السلع الفاخرة قيمة مضافة لقطار الشرق السريع

  • 1/8/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في حديقة هادئة تقع خلف المتاجر الأنيقة وصالات العرض في رو دو فوبورج سانت أونوريه في باريس، تظهر غابة ساحرة من أشجار عيد الميلاد التي تستحضر الروح الاحتفالية لدى زوار فندق لو بريستول. الأشخاص الأكثر تدقيقا ربما يرون حتى فراء الظبي الملون الذي يرتديه أحد ضيوف الفندق الدائمين، وكذلك فا راون، وهي قطة بورمية، وهي تتسلل بين الأغصان المتلألئة. مع كون كانون الأول (ديسمبر) واحدا من الفترات الأكثر ازدحاما في العام بالنسبة لفندق لو بريستول، كانت رئيسة البوابين سونيا بابيت تتأهب لسلسلة من المفاجآت التي لا تحصل إلا مرة واحدة في العمر، وهي تجارب مختصة بالنسبة لضيوف عيد الميلاد، التي تتجاوز المطاعم الحاصلة على تقييم عدة نجوم من دليل ميشلان، والمنتجعات الفخمة التي اعتادوها. قد تشمل هذه الأنشطة رحلة بطائرة مروحية لرؤية تجهيزات زينة عيد الميلاد في قلعة تشاتو دي فو لو فيكونت، ورحلة خاصة إلى صانع الزهور الحريرية ليجيرون هاوس، والتقاط صور جميلة في الاستوديو الأسطوري هاركور، أو تناول عشاء حميم في مطعم موزيه بيكاسو من إعداد إيريك فريشون، رئيس الطهاة الذي يحمل ثلاث نجوم في تصنيف ميشلان في فندق لو بريستول. وتقول: "الزبائن الذين يأتون للمكوث في فندق لو بريستول هم أشخاص يأتون إلى هنا بانتظام، لذلك هم شهدوا من قبل المعالم العظيمة في باريس. المتاحف والرحلات التي تشمل إمكانية الدخول المميزة إلى برج إيفل، وتناول عشاء رومانسي على متن قارب، تلك أمور يعرفونها من قبل. هم يبحثون عن شيء آخر". الفنادق والتاريخ والخيال، كلها في مكان رائع للغاية: في عالم حيث ينشر الناس قصص حياتهم عبر "إنستجرام"، ويبدو "اقتصاد التجربة" كأنه المكمل المثالي. بالنسبة لشركات السلع الفاخرة، برزت التجربة وكأنها الجبهة الأخيرة في معركتها التي تريد فيها كسب قلوب ومحافظ الأثرياء والأشخاص ذوي الطموح. تتوقع وكالة يورومونيتور، وهي جهة متخصصة في أبحاث السوق، أن الإنفاق العالمي على اقتصاد التجربة، الذي تعتبر أنه يشمل وقتا للفراغ والترفيه والسفر وخدمات الطعام، سينمو من 5.8 تريليون دولار عام 2016 إلى ثمانية تريليونات دولار عام 2030. ذاك ما يمثل نحو نصف عدد المستهلكين جميعا، وبشكل حاسم أغلبية جيل الألفية الجديدة، الذين يقولون إنهم يشترون عددا أقل من المنتجات ومزيدا من الخبرات، وفقا لشركة باين آند كومباني. دائما كان الترف ولا يزال متعلقا بالتجربة - بدءا من الخدمة المتخصصة التي كانت تقدم في بيوت تصميم الأزياء الراقية القديمة، وصولا إلى عمليات التوصيل خلال 90 دقيقة والتصاميم الافتراضية المتاحة من خلال الذكاء الاصطناعي، التي تقدمها متاجر التجزئة الإلكترونية مثل يوكس نيتا بورتيه وماتشيز فاشن دوت كوم اليوم. على ما يبدو فإن ما يسمى اليوم "الترف التجريبي" يقود عهدا جديدا من