الدكتور محمد جابر الأنصاري في عيد ميلاده الثمانين

  • 1/13/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بدخول سنة 2019 يدخل المفكر الموسوعي البحريني محمد جابر الأنصاري عامه الثمانين، وعلى الرغم من توقفه عن الإنتاج الثقافي والفكري خلال السنوات المنصرمة بسبب مرضه فإنه يظل شيخ المفكرين والمثقفين في البحرين لا ينازعه أحد في ذلك، وإن ما أنجزه للثقافة البحرينية خصوصا والثقافة العربية عموما لجدير بالثناء والاهتمام. سمعت بالمفكر محمد جابر الأنصاري وأنا على مقاعد الثانوية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ثم بدأت أتابع ما يكتبه في المجلات والصحف المحلية بين الفينة والأخرى. أما بدايتي الفعلية والحقيقية فقد بدأت باقتناء كتابه المهم (تحولات الفكر والسياسة في المشرق العربي 1930-1970) في سلسلة علم المعرفة الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت في نوفمبر 1980. ولا أبالغ عندما أقول إن هذا الكتاب من أهم الكتب في الثقافة العربية الصادرة في النصف الثاني من القرن العشرين، وهو كتاب فيه كثير من الطروحات الثاقبة والبصر والبصيرة وتحليل الواقع العربي في شؤون الفكر والسياسة والأيديولوجيا والاجتماع. ومن هذا الكتاب بدأت علاقتي بالأنصاري كمفكر وأديب ومثقف متعدد الاهتمامات وصاحب أسلوب مميز في التأليف والكتابة يعرف بالسهل الممتنع. وفي السنوات التالية التقيت الأنصاري بشكل مباشر حيث وجدت في شخصيته التواضع والأريحية وصفاء الفكر من دون لف أو دوران إذ إنه يتسم بالشفافية فيما يكتب ويؤلف وبغض النظر عن مدى الاتفاق أو الاختلاف معه فإنه يمتاز بالصراحة والإحساس الشديد بالظلم ومعاناة المظلومين، كما أنه في سردياته عن سيرته الذاتية ذكر جانبا من معاناة أسرته وخاصة والده باعتباره أحد العمال الكادحين الذين عملوا في استخراج النفط، ولكن هذا الوالد العامل البسيط استطاع أن يربي أسرة من بينها شخص بقامة محمد جابر الأنصاري المفكر والمثقف الكبير. فهو يعتز دائما بأنه ابن لأحد كادحي الطبقة العاملة في البحرين. ولا أذيع سرا حين أؤكد أنني عندما تعرفت على شخصه اتفقت معه في تحليله لعدد من الإشكاليات الثقافية والفكرية العربية التي تناولها، واختلفت في الوقت نفسه معه في تحليلاته وبعض استنتاجاته حول الحالة العربية، وخاصة جدلية البداوة والحضارة التي أخذها عن ابن خلدون، أو عن السوسيولوجي العراقي علي الوردي. لكن في كل الأحوال يبقى محمد جابر الأنصاري صاحب مشروع فكري ثقافي جدير بالدراسة والنقد وحتى البناء عليه، وخاصة أن من يطلع على مشروعه من خلال مؤلفاته المتتالية سيجد أنها أشبه بحلقات في سلسلة مترابطة إلا أنها لم تكتمل للأسف الشديد بسبب مرضه. ولم يقل كل ما لديه بشكل نهائي، ويبدو لي أن لديه الكثير. ومن خلال مسيرته الفكرية لا بد من الإشارة إلى مجموعة من الكتب المهمة في هذا الشأن وهنا يحضرني كتابه (تجديد النهضة باكتشاف الذات ونقدها) الصادر في1992 وهو عنوان كتاب يوحي بمدلول عميق ودعوة للمثقفين العرب إلى أن الانطلاق نحو الحداثة يبدأ بنقد الذات واكتشافها وليس بإلقاء التهم على الآخرين. ويعني أيضا مدى قناعة الأنصاري أن البناء لا يكون إلا من خلال النقد للأوضاع والأفكار. وفي هذا الكتاب يؤسس لما يعرف بالرباعية الأنصارية والمتمثلة في (العقل والإيمان، والدين والدولة) وكيفية حل الاشتباك فيما بينها. منذ البداية يمكن القول إن منجزات الأنصاري كانت ريادية على