إعداد: عثمان حسن أصيبت بالعمى والصمم والخرس.. «ثلاث حواس معطلة».. أم نقول: «ثلاث جواهر» تكفّلت بها المرأة المعجزة، الكاتبة الأمريكية «هيلين كيلر»، التي رأت ما وراء النجوم، فتمثلت هدوء الفراشة، وحلم الجاذبية، فأبدعت «تعابير طرية» أسلس وقعاً من الكلام. ولدت هيلين كيلر في مقاطعة «توسكومبيا»/ ولاية آلاباما الأمريكية، في 27 يونيو/ حزيران عام 1880، لعائلة بارزة في ولاية نيو إنجلاند؛ فوالدها هو العقيد آرثر كيلر، عمل في الجيش الكونفدراليّ، أما والدتها فتدعى «كيت آدامز». شهدت فترة طفولتها المبكرة اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية، حيث خسرت عائلتها أموالها، وبعد مرور خمس سنوات على ولادة هيلين أسس والدها صحيفة محلية، في آلاباما، ثم عين بمنصب جنرال في شمال آلاباما. أصيبت هيلين، وهي لم تتجاوز السنتين من عمرها، بمرض غير معروف، قيل في ما بعد إنه الحمى القرمزية، كبرت وتغير سلوكها، فأصبحت تميل إلى الشقاء والتمرد، وفي السادسة من عمرها، نُصح بمعلمة تعتني بها، تدعى «آني سوليفان» من معهد بيركنز المختص بالمكفوفين، وهي التي سيكون لها دور في تغير حالة هيلين لتصبح كاتبة ومحامية مشهورة، وارتبطت الاثنتان بعلاقة صداقة استمرت حتى وفاة سوليفان في عام 1936. في عام 1890، تعلمت دروس التخاطُب الخاصّة بالصم، وبعد ذلك ارتادَت مدرسة خاصة بالصم في مدينة نيويورك، وتعلمت فيها مهارات التواصُل، ودرست المواد الأكاديمية، وفي عام 1896م، التحقت بمدرسة كامبريدج الإعداديّة للفتيات، ومع مرور الوقت، أصبحت قصّة هيلين معروفة على نطاق واسع، وارتبطت بعلاقات صداقة مع مشاهير كثر بينهم: الكاتب مارك توين، وهنري روجر. في عام 1904 تخرجت هيلين من كلية رادكليف، وكتبت العديد من المقالات، وصدر لها العديد من الكتب كما أسهمت في تبني قضايا المرأة، وخاصة فئة فاقدي البصر. بين 1946 و 1957 شغلت منصبَ مستشارة في العلاقات الدوليّة في إحدى المؤسسات الخاصة بالمكفوفين، وسافرت في رحلة طويلة عبر قارة آسيا، حرصت خلالها على إلقاء الخطب والمحاضرات، وقد تم استلهام قصتها في أحد الأعمال المسرحية للكاتب والروائي ويليام غيبسون بعنوان «العامل المعجزة» والتي كانت أساساً لفيلم سينمائي بذات الاسم في عام 1962. وفاتها في عام 1960، أصيبت هيلين بسكتة دماغية، فعاشت في منزلها في ولاية كونيتيكت الأمريكية، وكان آخر ظهور لها في العام نفسه، وذلك من خلال اجتماع خاصّ بمؤسسة واشنطن الدولية، وتم تكريمها بجائزة الليونز الإنسانية؛ لبرامجها الكثيرة الخاصّة بالمكفوفين. في يونيو/ حزيران 1968، توفيت عن عمر 88، حيث أحرقت جثتها ووضع رمادها في كنيسة القديس جوزيف بكاتدرائية واشنطن، إلى جانب رفيقتها آني سوليفان. 160 ألف وثيقة عن هيلين كيلر كتب «دي نين ال براون» في الواشنطن بوست في يوليو/ تموز 2017 مقالة طريفة عن هيلين كيلر عنوانها «الديمقراطية تموت في الظلام»، يكشف من خلالها بعض المعلومات غير المعروفة من أرشيف المحامية غير العادية هيلين كيلر، وجاء فيها على لسان كيلر: «أليس من العار على هذا البلد العظيم المزدهر، أن يكون هناك الآلاف من الأطفال الذين نشأوا في ظل ظروف تعوق نموهم الطبيعي، وتثبط حماسة الشباب عندهم، وتطفئ نيران الطموح في قلوبهم؟.. يعيش آلاف البنين والبنات- أثمن كنز في