الصناعة. تقول فلوريان دي سان- بيير، مؤسِّسة شركة استشارات لعلامات تجارية فاخرة: "كانت التجربة جزءا من الرفاهية منذ البداية، لكن اليوم هنالك جزء جديد من المعادلة. نحن لسنا في حاجة إلى امتلاك الشيء لكي نشعر بالسعادة والرفاهية. هنالك حركة مهمة نحو التخلص من القطع الكثيرة: وهذا يتعلق بامتلاك عدد أقل من الأشياء التي تكون مهمة بالنسبة لك. ما تمتلكه في الواقع هو ذكرياتك، وهذه الذكريات محمية وباقية بسبب التجارب". نقطة تحول جاء الدليل الأوضح على رغبة شركات السلع الفاخرة الكبرى في الاستفادة من هذا التوجه الأسبوع الماضي عندما أعلنت شركة إل في إم إتش، أكبر كيانات السلع الفاخرة في العالم من حيث الإيرادات، عملية استحواذ بقيمة 3.2 مليار دولار لمجموعة الضيافة بلموند. المحفظة الاستثمارية في مجموعة بلموند والمكونة من الفنادق الراقية وخدمات القطارات والرحلات البحرية، تنتشر عبر 24 بلدا، وتشمل فندق كيبرياني في البندقية وخدمات القطارات سيمبلون أورينت إكسبرس في البندقية. تمنح هذه الخطوة شركة إل في إم اتش LVMH حجما ضخما في قطاع الضيافة، حيث تمتلك من قبل سلسلة فنادق شيفال بلان وبولجاري للفنادق والمنتجعات، وتضيف إلى عمليات الاستحواذ الأخرى التي استفادت من الفرصة في قطاع السياحة المتنامي، مثل عملية شراء لها جرت عام 2016 لشركة ريموفا، الألمانية ذات التكنولوجيا الفائقة المختصة بصناعة حقائب السفر. بدأت شركة بلموند عملية بيع في آب (أغسطس) الماضي، وأبعدت شركة إل في إم اتش LVMH الشركات المنافِسة بسبب الصفقة المبرمة مع شركات الأسهم الخاصة والعقارات. يقول أنتونيو بيلوني، العضو المنتدب للمجموعة في LVMH: "دفعنا ثمنا باهظا، لكنها ليست معاملة مالية، فمحفظة بلموند الاستثمارية من الأصول لا مثيل لها، ولن يكون هنالك أي شيء كهذا في السوق في أي وقت قريب. تروق لنا فكرة أن هذه الأصول فريدة من نوعها ومميزة وأصيلة. هذا سيؤتي أكله على المدى الطويل". الرحلة الرسمية الأولى التي غادر بها قطار الشرق السريع باريس كانت في الرابع من تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1883، متجهة شرقا إلى القسطنطينية عبر ميونيخ وفيينا وبودابست وبلجغراد. وكان قد تم تطوير الجذع المسطح العلوي من تصميم "لوي فيتون" قبل عقدين من الزمن، ما مكنهم من تكديس الأمتعة على القطارات والبواخر التي تعبر المحيطات، التي كانت في ذلك الحين وسائط جديدة للنقل. الشهادات التي أدلى بها الذين كانوا ضمن أول رحلة لقطار الشرق السريع تستثير البريق والأناقة، لفترة كان فيها القطار يمثل رمزا لمرحلة "العصر الجميل" في التاريخ الغربي (من 1871 حتى 1914). كتب أحد الضيوف، الكاتب هنري أوبر دو بلوفيتز، عن عربة العشاء الافتتاحية: "مفارش المائدة ومناديل المائدة ذات اللون الأبيض الساطع، مطوية بشكل فني وبحنكة من قبل السقاة والأكواب المتلألئة ذات الألوان البيضاء والأحمر الياقوتي والتوبازي، وزجاجات المياه