حالة من الارتباك السياسي والعسكري تخيم على شمال سوريا، مع بدءالجيش الأمريكي سحب معدات من سوريا خلال الأيام القليلة الماضية، ولم يتم وصف ما كانت تحتويه تلك الشحنة بالضبط أو كيف تم نقلها، بينما شككت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في خطط واشنطن بالانسحاب من سوريا قائلة: «لا يمكنني أن أشارككم ثقتكم في انسحابهم لأننا لم نر استراتيجية رسمية حتي الآن».. وتزامن الانسحاب الأمريكي، مع تأكيد المتحدث باسم التحالف الذى تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم داعش، الكولونیل شون رایان، أمس الجمعة، بأن التحالف بدأ عملية الانسحاب المدروس من سوریا، و«حرصا على أمن العملیات، لن نعلن جداول زمنیة أو مواقع أو تحركات محددة للقوات». ارتباك سياسي وعسكري» شمال سوريا الانسحاب الأمريكي «المشكوك فيه»، تسبب في «الارتباك السياسي والعسكري» شمال سوريا، بحسب وصف الدوائر السياسية في واشنطن، والتي ترى أن قرار ترامب لا يعطى اعتباراً لتقديرات العسكريين الأمريكيين ولا يحترم إرادة ومصالح حلفاء واشنطن، وأن الارتباك بدأ عسكرياً وسرعان ما تحول إلى ارتباك سياسى فى علاقة الولايات المتحدة بحلفائها فى سوريا: «قوات سوريا الديمقراطية» وجناحها العسكرى «وحدات حماية الشعب الكردية» من ناحية، وتركيا من ناحية أخري. فالانسحاب الأمريكى وضع الحليفان الكردى والتركى وجهاً لوجه للمرة الأولى دون وسيط أو دون طرف ثالث قادر على ضبط تفاعلاتهمان بحسب تحليل خبير الشئون السياسية والاستراتيجية، د. محمد السعيد إدريس، فتركيا تعتبر أن وحدات حماية الشعب الكردية هى الجناح السورى لحزب العمال الكردستانى التركى المعارض الذى تتهمه أنقرة بالإرهاب، ولذلك وجدت فى قرار الانسحاب الأمريكى فرصة يجب ألا تضيع للقضاء نهائياً على هذه الوحدات والقضاء معها على الحلم الكردى بتأسيس «كيان كردى سورى مستقل» فى شمال سوريا بدعم ورعاية أمريكية..أما قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب فقد وجدت نفسها فجأة أمام مأزق تاريخى إما أن تدخل فى مواجهة عسكرية محسومة النتائج مقدماً مع الجيش التركى تكون نتيجتها إنهاء الحلم الكردى التاريخي، وإما أن تذهب إلى دمشق وتطالب بدخول القوات السورية إلى معاقلها فى منبج (غرب الفرات) تمهيداً لدخولها إلى مناطق شرق الفرات عقب الانسحاب الأمريكى منها، وهذا معناه أيضاً إنهاء الحلم الكردى فى كيان مستقل لكن عبر مسار سياسى مع النظام السوري. نهاية مسبقة للقمة الثلاثية المنتظرة فى موسكو بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران روسيا الاتحادية، وجدت نفسها أيضا، أمام معضلة التوفيق بين حلفائها خاصة سوريا وتركيا، فدخول تركيا إلى منبج وشرق الفرات بعد الانسحاب الأمريكي، يمكن أن يؤدى إلى مواجهة بين الحليفين السورى والتركي، ولذلك سارعت روسيا إلى تنظيم اجتماع رباعى فى موسكو يوم (29/ 12/ 2018) ضم وزراء الخارجية والدفاع فى روسيا وتركيا للبحث فى الأزمة التى صدرها قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا،ولم يستطع هذا الاجتماع الرباعى التوصل إلى أى حلول، لذلك تم نقل المشكلة إلى قمة ثلاثية قريبة بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران، لكن ما حدث خلال الأيام الماضية فى إدلب جعل الأمور أكثر تعقيدا، بعد أن أعطت تركيا الضوء الأخضر لجبهة النصرة الإرهابية للسيطرة على محافظة إدلب السورية، وذلك فى تنصل أنقرة بشكل واضح من اتفاقها مع الجانب الروسى والإيرانى على خفض التصعيد العسكرى فى المحافظة وفشلها فى الالتزام بالفصل بين المعارضة السورية المسلحة وجبهة النصرة الإرهابية التى تمولها قطر.. وهذا التحرك يمكن أن يضع نهاية مسبقة للقمة الثلاثية المنتظرة فى موسكو بين رؤساء روسيا وتركيا وإيران، وسيضع تركيا فى مواجهة مباشرة مع كل من روسيا وإيران والجيش السوري، ويضع، بالتبعية، تركيا أمام سؤال أكثر صعوبة هو: إذا خسرت أنقرة روسيا وإيران مع من سوف تتحالف بعد انسحاب الحليف الأمريكى ومع توتر العلاقات التركية ـ الإسرائيلية؟ قمة دولية في بولندا لطمأنة حلفاء أمريكا في المنطقة الارتباك السياسي والعسكري أصاب أمريكا نفسها، وأصبحت مطالبة بتهدئة «وطمأنة» حلفائها الإسرائيليين والأكراد ودول عربية، وأعلن، أمس، وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، عن تنظم الولايات المتحدة قمة دولية الشهر المقبل في بولندا ـ 13 و 14 من فبراير/ شباط ـ ستركز على «النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، والتأكد أن ايران لن تمارس نفوذا مزعزعا للاستقرار، وتتطرق القمة لعدد من القضايا المهمة منها الإرهاب والتطرف وتطوير الصواريخ والانتشار النووي والتجارة البحرية والأمن، والتهديدات التي تمثلها مجموعات تعمل بالوكالة في أنحاء المنطقة»..لكن يبقى الارتباك الأمريكى الأهم مع إسرائيل بعد أن أضحت وعود واشنطن لإسرائيل بتأسيس «حلف ناتو عربي» سراباً، فى ظل مؤشرات عودة عربية قريبة إلى سوريا. هيمنة منقوصة يرى سياسيون وخبراء، أن قرار الانسحاب الأمريكى من سوريا، فتح الباب واسعا أمام روسيا لتكريس نفوذها الذى بنته هناك على مدى السنوات الماضية, لتنفرد بالساحة ولتصبح القوة المهيمنة على مجريات الأمور، والتوصل إلى تسوية سياسية نهائية بين أطراف الصراع, كانت قد بدأتها فى مؤتمرى آستانة وسوتشي, وإعادة الاستقرار إلى هذا البلد الذى شهد كل أنواع الحروب على أراضيه منذ ما يقرب من السنوات الثماني, وهذه ليست بالمهمة السهلة،بحسب تعبير أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، د، هالة مصطفى، لأن انسحاب القوات الأمريكية لا يعنى بالضرورة انتهاء دور واشنطن التى ستظل قوة رئيسية فاعلة فى تسوية الأزمة، لأكثر من سبب، فحجم قواتها العسكرية المرابطة فى سوريا لم يكن بالضخامة التى تُحدث فارقا خطيرا، خاصة أن قواعدها التى تنفرد بها فى العراق الملاصق للحدود السورية يكفل لها القدرة على التدخل السريع مرة أخري، ولها أيضا وكلاؤها المحليون والإقليميون فى سوريا.
مشاركة :