"مرتزقة روس يساعدون البشير على قمع المتظاهرين في السودان" هذا هو عنوان تقرير نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية الخميس، نقلا عن مصادر معارضة. ويتزامن نشر التقرير مع مظاهرات عنيفة مستمرة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية والفساد في السودان. وبحسب المصادر، فإن المرتزقة الروس تابعون لشركة تعاقدات أمنية تدعى “واغنر” يقدمون الدعم والتدريب العملي لقوات الأمن والاستخبارات في السودان. وأكد شاهد عيان لـ"موقع الحرة" تقارير منشورة على مواقع التواصل. وقال إنه شاهد تلك القوات في الخرطوم. وفي أواخر كانون الأول/ديسمبر، نشر نشطاء سودانيون صورا قالوا إنها لشاحنة تقل مقاتلين روسا في وسط الخرطوم وهم يراقبون الاحتجاجات المناهضة للحكومة. وقال المراقب السياسي جون هتسون المتخصص في شؤون السودان إن المتعاقدين العكسريين الروس شوهدوا بالفعل وهم يشاركون في تفريق مظاهرة في وسط الخرطوم في 31 كانون الأول/ديسمبر الماضي. وأوضح في سلسلة تغريدات أن الشاحنة التي كانت تقلهم روسية الصنع وتشبه تلك التي يستخدمها عادة هؤلاء المتعاقدون. وقد صورت الشاحنة التي تحمل يافطة رقم 4320 Ural، بالقرب من محطة أمان للبترول وبرج اتصال في الخرطوم يوم 26 كانون الأول/ديسمبر، وأفاد مراقبون بأن الرجال الذين كانوا على متنها كانوا يتحدثون اللغة الروسية، حسب هتسون. ونقلت صحيفة ( سودان تريبيون) المحلية يوم الاثنين الماضي عن مصدر أمني سوداني رفض الكشف عن هويته أن أفرادا عسكريين من شركة واغنر العسكرية الروسية كانوا يعملون مع أجهزة المخابرات والأمن السودانية، لكنه رفض توضيح طبيعة هذا التعاون. لكن مصادر المعارضة السودانية تقول إن الروس كانوا متمركزين في العاصمة الخرطوم حيث يقومون بتدريب قوات خاصة من جهاز الأمن والمخابرات الوطني على قمع المتظاهرين. وقال الناشط السياسي أيمن تابر لـ"موقع الحرة" إن "تعاون البشير مع مرتزقة غير مستغرب في ظل العزلة الداخلية والخارجية التي يواجهها نظامه". وأضاف: " البشير أصبح شخصا غير مرغوب فيه، ومعزولا ليس فقط من الداخل والخارج، بل حتى من أقرب الأقربين له في حزبه الحاكم. إنه شخص مطلوب للعدالة الدولية". واعتبر تابر أن حرب اليمن هي "خير دليل على ارتباط البشير بعمليات الارتزاق". وأضاف "لكي يحمي نفسه لا سبيل له سوى التشبث بالسلطة والاحتماء بالمرتزقة الأجانب والمحليين من امثال الجنجويد". في العام الماضي، انتشرت تقارير عن وجود مرتزقة روس في السودان، نقلا عن مصادر لها صلات بشؤون الدفاع. وإن صدقت هذه التقارير فلن تكون الحادثة الأولى التي يقمع فيها جنود روس محتجين سودانيين. ففي آذار/ مارس الماضي تعدى حرس شركة روسية في مجال التعدين، بالرصاص، على مواطنين يتهمونها بالاستيلاء على أراضيهم بولاية نهر النيل شمال السودان. ولم تحرك الحكومة السودانية حينها ساكنا حيال تلك الأحداث. غير أن القيادي في حزب المؤتمر الوطني الحاكم ربيع عبد العاطي قلل بشدة من التقارير التي تتحدث عن وجود مرتزقة روس في السودان، وقال لـ"موقع الحرة" إن ما ذكر " مثير للسخرية. إنه مجاف للحقائق والوقائع". بوتين: في أي ركن من أركان