من أكثر الأسئلة التي تطرح خلال الدورات التدريبية هي؛ كيف أحقق النجاح؟ كيف أحقق أهدافي لبلوغ النجاح؟ وعادة لا يتحدث أحد عن الفشل، ولا أعرف السبب، على الرغم من أن عمليتي النجاح والفشل عمليتان مترادفتان متلازمتان. وحتى أدبيات التنمية البشرية وتحقيق الذات عادة ما تتحدث عن النجاح، والكيفية المناسبة لبلوغ النجاح، والكيفيات التي من خلالها يمكن تجاوز مشاكل الفشل، كل هذا وكأن الفشل وحش كاسر، وكارثة كبيرة، يجب تجنبها حتى نعيش، وأثقال توهن من عزم الإنسان، ولكننا نقول إن هذا الوهم هو الذي يحطم ذات الإنسان ويجعله لا يتحرك من مكانه إن تشرب هذا الوهن في نفسه وكيانه. دعوني أروي لكم حكاية.. اتصلت بي ذات يوم سيدة تستشيرني، وطلبت منها الحضور إلى المكتب حتى أفهم ما تريد. وعندما أتت وجلست، قالت: أشعر أني تعيسة تمامًا، وأشعر أني سوف أبلغ مرحلة الإحباط في القريب العاجل. سألتها عن أسباب هذا الشعور غير الصحي، فقالت: كان لدي الكثير من الأحلام، والرغبات ولكن مر عمري وأنا لم أتمكن من تحقيق أي شيء، ليس ذلك فحسب بل كلما هممت بعمل أجد نفسي بعد فترة أنني لا أرغب في الاستمرار فيه، وبالإضافة إلى أن مسؤولي يلقي عليّ باللوم دائمًا ويحاول تثبيطي وإرهاقي بالأعمال اليومية، أشعر وكأني أغرق في مستنقع الفشل، فشل تلو الآخر، لا أعرف كيف أخرج، وإن خرجت لا أعرف إلى أين أريد الذهاب وكيف أصل. وفي المقابل أجد أن العديد من زميلات الدراسة بلغوا مراحل متقدمة في الحياة، بعضهن أسسن مؤسساتهن الخاصة واليوم دخلهن المادي ممتاز، ويعملن في مؤسساتهن على نحو أروع ما يكون، وأنا ما زلت في مكاني منذ أن تخرجت حتى الآن. تحدثت وتحدثت فترة طويلة من الزمن، وفي النهاية وجدت أن السيدة فعلاً تعاني من الفشل، ولكني وجدت أنه يمكن تلخيص فشلها في الأمور التالية: 1- أنها من أوجد فكرة الفشل في ذاتها، فهي من زرعت في ذهنها منذ أن كانت طفلة وحتى بعد ما كبرت، وفي جميع مراحل الدراسة داخل عقلها الباطن أنها فاشلة. 2- كانت دائمًا تقارن نفسها بالآخرين، كانت تكرر بينها وبين نفسها هذه الجملة من أجل المقارنة، فلانة أفضل مني لأنها غنية، وفلانة أفضل مني لأن والدها طبيب، وفلانة أفضل مني لأن والدتها مديرة مدرسة، وهكذا. 3- كانت تلوم كل من حولها على فشلها وعدم قدرتها على عمل الأشياء، فكانت في البداية تلوم والديها، فأمها ذات تعليم بسيط، ووالدها عامل بسيط، وهما لا يهتمان بموضوع الفشل والنجاح كثيرًا، وهذا بحسب ما تقول هي، ثم بعدما كبرت بضع سنوات كانت تلوم إخوتها فهم يضحكون على أفكارها وطموحاتها، ومن ثم يحبطون طموحاتها، وبعد أن تزوجت بدأت تلوم زوجها لأنه مُحبَط ومُحبِط واستمرت في هذا المنوال مع أولادها وزملاء العمل، وكانت تلوم كل من حولها باستثناء نفسها. 4- كانت هذه السيدة تشتكي من كل شيء، وتكره كل شيء وخاصة نفسها، فهي غير متصالحة مع نفسها، فتجد أنها سمينة، وتجد نفسها غير جميلة، وتجد نفسها غير فعالة في المجتمع، وتشتكي من عملها، ومن حياتها، ومن أولادها وكذلك إخوتها ووالداها وسيارتها وملابسها، وكل شيء. هذه قصة من عشرات القصص التي أسمعها بصورة شبه دائمة في معظم الدورات التدريبية أو الاستشارات التي تُطلب مني، ودائمًا كنت أسأل نفسي بعد الانتهاء من محادثتي من الإنسان الذي يتحدث، لماذا يشعر الإنسان أنه فاشل؟ وهل الفشل خطأ يجب أن نتذمر منه؟ نحن في الحقيقة، بالأحرى الإنسان، دائمًا يبحث عن النجاح في كل مراحل عمره، وهذا حق ومطلوب، ولكن كيف نصل إلى النجاح من غير أن نسير في طريق الفشل، كيف لنا أن نعبر إلى النجاح من غير أن نتعثر بصخور الفشل المتناثرة على الطريق، وربما هنا تتجسد لي مقولة وينستون تشرتشل رئيس الوزراء البريطاني الشهير السابق حينما قال: «النجاح هو أن تمر بفشل وراء فشل من دون أن تفقد حماستك». وهذا حق. وكذلك هنا تتكرر لنا قصة توماس أديسون ذلك العالم الذي أنار الكرة الأرضية باختراعه للمصباح الكهربائي، إذ إنه في سبيل تحقيق فكرته خاض أكثر من 900 تجربة فاشلة في إطار سعيه من أجل نجاح اختراعه، وقال عندما تكرر فشله في تجاربه «هذا عظيم.. لقد أثبتنا أن كل هذه الوسائل فاشلة في الوصول إلى الاختراع الذي نحلم به»، وعلى الرغم من تكرار الفشل للتجارب إلا أنه لم ييأس وواصل عمله بمنتهى الهمة باذلاً المزيد من الجهد إلى أن كلل تعبه بالنجاح فتم اختراع المصباح الكهربائي في عام 1887م. الفشل خطوة في سبيل تحقيق النجاح، وهذه حقيقة وخطوة لا بد منها. كيف نتعامل مع الفشل؟ عندما نؤمن أن الفشل مرحلة وأنه جزء من النجاح، نشعر الآن أننا بحاجة إلى بعض المساعدة حتى نتعرف على الكيفية العملية والمنطقية للتعامل مع الفشل قبل أن يصبح الفشل ذلك الكابوس الذي يخيم على أحلام الكثيرين، أو تلك اللحظة التي تتبدد فيها وتتطاير أحلام الإنسان، وعلى الرغم من ذلك فلا توجد عصا سحرية يمكن أن تحول لنا الفشل المتربع في نفوسنا إلى نجاح وإنما هو إيمان خطر وفعل أخطر يجب أن ندركه ونفهمه حق المعرفة، والتي يمكن تحديدها ببعض النقاط التالية: 1- الإيمان بالله سبحانه وتعالى؛ فهو من يقرر الفشل والنجاح، فالفشل اختبار والنجاح كذلك اختبار، فسواء نجح الإنسان أو فشل فإنه في حالة اختبار إما أن يشكر ويصبر ويستمر ويصر على النجاح أو لا يشكر ويحبط من محاولاته الأولى، وفي كلتا الحالتين فإن الإنسان يأخذ أجره من الله سبحانه على محاولاته لبلوغ النجاح، يقول تعالى في الآية 10 من سورة الزمر (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ). وبهذا الإيمان بقضاء الله وقدره يجد الإنسان في نفسه الرضا، ولكن يجب أن يكون معلومًا، إن هذا التسليم والرضا بقضاء الله سبحانه وتعالى وقدره لا يتنافى مع سعي الإنسان إلى تخطي مشاعر القلق والحزن وخيبة الأمل، وذلك يكون باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والدعاء إليه أن يزيل عنه الهم والكرب، ومن الأدعية المأثورة في هذا المجال قول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي داوود: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل». 2- إيمان الإنسان بنفسه؛ وهذا أمر مهم، فعدم إيمان الإنسان بنفسه يمكن أن يحطمه تمامًا مهما كانت قدراته، ومهما كانت عزيمته، فإنه حتمًا سيقع يومًا ما، فطريق النجاح لا يمكن أن يكون سهلاً إذ إنه محفوف بالمخاطر والمشاكل والكثير الكثير من الهموم، فإن لم يكن الإنسان يعرف نفسه وقدراته ويؤمن بكل ذاته فإنه سوف يصل إلى مرحلة الانهيار بطريقة أو بأخرى. 3- تقبل الفشل ولكن لا تدعه يسيطر على التفكير أو أن تترك له المجال للشعور باليأس والإحباط؛ وإنما حاول بقدر الإمكان أن تحارب حتى تحول هذا الفشل إلى حافز للنجاح، وحاول أن تنظر إلى الأمور أنها رحلة صعود وهبوط، وبالعكس، وتذكر دائمًا أن الفشل والنجاح ليسا -وحدهما- مؤشرين على قيمة الإنسان، وعلى الإنسان ألا يطالب نفسه أن يكون كفؤا تمامًا في كل ما يفعله، فمن حقي كإنسان أن أفشل في بعض الأحيان، ومن حقي أن أتعلم من هذا الفشل مهما كان. 4- حاول أن تحدد نوع