بينما تتأرجح أسعار النفط صعودا وهبوطا ومع حالة من القلق بشأن وتيرة نمو الاقتصاد العالمي، تظهر الأصول الاحتياطية للسعودية كأحد أهم الأوراق التي تستخدمها المملكة لحماية اقتصادها من تقلبات أسعار الخام وسط حالة من عدم اليقين بشأن وتيرة نمو الاقتصاد العالمي. وفي خضم أزمة طاحنة تضرب أسواق النفط حول العالم، بدا أن المملكة تتكئ على الاحتياطات الضخمة من الأصول الأجنبية التي كونتها في أوقات ارتفاع أسعار النفط على مدار السنوات الماضية. والأصول الاحتياطية للمملكة نوعان الأول هو الأصول الاحتياطية التي تضم النقد، والذهب، وحقوق السحب الخاصة، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي، والنقد الأجنبي والودائع في الخارج، إضافة إلى الاستثمارات في أوراق مالية في الخارج. أما النوع الثاني وهو الأصول الاحتياطية للدولة الذي يتمثل في أصول مملوكة لمؤسسة النقد العربي، سما، والتي تشمل ثلاثة بنود رئيسية، الأول مخصصات المشاريع وتشمل مشروعات الإسكان والنقل وخلافه، والثاني الحساب الجاري، والثالث الاحتياطي العام للدولة. وتظهر حسابات للشرق الأوسط ارتفاع النوع الأول من الاحتياطات وهو الأهم، كونه معرضا لتقلبات الاقتصاد العالمي وأسعار السلع والعملات، نحو 24.84 مليار ريال (6.61 مليار دولار) بنهاية العام الماضي، ليقف عند مستوى 2.746 تريليون ريال (732.35 مليار دولار) مقارنة مع 2.72 تريليون ريال (724.7 مليار دولار) بنهاية العام 2013. وقال محللون لـ«الشرق الأوسط» إن الأصول الاحتياطية للمملكة تمكنها من تجاوز فترة تقلبات أسعار النفط خلال السنوات القليلة المقبلة؛ لكنهم شددوا أيضا على ضرورة ترشيد الإنفاق والعمل على إكساب تلك الأصول جودة أعلى بما يعظم العائد منها. ونسبة ارتفاع الأصول الاحتياطية للمملكة على أساس سنوي بنهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي بلغت نحو 1 في المائة. وسجلت الاحتياطيات أعلى مستوياتها خلال ذلك العام فشهر أغسطس (آب) الماضي مع وقوفها عند مستوى 2.79 تريليون ريال (746 مليار دولار). وقال فريد هاونغ، خبير الاقتصادات الناشئة، لدى دويتشه بنك لـ«الشرق الأوسط»: «لديهم رصيد هائل من الأصول الاحتياطية بالخارج التي تم تكوينها في ذروة ارتفاع أسعار النفط». وتحوم أسعار النفط حاليا قرب أدنى مستوياتها في 6 سنوات حول مستوى 60 دولارا للبرميل مع تخمة في المعروض وتراجع في الطلب. ومن 2010 بدأت أسعار النفط من التعافي بأعقاب هبوطها بشدة إبان الأزمة المالية العالمية التي ضربت الأسواق في العام 2008. ووصلت الأسعار إلى ذروتها خلال تلك المدة في أبريل (نيسان) عام 2014 حينما كان سعر برميل النفط يحوم حول مستوى 118 دولارا للبرميل. وفي 2010. كانت الأصول الاحتياطية للمملكة تقف عند مستوى 1.66 تريليون ريال (442.6 مليار دولار) بزيادة قدرها نحو 289.75 مليار دولار. وتابع هاونغ: «لقد استثمرت السعودية على مدار تلك السنين عوائد النفط بحكمة وذكاء وعمدوا إلى ضخ تلك الأموال في الأصول الآمنة التي تدر عائدا لا بأس به». وتمثل استثمارات الأوراق المالية السواد الأعظم من الأصول الاحتياطية للمملكة، إذ تبلغ نسبتها نحو 72.5 في المائة من إجمالي تلك الأصول. ويعتقد أن الاستثمارات في الأوراق المالية يتركز معظمها في السندات الأميركية ذات العائد الجيد مع قوة الدولار. ويحوم مؤشر يقيس أداء الدولار مقابل سلة العملات الرئيسية قرب أعلى مستوى له في نحو ست سنوات. ولا تفصح مؤسسة النقد السعودي عن حجم الاستثمارات التي يتم ضخها في السندات الأميركية. ولكن بيانات مستقاة من الموقع الرسمي للخزانة الأميركية تظهر مشتريات الفئة التي تنتمي إليها السعودية، وهي فئة الدول المصدرة للنفط، عند مستوى 300 مليار دولار بنهاية العام الماضي. وتضم هذه الفئة إلى جانب السعودية الدول الخليجية الست كلا من العراق والجزائر والغابون ونيجيريا وليبيا والإكوادور. وقالت سيسليا غيلين، مديرة صندوق استثماري في أدوات الدخل الثابت لدى سيتي غروب: «تبقى جاذبية السندات الأميركية لأي مشترٍ تنبع من أمانها.. وفي حالة السعودية أعتقد أن حجم الاستثمارات السعودية في تلك النوعية من الأوراق المالية قد يتخطى النصف بقليل». ووفقا لمؤسسة النقد السعودي فقد بلغت الأصول الاحتياطية للمملكة في فئة الأوراق المالية