في مواجهة الادعاء الكاذب بأن تعاليم الإسلام وراء تخلف المسلمين وفقرهم وتفككهم وضعفهم؛ أبرزنا في حلقة سابقة أن التكامل الاقتصادي أول الطريق لاستعادة وحدة الأمة الإسلامية، وأن تعاليم الإسلام ومبادئه وقيمه أعظم ضمان لتحقيق التقدم والتحضر. كما أبرزنا حقيقة أن الوحدة الإسلامية فريضة، والتكامل الاقتصادي هو جوهرها. وفي هذه الحلقة نتوقف أمام عدد من الحقائق الجديدة، في مقدمتها أن العالم الإسلامي إن استطاع استثمار الفوائض النقدية لديه بالصورة الصحيحة، ومعالجة الفقر، لانقلب من كونه عالماً يحوي أكثر الدول تخلفاً إلى أعظمها تقدماً في النمو والتقدم الاجتماعي والاقتصادي، كما أن موارد العالم الإسلامي إذا اجتمعت أمكنها أن تقيم دولة عملاقة تضاهي كبريات الأمم.في دراسة قيمة بعنوان «استثمار الفوائض النقدية في العالم الإسلامي» ترصد الدكتورة فائقة الرفاعي، عضو البرلمان المصري سابقا، الكثير من سمات متغيرات العصر، وفي مقدمتها: عولمة الإنتاج والاستهلاك من السلع والخدمات، وتقنين المعرفة بالتكنولوجيا والمعلومات، والاتجاه نحو تكوين التكتلات الاقتصادية المتعاظمة في أوروبا وآسيا وأمريكا، وزيادة نصيب المكوّن المعرفي في القيمة المضافة للسلع والخدمات.استغلال الفوائض النقديةوتضيف: «لا بد من الاندماجات في كيانات اقتصادية كبيرة، وإقامة الشركات المنتجة للسلع والخدمات عابرة القارات، وإقامة الاستثمارات المشتركة، والشركات المتعددة الجنسيات، وتحرير التدفقات الرأسمالية، ورفع كفاءة أداء الأسواق المالية، بالإضافة إلى تحرير التجارة في السلع والخدمات، وتطبيق مبدأ القدرة التنافسية، وإدخال التجارة الإلكترونية في كثير من المعاملات، مما جعل الدولة المتخلفة عن تطبيق ذلك تخسر الكثير من الأسواق.ومن تلك السمات أيضا تطوير أساليب العمل المصرفي، ودخول منتجات وخدمات مصرفية جديدة، واندماج البنوك مع المؤسسات المالية غير المصرفية في كيانات مالية كبيرة».وتجزم الدكتورة فائقة الرفاعي في دراستها بأنه في ضوء هذه المتغيرات وسماتها التي تحكم العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية؛ نجد أن معظم الدول الإسلامية سايرت العصر بالدخول في تجمعات اقتصادية منفصلة بلغت أكثر من عشرين تجمعا، الأمر الذي جعل من تلك التجمعات عاملاً مساعداً على تفكك العالم الإسلامي، وإجهاض ترابطه في تجمع اقتصاد قوي، يمكنه تجنب الأزمات الطاحنة المدمرة، والتعامل مع التكتلات الأخرى في العالم على أسس تفاوضية أقوى. وهكذا نجد أن العالم الإسلامي هو الوحيد الذي لم يشكل فيما بينه كيانا اقتصاديا موحدا وقويا. وتتوقف أمام قضية مهمة بقولها: إن الحديث في هذه المرحلة من التطور العالمي عن تجمع اقتصادي إسلامي يواجه صعوبات كثيرة، ومن ثم يحتاج إلى جهود غير عادية للوصول إلى النجاح. ويبدو أن البداية العملية تتمثل في استثمار فوائض العالم الإسلامي النقدية في الداخل، وإنشاء السوق الإسلامية المشتركة.