هيبة الدولة واجب شرعي.. وضرورة دنيوية

  • 10/1/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إن من أهم المصالح التي قررتها الشريعة الإسلامية المحافظة على هيبة الدولة وحسم كل ما من شأنه أن يضعف قوتها أو يذهب شوكتها، وقد نظرت الشريعة إلى هذا الأمر على أنه ضرورة تتحقق معها مصالح الدين والدنيا، لأن بقاء الدولة مهابة الجانب يوفر للناس الاستقرار في معايشهم ويحافظون على ضرورات بقائهم، وبافتقاد الدولة لهيبتها فإن هذا مؤذنٌ بفساد عريض وشر مستطير، من: تعطل الحدود، ونجوم الفتن، وتشرذم الناس، واضطراب الأحوال، وهناك ترخص الدماء، وتنهب الأموال، وتبرز العصبيات، وتعلو النعرات، ويتجرؤ العدو، ويُبدل الناس بعد الأمن خوفاً، وفي استشهاد التاريخ واستنطاق الواقع عظة وعبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد!! ولذلك تضافرت وتكاثرت واتحدت النصوص في الكتاب والسنة تصريحاً وتلويحاً على وجوب المحافظة على هذه المصلحة وتقويتها وإبقائها، وقطع كل الذرائع التي تفضي إلى الإخلال بها!! ولعل من أقرب الأمثلة التي تؤكد قيمة الدولة وضرورة بقائها مهابة محترمة عند جمهور الناس ما يتعلق بقضية الحدود، فإن إقامتها مناط بالدولة، من: قتل القاتل، وقطع يد اللص الخاتل، ورجم الزاني المحصن، وجلد الداعر.. وغيرها من الحدود والتعزيرات المعلومة؛ فليس لآحاد الناس وأفرادهم توليها؛ لأن إقامتها يحتاج إلى قوة، وهذه موجودة في جانب ولاة الأمور الذين جعلهم الله فيصلاً بين الحلال والحرام، ولو تُرك الأمر لكل أحد لأصبحت الأرض رجراجة، والبلاد متكفئة، والدماء رخيصة، ولتسلط القوي على الضعيف، ولخربت الأوطان، وحل الدمار. ولأجل ما سبق فقد نصّ الفقهاء أن على ولي الأمر أن يولي القضاء والمظالم أصحاب الهيبة والحشمة والقوة، لأجل مصلحة مجموع الأمة، قال الماوردي في متولي ولاية المظالم: «لا بد أن يكون عظيم الهيبة»(1). وقال رحمه الله في الهيبة: «إنها قاعدة الملك، وأساس السلطنة، وذلك لا يكون إلا لمن خيف غضبه، وخشيت سطوته»(2)، بل إن الدعوة إلى جعل الدولة مهابة الجانب محشومة المقدار في نفوس الرعية أمر معروف في جميع الملل ومتعارف عليه في الأواخر والأُول، قال ابن مسكويه في تجارب الأمم: «ومن حسن سياسة الملوك أن يجعلوا خاصّتهم كلّ مهذّب الأفعال محمود الخصال موصوفاً بالخير والعقل معروفاً بالصلاح والعدل، فإنّ الملك لا تخالطه العامّة ولا أكثر الجند، وإنّما يرون خواصّه. فإن كانت طرائقهم سديدة وأفعالهم رشيدة عظمت هيبة الملك في نفس من يبعد عنه لاستقامة طريقة من يقب منه»(3). بل المتأمل في كلام المشتغلين في الكتابة في سياسة الدول يوصون أول ما يوصون في رسائلهم ونصائحهم بضرورة هيبة الدولة، وأنها قيمة عالية، بل هي قاعدة الملك الراسخة، قال الخيرميتي: «وينبغي للسلاطين والوزراء ألا يهملوا السياسة، ويكونوا مع السياسة عادلين، لأن السلطان خليفة الله في أرضه، يجب أن تكون هيبته بحيث إذا رأته الرعية أو إذا كانوا بعيداً عنه خافوا منه، وسلطان هذا الزمان يجب أن يكون أوفى سياسة، وأتم هيبة، لأن أناس هذا الزمان ليسوا كالمتقدمين، وإذا كان السلطان ضعيفاً، أو كان غير ذي سياسة وهيبة، فلا شك أن ذلك يكون سبب خراب البلاد، وأن الخلل يعود على الدين والدنيا، ولم يكن لذلك السلطان في أعين الناس خطر، ولا يسمعون كلامه، ولا يطيعون أمره، ويكون الخلق عليه ساخطين»(4). ويؤكد هذا الفخري حينما ذكر مجموعة من الآداب التي ينبغي أن تكون في الملك، فذكر منها: الهيبة، وقال: «بها يحفظ نظام المملكة، ويحرس من أطماع الرعية. ولذلك من أعظم الوسائل الشرعية المقررة في المحافظة على مقصود الشرع في التأكيد على هيبة الدولة وحشمتها هو وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية الله، وتعظيمهم في النفوس، وجمع القلوب عليهم، والحذر من معصيتهم والاختلاف عليهم، فإن في الاختلاف عليهم وإضعاف هيبتهم وإذهاب حشمتهم من المفاسد ما لا يدخل تحت الحساب ولا تضبطه أقلام الكتاب، ونصوص الوحيين الشريفين متضافرة في تأكيد هذا الأصل. وقد أجمع أهل السنة والجماعة على وجوب طاعة الأئمة في غير معصية الله، وأدخلوا هذه المسألة في مصنفات الاعتقاد، كما فعل الإمام أحمد، والآجري، والصابوني، والطحاوي.. وغيرهم من أئمة الإسلام، مما يدل على أهميتها وخطورة مخالفتها. وبطاعة ولاة الأمور واحترامهم تتحق هيبة الدولة، ويأمن الناس على دمائهم وأعراضهم وأموالهم.

مشاركة :