التي تندرج بها السندات الأميركية نحو 1.99 تريليون ريال (530.6 مليار دولار) بنهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وعلى مدار العام ارتفعت استثمارات السعودية في الأوراق المالية من مستوى بلغ 1.94 تريليون ريال بنهاية 2013 إلى مستوى بلغ 1.99 تريليون ريال بنهاية العام الماضي. وتابعت غيلين: «العائد المنخفض على تلك السندات يظهر ارتفاعا في الطلب عليها؛ ولكن يبقى التساؤل ما هو جدوى ضخ الأموال في تلك النوعية من الاستثمارات إذا كان كل شيء على ما يرام؟». ويحوم عائد السندات الأميركية لآجل عشر سنوات، وهي السندات القياسية، حول مستوى 1.92 في المائة. والعلاقة عكسية بين العائد على السند والطلب عليه، فإذا ارتفع الطلب تراجع العائد والعكس بالعكس. وخفض صندوق النقد الدولي في أواخر الشهر الماضي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي لعام 2015 ودعا الحكومات والبنوك المركزية إلى انتهاج سياسات للتيسير النقدي وإجراء إصلاحات هيكلية لدعم النمو. وقال صندوق في أحدث تقاريره للتوقعات الاقتصادية العالمية، إن النمو العالمي من المتوقع أن يبلغ 3.5 في المائة في 2015 و3.7 في المائة في 2016 بانخفاض قدره 0.3 في المائة للعامين كليهما عن توقعاته السابقة التي أصدرها في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وفي العام المنصرم، كان الشهر الأخير من العام هو الأسوأ للأصول الاحتياطية للمملكة، إذ تراجعت خلال ذلك الشهر بنحو 30.2 مليار ريال (8.05 مليار دولار) مع تسارع وتيرة هبوط أسعار النفط في أعقاب قرار أوبك بالإبقاء على سقف الإنتاج دون تغيير. وخلال 2014 بأسره، انخفضت احتياطات المملكة لأربعة أشهر متتالية بدأ من نهاية أغسطس، فقدت خلالها الاحتياطات نحو 13.5 مليار دولار أي ما يوازي 50.6 مليار ريال. وإلى مكون آخر من الأصول الاحتياطية للمملكة، وهو الاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي الذي بلغ 14.7 مليار ريال بنهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مقارنة مع 16.1 مليار ريال في الشهر الذي يسبقه. ويستحوذ هذا البند على نحو نصف في المائة فقط من إجمالي الأصول الاحتياطية للمملكة. وظل بند الذهب النقدي عند مستوى 1.6 مليار ريال، وهو عند نفس القيمة منذ تم رفعه في فبراير (شباط) 2008. ويقول أرغون شوكالا، الخبير الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط لدى «ماكسويل ستامب»: «يتعين على المملكة خلال الفترة المقبلة إنشاء صندوق سيادي يمكنها من قنص الفرص الاستثمارية بالخارج والتي من الممكن أن تكون مصدرا رائعا لرفد موارد الميزانية في أوقات الأزمات وحتى بعد اختفاء النفط إلى الأبد». ولمعظم الدول الكبرى المنتجة للنفط صناديق سيادية تدير استثمارات عوائد النفط في الأصول المختلفة يتصدرها صندوق المعاشات النرويجية بإجمالي أصول يبلغ 893 مليار دولار، وفقا لبيانات مستقاة من معهد صناديق الثروة السيادية. وبنهاية العام الماضي، بلغ إجمالي أصول الصناديق السيادية المنتجة للبترول 4.29 تريليون دولار، ويحتسب من ضمنها أصول مؤسسة النقد العربي السعودي. وبلغ احتياطي المملكة من العملات الأجنبية بنهاية العام الماضي 702.2 مليار ريال (187.2 مليار دولار) مقارنة مع 716.6 مليار ريال (191 مليار دولار) بنهاية 2013. ويضيف شيكولا: «يبقى تنويع الأصول خلال الفترة المقبلة هو الأهمية الكبرى للسعودية. وبصورة عامة تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط». وحددت المملكة مساهمة النفط في الإيرادات خلال العام المالي الماضي بنحو 89 في المائة، فيما توقعت أن يسجل الناتج المحلي للقطاع غير البترولي بشقيه الحكومي والخاص نموًا نسبته 8.2 في المائة في 2014. وأقرت السعودية ميزانية ضخمة للعام المالي الجاري، ولكنها سجلت عجزا للمرة الأولى منذ العام 2009؛ لكن وكالة التصنيف الائتماني، موديز، أكدت على أن الأصول الاحتياطية المملوكة للبنك المركزي السعودي، سما، من شأنها أن تقدم الدعم اللازم للحكومة دون اللجوء إلى الاستدانة، بالإضافة إلى المؤسسات المالية القوية بالمملكة على غرار المؤسسة العامة للتقاعد التي تمثل للحكومة قاعدة نقدية محلية هائلة للتمويل. * الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»
مشاركة :