستقبل، بما لهم من مواهب وقدرات. في هذه الحالة، لن يعيش الشّباب في سلام ولن يتذوّقوا طعمه، لأنّهم لا يجدون قلبًا يحبّ، وعقلًا يفكّر ويخطّط، ويدًا تمتدّ لتعضد وتُنهض. فهذه الثلاثة تولّد السّلام. ومن أخطار العيوب المشوِّهة للسياسة، استراتيجيّة الحرب والتّخويف، التي يعزّزها انتشار الأسلحة المنافية للأخلاقية، والمولّدة للرّعب في أشخاص سريعي العطب. وتجدر الإشارة إلى أنّ طفلًا من أصل ستة هو ضحيّة عنف الحرب ونتائجها.9. مشروع سلام كبير، السّلام هو ثمرة مشروع سياسيّ كبير يتأسّس على المسؤوليّة المشتركة وعلى الترابط بين البشر. وهو رهان يتطلّب قبولًا يومًا بعد يوم. السّلام هو ارتداد القلب والرّوح، وله ثلاثة أبعاد: السّلام مع الذات أي العذوبة ورفض التّشدّد والغضب ونفاذ الصّبر. السّلام مع الآخر أكان إبن البيت أم غريبًا أم فقيرًا أم متألِّمًا فيجب لقاؤه وسماع ما يحمل من رسالة في داخله. السّلام مع الخلق باكتشاف عظمة عطيّة الله، ووعي مسؤوليّة كلّ واحد منّا كساكن في العالم ومواطن وصانع سلام. فلا يحقّ استغلال موارد الطبيعة بشكل عشوائي بهدف الربح السّريع.10. سياسة السّلام تستوحي نشيد العذراء مريم، أُمّ المسيح المخلّص، وملكة السّلام، التي ترفعه باسم البشريّة جمعاء: "تعظّم نفسي الرّبّ. فرحمتُه من جيلٍ إلى جيلٍ للذين يتّقونه. أظهر شدّة ساعده: فبدّد المتكبّرين بأفكار قلوبهم. حطّ المقتدرين عن عروشهم، ورفع المتواضعين. أشبع الجياع من خيراته، وصرف الأغنياء فارغين؛ عضد شعبه، وتذكّر رحمته".
مشاركة :