صعيد الثقافة في البحرين والخليج والوطن العربي، وقد أثبت أنه ذو اهتمامات متعددة ومتنوعة ثقافيا وفكريا. وبخصوص مسيرته الفكرية والثقافية يمكن رصد ثلاث مراحل: المرحلة الأولى بدأت منذ منتصف الستينيات بالأدب وتاريخ الأدب والنقد، وقد تجلى ذلك في كتاباته في الصحف والمجلات وخاصة جريدة الأضواء وفي كتابيه (لمحات من أدب الخليج العربي 1970) وجمعه وتحقيقه لأشعار ورسائل الشاعر الشيخ إبراهيم بن محمد الخليفة ضمن سلسلة إحياء تراث البحرين الأدبي، سنة 1968 ثم إسهامه في تأسيس أسرة الأدباء والكتاب وقيادته لها كأول رئيس لها سنة 1969. استمرت هذه المرحلة حتى صدور كتابه (الخليج - إيران - العرب) سنة 1972 لتبدأ المرحلة الثانية من مسيرته الفكرية بصدور كتابه الأساس في (تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي) سنة 1980 حيث تبدأ تباشير المرحلة الثالثة المتمثلة في بدء تدشين مشروعه الفكري الثقافي على امتداد حقبة الثمانينيات كما في كتابه (العالم والعرب سنة 2000) الصادر سنة 1988 وكتاب (التفاعل الثقافي بين المغرب والمشرق) الصادر في التسعينيات 1992 وكتاب (تكوين العرب السياسي ومغزى الدولية القطرية) والذي صدر في سنة 1994 وهو من الكتب المهمة جدا في مسيرة الدكتور الأنصاري، بالإضافة إلى كتاب (التأزم السياسي عند العرب وموقف الإسلام) سنة 1995. و(الفكر العربي وصراع الأضداد) في سنة 1996وصولا إلى العشرية الأولى من القرن الحالي، وقد صدرت له عدة مؤلفات مثل (رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية) سنة 2001 و(انتحار المثقفين العرب وقضايا راهنة في الثقافة العربية) 2002. وأخيرا كتابه الصغير بحجمه لكنه كبير بمحتواه والمتمثل في (لقاء التاريخ بالعصر) سنة 2006، والذي يمثل دعوة إلى بذر الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيسا لثقافة العقل. أصبح منجز الأنصاري الفكري والثقافي والأدبي الضخم مشاعا بين الناس وقد نال اهتماما الكثيرين على امتداد المنطقة العربية سواء بالنقد أو التقريظ أو من خلال البحوث والرسائل الجامعية، ما يدل على توهج حضور مشروعه الفكري، وبصرف النظر عن النتائج التي يصل إليها؛ لأن المهم هو الاجتهاد والتبصر وليس الوصول إلى نتائج قطعية. ولا شك أن الدكتور الأنصاري كان في قمة عطائه وكنا ننتظر منه المزيد من الفكر والثقافة التنويريين، إلا أن المرض - للأسف الشديد -منعه من مواصلة مشروعه الرائد، وبذلك نكون نحن المتابعين له والمهتمين بفكره قد خسرنا الكثير كما خسرت الثقافة العربية أحد أقطابها المهمين، والذي طالما اعتزت به البحرين وسائر دول الخليج العربي، ولولا مرضه لأمكننا الحديث عن مرحلة فكرية رابعة في مسيرته الفكرية ونهلنا الكثير من معينه الفكري واجتهاداته الثقافية. دعاؤنا له بالشفاء العاجل وموفور الصحة. الأنصاري: سيرة ذاتية - ولد سنة 1939. - تخرج في الجامعة الأمريكية في بيروت 1963. - رئيس الإعلام وعضو مجلس الدولة 1969- 1971. - نال الماجستير في الأدب الأندلسي 1966. - حصل على الدكتوراه في الفكر الإسلامي من الجامعة الأمريكية 1979. - من مؤسسي أسرة الأداء والكتب وأول رئيس لها سنة 1969. - شارك في تأسيس معهد العالم العربي 1981 / 1982. - يحمل شهادة اللغة والحضارة الفرنسية من السوربون سنة 1982. - مارس التعليم في المعهد العالي للمعلمين سنة 1967 وفي الجامعة الأمريكية في بيروت وفي كلية الدراسات العليا بجامعة الخليج العربي.

مشاركة :