الأمة - في مساكن مزدحمة، حيث الجدران عارية، والأثاث رخيص وقبيح، والطعام خشن، والخدمات متهالكة، بنين وبنات، يرتدون رث الثياب، يلعبون في الأزقة والمزاريب، ويتعرضون دائماً لتأثيرات مدمرة للذات». كتبت هيلين هذه الرسالة على آلة كاتبة «برايل» في مناسبة لجمع التبرعات عام 1923 نيابة عن الجمعية الوطنية للترفيه والاستجمام في أمريكا، وتعتبر جزءاً من أرشيفها الذي أطلقته المؤسسة الأمريكية للمكفوفين الشهر الماضي، وهي مجموعة تضم أكثر من 160 ألف قطعة أثرية تكشف عن الحياة غير العادية لهيلين كيلر. وصرحت المؤسسة في بيانها، «إن الأرشيف هو الأول من نوعه الذي يمكن لكافة المكفوفين والصم وضعاف السمع الوصول إليه، والاطلاع على ما فيه من تراث مهم لكيلر. يعد أرشيف مدينة نيويورك هو الأكبر الذي يضم محتوى ثرياً من حياة وتجربة وإنجازات هيلين، التي أصبحت من أشد المدافعين عن الأطفال والأشخاص ذوي الإعاقات. وكانت هيلين ناشطة اجتماعية في مجال حقوق المرأة وداعية سلام، وكاتبة غزيرة الإنتاج ومؤلفة مشهورة، انطلاقاً من عملها في المؤسسة الأمريكية للمكفوفين مدة 44 سنة متواصلة. تمثال هيلين كيلر تمثال برونزي لهيلين كيلر في مبنى الكابيتول في الولايات المتحدة، كشف عنه في 7 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2009. وهو أول تكريم لامرأة معاقة، يمثل طفلة في السابعة من عمرها؛ حيث جرت العادة أن يحتضن الكابيتول تمثالين لكل ولاية أمريكية، في قاعة التماثيل القومية، ظل هذا النظام سارياً حتى العام 2000، حين سمح الكونجرس بإجراء تغييرات، فقام حاكم ولاية آلاباما بفكرة جلب تمثال هيلين إلى الكابيتول، وحل محله تمثال جابيز كوري وهو معلم وسفير وواعظ عرف سابقاً بنشاطه في الدفاع عن الحق في التعليم المجاني. يصور هذا التمثال هيلين في منزلها في توسكومبيا، حين قامت المعلمة آني سوليفان بتهجية أو توضيح معنى كلمة الماء بلمس يدها، فيما تصب الماء بيدها الأخرى. وهي اللحظة التي وصفتها هيلين بقولها: «إن هذه اللحظة قد أيقظت روحي». وقد بلغت كلفة إنجاز هذا التمثال البرونزي نحو ثلاثمئة وخمسة وعشرين ألف دولار أمريكي، معظمها جاء من التبرعات. صانعة المعجزات هو عنوان الفيلم الذي أنتج عام 1962، وتدور أحداثه المستلهمة من قصة هيلين كيلر في إطار درامي، حول حياة تلك الشابة التي كانت تعاني الصمم والخرس والعمى، يسرد قصتها مع معلمتها آني سوليفان الفتاة الضريرة التي نُصح ذوو كيلر بأن تعلم ابنتها. والفيلم مشوّق، يكشف إصرار سوليفان على استيعاب عصبية وتمرد كيلر في بدايات تعليمها لهيلين، حيث تنجح آني سوليفان، عن طريق الإصرار والمثابرة والحنان والحب، في النفاذ إلى قلب هيلين، وتخطي أسوار الصمت والظلام. الفيلم من بطولة «آن بنكروفت» بدور آني سوليفان، و«باتي دوك» و«إنجا سوينسون». منزل هيلين كيلر في آلاباما «آيفي غرين» هو اسم منزل الطفولة؛ حيث عاشت هيلين كيلر، وهو يقع في توسكومبيا، آلاباما، بني هذا المنزل عام 1820. وهو منزل بسيط في طرازه المعماري، ولونه أبيض، أصبح الآن مفتوحاً أمام الزائرين والسياح. في الكتب قصة حياتي لهيلين كيلر.. سيرة ومذكرات هو كتاب من نوع السيرة والمذكرات، ويعتبر الأشهر لهيلين كيلر، في طبعة جديدة، واشتمل على تقديم لمارلي ماتلن، وهي ممثلة أمريكية خرساء. بدأ الكتاب بتمهيد يكشف إصرار هيلين على التعلم والتغلب على قصة إصابتها بالعمى والصمم، بوصفها من أكثر القصص إلهاماً في العصر الذي عاشت فيه. والكتاب عبارة عن قصة مؤثرة، حول قلب امرأة استثنائية، مملوءة بالحب وبالإصرار، ويبرز (نضالها وحزنها ويأسها وفرحها) كما يبرز قصتها مع آني سوليفان، خاصة في تلك اللحظة المؤثرة، والتي لا تنسى، حين كانت سوليفان تتهجّى أحرف كلمة «الماء» على راحة يد هيلين، فيما تمرر السوائل على يدها الأخرى.. واشتمل الكتاب على كلمة للسناتور ليستر هيل في جنازة هيلين كيلر، قال فيها: «ستستمر روحها. هيلين الحقوقية والعصامية المثابرة، إن مذكراتها المخلصة والبليغة تتحرك بعمق في وجدان المكفوفين والمصابين بالخرس وفاقدي السمع، وهي أظهرت للعالم بأنه لا حدود للشجاعة والإيمان، وقد أصبحت شعاراً للأمل في كل مكان». كيف أساعد العالم الكتاب يتضمن مقالاً لهيلين كيلر، تثني فيه على الروائي السويدي إيمانويل سويدنبرغ، الذي كان له تأثير عميق في حياتها الروحية، تتحدث فيه عن أهمية الحب والحقيقة في عالم مملوء بالمادية والأنانية، ثم تتحدث عن إمكانية الفرح الذي يأتي من الفهم الحقيقي. نصيحتها الكبيرة حول كيفية مساعدة العالم، هي جعل الناس يقرأون كتابات سويدنبرغ، وبالتالي يتغلبون على العديد من المشاكل المتعلقة بالحالة الإنسانية. وتقول: «لو كنت قادرة على تفسير نصف الأفكار والمشاعر النبيلة التي دفنت في كتابات سويدنبرغ، فبإمكاني أن أساعدهم أكثر من أي وقت مضى، إنه من المفرح بالنسبة لي أني كنت الوسيلة التي جلبت سويدنبرغ إلى العالم الملهم للأصم والأعمى». تتقاطع كلمات هيلين كيلر في هذه المقالة مع صور من حياتها، واقتباسات من الموضوعات الروحية لسويدنبرغ. والكتاب يعتبر كنزاً للعديد من القراء الذين يحترمون بالفعل آراء هيلين كيلر، وسوف يشكل مصدر إلهام للذين لا يعرفونها. أغنية الجدار الحجري والكتاب هو عبارة عن مقتطفات شعرية لهيلين كيلر، 1904، وهي جالسة على جدار حجري وبيدها كتاب بلغة برايل، وفيه الكثير من العبارات الشفيفة، التي تبث معاني الإصرار على الحياة، بنبرة صوفية، تخاطب من خلالها الكائنات وعناصر الطبيعة، وتسرد تاريخاً من كفاح الإنسان، وتغلبه على الصعوبات، الإنسان الذي مهد للحضارة، وحطم الحجارة، ونحت المدن، وأقام السكك الحديدية، في إشارة بالغة إلى قوة الإرادة وقهر المستحيل. انتصار على الشدائد هو كتاب للباحثة جوانا هورويتز، المتخصصة في علوم المكتبات، من جامعة كولومبيا، التي لها اهتمام بكتابة السير الذاتية ولها مؤلفات عن: آلان فرانك، وأستريد ليندجرين، وليونارد بيرنشتاين. تعرض هورويتز في كتابها «شجاعة في الظلام» قصة هيلين كيلر، بدءاً من إصابتها بالإعاقة وهي في عمر تسعة عشر شهراً، حيث أصيبت لاحقاً بالعمى بشكل كامل، كما تستعرض مراحل طفولتها، وكيف أصبحت امرأة ناضجة معروفة بدفاعها المستميت عن المعاقين، وكيف أظهرت للعالم كله، أنه لا ينبغي هجر هذه الفئة من الناس وإقصاؤها بعيداً في الظل. القصة التي صنعتها هيلين في رحلة تفوقها على ذاتها بحسب هورويتز، هي قصة نجاح مذهلة حول كيفية الانتصار على الشدائد، ولهورويتز نحو 60 كتاباً للقراء الشباب، بينها كتب لمن ينتقلون إلى قراءة فن الرواية، والكتاب موجه لفئة القراء في المرحلة الابتدائية.
مشاركة :