الكوكب وكان الاتحاد السوفياتي السابق لاعبا مهما في القارة الإفريقية اقتصاديا وسياسيا، لكن نفوذه تضاءل مع نهاية الحرب الباردة. لكن روسيا اليوم "تسعى إلى استعادة وتعزيز موقفها في القارة الإفريقية"، وفقا لـ آنا اندرونوفا من الأكاديمية العليا للاقتصاد في موسكو. وحسب تقارير فإن القوات الروسية المتعاقدة موجودة في دول إفريقية أخرى مثل إفريقيا الوسطى. ووفقا للبيانات المقدمة من معهد ستكهولم الدولي لأبحاث السلام فإن السودان يحتل مرتبة متقدمة في قائمة الدول الإفريقية المرتبطة بصلات قوية مع روسيا خاصة في مجال التسلح. والحكومة الروسية لا تخفي نواياها في بناء علاقات تجارية وعسكرية وأمنية مع الدول الإفريقية. وقد استقبلت البشير مرتين. وقيل إنها هي التي أرسلته للقاء الرئيس السوري بشار الأسد خلال قمة وصفت بـ"قمة الإبادة"، في إشارة إلى ممارسات الرجلين ضد شعبيهما. ويعتقد محللون أن القوات العسكرية الخاصة تلعب دورا مهما غير معلن في المناطق التي تسعى فيها روسيا للحفاظ على نفوذها أو توسيعه. وفي نهاية العام الماضي سئل بوتين عن هذه المجموعات فقال "من حقهم دفع مصالحهم التجارية في أي ركن من أركان هذا الكوكب". عقوبات أميركية وانتقد الناشط أيمن تابر ما وصفه بـ"صمت المجتمعين الاقليمي والدولي حيال ما يجري في السودان". وقال "إنه عار.. لكن الشعب السوداني رغم ذلك، سيواصل المسار". وتقول واشنطن إن روسيا تعمل على تعزيز علاقاتها الاقتصادية والسياسية "دون اعتبار يذكر لحكم القانون أو للحوكمة الخاضعة للمساءلة والشفافية". وضمت وزارة الخزانة الأميركية شركة "واغنر" لقائمة الكيانات المفروض عليها عقوبات عام 2017 وذلك لدورها في أوكرانيا. وضج جمهور التواصل بنبأ استخدام البشير لمرتزقة روس في قمع المتظاهرين وقال محمد عبد الله في تغريدة إن البشير يبدد ثروات البلاد في حماية نفسه فيما يموت الناس جوعا: وأكد معارضون سودانيون أن "احتماء البشير بمرتزقة لن يثني الشعب السوداني عن المضي قدما في طريق التحرر"، داعين إلى "تسيير موكب جديد يوم الأحد المقبل من الخرطوم بحري (شمال الخرطوم)، للتنديد بممارسات النظام". في الأثناء، يعمل معارضون على إعداد عريضة يعتزمون تقديمها للبيت الأبيض "لزيادة الضغط على النظام وحلفائه في السودان"، كما يقول "لموقع الحرة" عدلان عبد العزيز عضو الشبكة السودانية لحقوق الإنسان. وقالت الكاتبة السودانية نسرين مالك (في تقرير لـ فورين بوليسي) إن خيارات البشير محدود أمام "انتفاضة السودان". وأضافت: "هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها البشير مظاهرات، إلا أن التظاهرات الحالية مختلفة لأنها تعكس مختلف قطاعات المجتمع السوداني وتمثل تهديدا على النظام وقد تؤدي إلى الإطاحة به بالكامل". وحذر عدلان عبد العزيز من أن المعركة ضد البشير "لن تكون سهلة". وبقي البشير في السلطة رغم عقوبات أميركية وأوامر اعتقال دولية، ناهيك عن انفصال الجنوب عن الشمال، لكن الضائقة الإقتصادية الحالية التي شهدت انهيارا للعملة السودانية بنسبة 85 في المئة، ومعدل تضخم وصل إلى 70 في المئة، تعتبر التهديد الأكبر الذي يواجهه على مدى عقود، حسب محللين.
مشاركة :