البلورية النقية والكبسولات الفضية - وهي تعمي عيون الجمهور في الأماكن العامة والخارجية". كان هذا الحنين يعود جزئياً إلى العصر الذهبي للسفر الذي كان وراء قرار أصدره صاحب مشاريع الشحن جيمس شيروود، لشراء اثنتين من عربات قطار الشرق السريع القديمة في مزاد في مونتي كارلو عام 1977. قبل ذلك بعام كان قد اشترى فندق كيبرياني في البندقية لمجرد نزوة من عائلة جينيس مقابل 900 ألف جنيه استرليني. اعتقد شيروود أنه يستطيع تجديد قطار الشرق السريع واستخدامه لنقل الركاب البريطانيين، الذين يعشقون كلا من القطارات وإيطاليا، من لندن إلى البندقية، حيث سيبقون في فندقه كيبرياني، عبر باريس. في ذلك الحين، "ظن الناس أني مجنون إلى حد ما"، كما يتذكر شيروود في مقابلة عام 2012. "قالوا إنها فكرة ممتعة، لكنها لن تنجح. كان الرأي السائد أن السفر في القطارات الفخمة كان ميتا". أصبح شعار قطار الشرق السريع Orient Express هو العلامة التجارية لسلسلة من عمليات الاستحواذ الفندقية، التي قام بها شيروود على مدى العقود الثلاثة الماضية، وقد شملت مقتنيات من قصر كوبا كابانافي ريو دي جانيرو إلى كيب تاون وبورتوفينو. تم تغيير اسم العلامة التجارية لفنادق قطار الشرق السريع Orient Express ليصبح بلموند عام 2014 بعد تقاعد شيروود. تتمتع سوق السفر الفاخر بإمكانات نمو هائلة، مدفوعة بالاتجاهات الديموغرافية في الأسواق الناشئة وارتفاع الدخول المتاحة للتصرف؛ حيث يختار المسافرون على نحو متزايد وجهات غريبة وغير مستكشفة. من المتوقع أن تنمو سوق السفر العالمي الفاخر بمعدل نمو سنوي مركب مقداره 6.4 في المائة بين عامي 2016 لتصل إلى نحو 1.1 تريليون دولار بحلول عام 2022، وذلك وفقاً لشركة آلايد ماركت ريسيرتش Allied Market Research. وتقول وكالة ديلويت إن نحو نصف عمليات شراء السلع الفاخرة تتم من قبل العملاء المسافرين. يقول بيلوني، العضو المنتدب في شركة إل في إم اتش LVMH إن زبائنه "يبحثون عن تجارب السفر الأصيلة، ويُتيحون الوقت لاكتشاف التنوع الجميل في العالم". ويضيف: "إنهم يريدون أن يعيشوا ويتنفسوا هذا التاريخ، وأن يحلموا كما كان يفعل الناس قبل 100 عام في هذا القطار". مثل شركات أخرى، تشعر شركة إل في إم اتش LVMH بالقلق بشأن الطلب المستقبلي من الصين، وهي السوق الأكبر والأسرع نمواً للسلع الفاخرة، التي تمثل ثلث مبيعات السلع الفاخرة. انخفض سعر سهم شركة إل في إم اتش LVMH 20 في المائة هذا العام من ذروة أيار (مايو) الماضي، وهو دلالة على المخاوف من حدوث تباطؤ في الصين بسبب تشديد الرقابة من جانب سلطات الحدود الصينية وحرب تجارية مع الولايات المتحدة. يقول بيلوني إن صفقة شركة بلموند توفر لشركة إل في إم اتش LVMH "فرصة كبيرة" للإمساك "بالرغبة في السفر" من المستهلكين الآسيويين حديثي الغنى. ويقول إن نصف عملاء شركة بلموند موجودون في الولايات المتحدة، وإن 10 في المائة فقط من قاعدة عملائها من آسيا.

مشاركة :