وتجزم الدكتورة فائقة الرفاعي بأن العالم الإسلامي إن استطاع استغلال الفوائض النقدية لديه بالصورة الصحيحة، ومعالجة الفقر الذي يتفاقم فيما بين الطبقات في المجتمع الواحد، وفيما بين المجتمعات وبعضها البعض لانقلب من كونه عالما يحوي أكثر الدول تخلفا إلى أعظمها تقدما في النمو والتقدم الاجتماعي والاقتصادي لما يتمتع به من مقومات إنسانية، وثقافات حضارية، وموارد بشرية وطبيعية هائلة يمكنه بها أن يقدم للعالم أجمع نموذجا تنمويا فريدا في إطار سوق مشتركة.أسباب الضعفوتبرز الأسباب التي أدت إلى ضعف العالم الإسلامي، ومن أهمها:- غياب الإرادة السياسية عند البعض لعمل جماعي قوي، والاكتفاء باتفاقات في حدود الملتزم به دوليا.- ضعف البنيان المؤسسي في بعض الدول الإسلامية، وغياب الترابط بينها سواء في مجال العمل المصرفي أو المالي أو الإنتاجي السلعي أو الخدمي.- تشتت الدول الإسلامية بين تجمعات متعددة، كل منها له أهدافه ووسائله، فهناك أكثر من عشرين تجمعا إقليميا للتجارة والتكامل بين مجموعات مختلفة من الدول الأعضاء.- اختلاف درجات مشكلة المديونية الخارجية بين الدول، فمنها ما هو مثقل بالديون، والبعض قادر بسياسات تقشفية على سداد هذه الديون، والبعض الآخر لا يعاني من هذه المشكلة.- ضعف الأجهزة الاستثمارية المحلية لدى بعض الدول الإسلامية.- اهتمام بعض أجهزة استثمار الفوائض النقدية في بعض الدول الإسلامية بالاستثمار في الخارج بدلاً من استخدام الأموال في الداخل.- اختلاف نظم الصرف، والتقلبات الكبيرة في أسعار الصرف، والتفاوت في أوضاع موازين المدفوعات، والمديونية الخارجية.التكامل أولاًويؤكد الدكتور عطية عبد الحليم صقر الأستاذ بجامعة الأزهر ضرورة أن تتكامل الدول الإسلامية فيما بينها وفقا لطبيعة كل مرحلة زمنية تمر بها كل دولة، في إطار برنامج علمي مدروس يشمل:} إقامة البنية الأساسية التحتية اللازمة للاستثمار في الدول التي تفتقر إليها.} عدم الأخذ بأسلوب الطفرات الاستثمارية حتى لا تتعرض الدولة للموجات التضخمية الضارة بالطبقات الاجتماعية ذات الدخل المحدود.} إمكانية تجزئة المشروع الاستثماري الواحد بين عدة دول بحيث تكون الصناعات المغذية له في بعضها، والصناعات التجميعية في بعضها الآخر.} التنسيق بين الدول الإسلامية في اختيار المشروعات الاستثمارية بما يمنع المنافسة بينها.} توخي أقصى درجات الحيطة والحذر من الاستثمارات غير المباشرة؛ خاصة في مجال الانفتاح على الاستثمارات الأجنبية، حتى لا تتكرر الأزمات الطاحنة التي وقعت في دول شرق آسيا.} التركيز بصفة أساسية على مشروعات الاستثمار الإنتاجي المباشر في المجالات التي تناسب اقتصاد كل دولة.} إقامة مراكز البحوث ودعمها ماديا وفنيا.} تنويع مصادر الحصول على التكنولوجيا المتقدمة، والتقنيات الحديثة؛ لكسر احتكارات الدول الصناعية الكبرى لها، والخروج بالاستثمارات في دول المجموعة الإسلامية عن دائرة النطاق الذي تريد الدول الكبرى فرضه على الدول الإسلامية.
مشاركة :