الفشل الذي ينتابك، ثم ضع ورقة وقلما وقم بدراسة الفشل الذي تعاني منه من جميع الاتجاهات، وضع خطة أو تكتيكا ومن خلاله يمكنك تحقيق هدفك في القضاء على هذا الفشل، ولا تيأس، كذلك حدد متى يمكنك البدء في تنفيذ الخطة ومتى يمكنك أن تحدد إن فشلت أو نجحت في تنفيذها، وإن فشلت كرر عملية التنفيذ بطريقة أخرى، وأخرى حتى تتمكن من تنفيذ ما ترغب فيه، فتوماس أديسون ليس أفضل منك. 5- فكر بإيجابية؛ واجعل هذا النوع من التفكير هو الدافع والإلهام الذي يحرك سلوكك للسير في هذا الطريق، برمج نفسك أنك سوف تنجح، وهيئها أيضًا للفشل ولكن لا تفكر فيه، حاول أن تتحكم - بقدر الإمكان - في الظروف الخارجية التي تحيط بمشروعك أو فكرتك، وكذلك العوامل التي تؤثر في نفسيتك حتى لا تجرك إلى الجانب السلبي من التفكير، وإن بلغت هذه المرحلة حاول أن تستبدل الأفكار السلبية بأخرى إيجابية، فالفكرة الإيجابية الموجودة في عقلك الباطن يمكن أن تولد لك فكرة أخرى وربما أفكار أخرى، فالعملية ليست بالسهولة التي نقولها ولكن يجب أن نعلم أن قانون نشاطات العقل الباطن يبدأ بتحريك الأفكار حتى تصل إلى 6000 فكرة، والفكرة السلبية تجذب فكرة سلبية والإيجابية تجلب فكرة إيجابية، فأنت وتوجهاتك واختياراتك. 6- تذكر دائمًا أن هناك أمورا خارج سيطرتك؛ فأنت لا تستطيع أن تسيطر على كل شيء، فكل إنسان يمكن أن يخطئ ولكل مجتهد نصيب، ولكن ركز على قدراتك ومهاراتك وشخصيتك، ولا تدع التأخر في الوصول إلى النجاح يوهنك. 7- أبدًا ومهما كان ويكون لا تعلق أسباب الفشل على الآخرين؛ والابتعاد عن خلق عداء للأشخاص الذين يرتبط بهم الفشل، إذ إن كثيرا ممن يوجهون اللوم والانتقاد للآخرين يفعلون ذلك عن جهل وسوء تصرف اعتقادًا منهم أنهم يحسنون صنعًا. 8- تعامل مع الفشل على أنه موضوع يستوجب التحليل مع الاعتراف بالتقصير إن وجد؛ والعمل على الأخذ مستقبلا بكل الأسباب التي تؤدي إلى تلافي الوقوع في هذا الفشل، أما إن كان هذا الفشل خارجا عن إرادة الإنسان، فما عليه إلا الصبر والقبول بالأمر الواقع مع اليقين والعمل على التغير. 9- لا تخف من الفشل ولا تضخم الأمور بل واجه الخوف بدراسة الأسباب التي أدت إلى الفشل، وحاول أن تتجنبها في المراحل والخطوات التالية، وأسأل نفسك دائمًا بعد كل مرحلة تشعر أنك فشلت فيها: ما الذي تعلمته من الوضع الحالي الذي فشلت فيه؟ كيف أستفيد منه؟ ما الأمور الإيجابية التي نتجت عن هذا الفشل؟ وأجب على هذه الأسئلة بصدق، عندئذ حتما ستحقق النجاح، إذ إن هذه الإجابات ستضع أصابعك على الأسباب الحقيقية التي أدت إلى الفشل ومن ثم تمكنك في المستقبل من البلوغ لتحقيق النجاح وتحقيق الهدف المنشود. عمومًا، هذه بعض الأفكار التي وضعتها في يد السيدة التي جاءتني تستشير، علمًا أن التعامل مع الفشل كأسلوب يختلف من شخص لآخر، فمن الناس من ينظر إليه على أنه من الماضي الذي لن يعود لذلك يجب أن ينسى، ومنهم من يجر هذا الفشل معه أينما ذهب، فاختر أي الفريقين تريد أن تكون. وكلمة ختامية قرأتها ذات يوم في التويتر وفي الحقيقة لا أعرف من قالها ولكنها أعجبتني، تقول الكلمة مع بعض التعديل: لا تستسلم لجاذبية الكسل والخمول، ولا لدفء الفراش الناعم الوثير، ولا لشعور الفشل والإحباط، واشعر دائمًا أن الأمل موجود وينتظرك، فالنجاح يليق بك، وفُرص أنت وحدك جدير بها، وعليك دائمًا المحاولة، وتذكر أن من داوم طرق الباب الصحيح فإنه حتمًا سيفتح له ذات يوم. أشعر بروعة الكلمة المنقولة. Zkhunji@hotmail.com
مشاركة :