دبي: أمل سرور واحة تتزين بالماضي الأصيل وتتهادى وسط ضجيج العولمة في هدوء بديع، نجحت بجدارة في أن تجذب الأنظار وتُبهر العقول. ما أن تطأ قدماك أرض القرية العالمية بمدينة الأرقام القياسية، حتى تجد نفسك أسيراً لتلك الرائحة التي تفوح من القرية التراثية، التي يحرص مركز حمدان للتراث على أن تكون جزءاً أصيلاً من نسيجه السنوي الذي يحتضن كثيراً من المسابقات التي تخص الألعاب القديمة. مع إطلالتك الأولى على تفاصيلها، تجد نفسك وقد عدت إلى الوراء أزماناً، لتعايش بيئة «البداوة»، وتستنشق رائحة أهل الجبل والساحل. فها هي الخيام تفترش رمال الصحراء، والمنازل الجبلية تغطي واجهاتها الحجارة الناعمة، وبيوت الطين والحصى تلتحف أغصان النخيل من «خوص» و«سعف». يستقبلنا الوالد حسن الشحي، الذي يشرف سنوياً مع أبنائه على تجسيد البيئة الجبلية في القرية التراثية، ليبدأ الحديث قائلاً: «هذا المكان هو حياتي التي أجسد من خلالها المعاناة التي رأيناها وعشنا فيها؛ إنه تاريخنا الذي نفخر به ونتبارى في الاعتزاز به فهو الأصل والجذر، كنا نعيش في بيوت تتناسب مع ظروف حياتنا وسط الطبيعة وقسوتها. وكان أجدادنا يطلقون على المنزل في الجبال اسم «بيت الصفة»، ويكون مبنياً من الحجارة التي لا تمتص الحرارة، ويؤسس على عمق نصف متر، وتُترك في جوانبه الأربعة عدة فتحات للتهوية، وسقفه من شجر السدر أو سعف النخيل، وعادة ما يُغطى هذا البيت بشجر جبلي لا يمتص الحرارة يسمى «عسبق». ويستطرد الوالد في الحديث عن بيوتهم القديمة التي يجسدونها في خيمتهم بالقرية التراثية قائلاً: «في الشتاء نبنيها لتصلح لمواجهة برودة الجوّ، وهي تلك التي نطلق عليها «بيت القفل»، وهي من حجارة سميكة، وتُغطى من الداخل بطين «المدر» المتماسك عالي الجودة، وقد يصل ارتفاع جدار البيت إلى ستة أو سبعة أمتار. وسميت بهذا الاسم نسبة إلى طريقة قفل أبوابها، والتي تكون عبارة عن قطعة حديدية ملتوية، لا يعرف استخدامها سوى أهل البيت». ويلتقط حمد زيد الشحي الحديث من الوالد قائلاً: «لقد جسدنا أيضاً الأواني التي كان يستخدمها أجدادنا في خيمتنا؛ لأنها جزء من نسيج حياتنا. ولعل «الخرس» كان نقطة انطلاقنا، وهو إناء كبير لتخزين التمور، ويستخدم أيضاً لتبريد الماء في فصل الصيف، حيث كان أجدادنا يقومون بتغطيته بقطعة خشبية للمحافظة على الماء، أما المدخن فهو إناء صغير يوضع به العود والبخور، و«المصب» لعمل القهوة العربية، بينما «التنور» توضع فيه الأكلات الشعبية مثل الهريس، و«البرمة» لطهي الطعام، إضافة إلى الزهريات وأصص الزراعة والمجامر». المكان يفرض عليك حالة من التأمل والهدوء والاستسلام لزمن قديم مضى، ولكنك تجد نفسك وقد أصبحت جزءاً منه، فالمشهد الذي يشد حواسك هو المجلس التقليدي الذي صُنع من النخيل لسكان البر، حيث يجلس «الشواب» للتسامر يتوسطهم الوالد ويقدمون التحية لكل زائر. أما عن القهوة فهي الأساس، ولا يمكن أن تخلو القرية التراثية من «المقهوي»، وصانع خبز التنور. أما عن «المريحانة» وهي الأرجوحة التي رافقت أطفال الإمارات قديماً فحدث ولا حرج، فقد نجحت في أن تجذب كافة الأطفال من مختلف الأعمار إليها، لتتعالى الضحكات المرحة. وعن تلك اللعبة يقول الوالد الشحي: «هي عبارة عن الأرجوحة حيث تقوم الفتيات باختيار شجرتين قريبتين من بعضهما بعضاً، ويربطن الحبل الطويل بغصن شجرة قوي، وتجلس الفتاة في منتصف ثنية الحبل التي تكون مرتفعة عن الأرض، وتبدأ بدفعها إلى الإمام والخلف وهي ممسكة طرفي الحبل المربوط بالغصن. ويمكن أن تركب فتاتان على هذه «المريحانة» مقابل بعضهما بعضاً بشكل الوقوف، واحدة تدفع للأمام، وعند الانتهاء من الدفعة تأخذ الأخرى دورها فتدفع للجهة المقابلة وهكذا، وبعد أن تنتهيا أو تنتهي راكبة المريحانة، تأخذ مكانها فتاة أخرى وهكذا، وليس لها وقت محدد. ولأنها من أقدم الألعاب الشعبية في الإمارات فقد حرصنا على تجسيدها في القرية التراثية».
مشاركة :