لعل من أقوى القرارات الملكية التي أصدرها الملك سلمان بن عبد العزيز في أول عهده الميمون، إن شاء الله، هي تلك الأوامر الخاصة بإعادة هيكلة قمة الجهاز الحكومي. فإلغاء ذلك الكم الهائل من المجالس العليا والهيئات، ودمج وزارتين في وزارة واحدة، سوف يكون له مردود إيجابي اقتصادياً وإدارياً. اقتصادياً من حيث أنه سوف يوفر مليارات الريالات المرصودة لموازناتها ومخصصاتها السنوية الكبيرة. وإدارياً من حيث أنه سيزيل العوائق الإدارية التي تحول دون اتخاذ القرار السريع، من بيروقراطية، وضياع لمركز المسؤولية، وازدواجية المهام في عدة جهات، والتسيّب، وتباطؤ زمن التنفيذ. هذا القرار الإداري الحكيم سوف يخلص ذروة جهاز الدولة من كثير مما يعرف إدارياً بالشحوم الزائدة والترهل، ليعود الجسم إلى لياقته وحيويته. ولعله من المصادفة الخالصة ما كتبتُ منذ شهر ونصف عند تعيين آخر أربعة وزراء في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله؛ في مقال بعنوان "فرصة الوزراء الذهبية"، أشرت فيه إلى ضرورة إعادة هيكلة إجراءات وأساليب ونظم العمل في وزاراتهم التي تسلموها حديثاً. فهنا تكمن معظم معاناة المواطنين الذين تعطل البيروقراطية مصالحهم، ويتأخر اتخاذ القرار السريع لأمورهم، ويضيع كثير من الوقت في مراجعاتهم وانتظارهم. إن كانت هذه القرارات هي بوادر عهد الملك سلمان الإدارية، بإعادة هيكلة الجهات والمجالس العليا للدولة، فإنه من المأمول والمتوقع أيضاً بأن يتسرب هذا الاتجاه التصحيحي نحو هيكل الجهاز الحكومي الكبير الذي هو في أشد الحاجة إلى إعادة هيكلته؛ ليشمله التحديث وليصبح متطوراً يتناسب مع العصر ومتطلباته، وليحل محل الديناصور البيروقراطي الذي مرّت عليه الأزمان وهو يحاول التطوير فلا يستطيع. وما من شك في أن إعادة البناء الهيكلي المنتظر للدولة، سوف يحتاج إلى دفعة ملكية قوية ليصبح حقيقة واقعة للدولة الحديثة. m.mashat@gmail.com
مشاركة :