كم عمرك؟ مهما كان فأنت تقع في إحدى المراحل التي وصفها إريك إريكسون، طبيب نفسي شهير من القرن الميلادي الماضي، وفيها حلّل حياة الإِنسان وقسّمها إلى 8 مراحل، كل مرحلة لها أزمة تتصارع معها وتحاول أن تتخطاها. لنأخذ المرحلة الأولى، وهي منذ خروجك للدنيا. أول سنة من عمرك لديك سؤال واحد: تثق أم لا؟ هذه أزمتك: الثقة. أتيتَ إلى عالم جديد، لا تعرف كنهه، والمواقف المحيرة الكثيرة تعتمد على شيء واحد: الأم. هي مصدر الثقة إذا كانت تقدم الحماية والرعاية المستمرة لرضيعها. كي يجتاز هذه المرحلة عليه أن يتغلب على الأزمة ويكتسب خصلة: الأمل. هي جائزة النهاية. وحينها فقط ينتقل للمرحلة التالية بنجاح، وهي من 1 - 3 سنين. أزمة هذه المرحلة: الاستقلالية. يبدأ الطفل ينطلق، فيختار ألعابه وملابسه وطعامه. تعودت الأم أن تغذيه ويأكل بلا مساءلة، لكن الآن ربما يرفض. يكتشف أن لديه قدرات ومهارات يجربها. يقول إريكسون أن ابن هذه المرحلة يجب أن يُعطى مساحة من الحرية يمارس فيها هذه الاستقلالية، لأن هذا سيعطيه خصلة: الإرادة، وينتقل بنجاح للمرحلة التالية: 3 - 5 سنين. الأزمة: المبادرة. هذه فترة نشاط كبير للطفل، يلعب كثيرًا ويتعامل مع أقرانه، وإذا أعطي الطفل فرصة كافية لذلك فإنه يطور مهارات القيادة والمبادرة ويكتسب خصلة: الهدف. ويجتاز بنجاح للمرحلة الرابعة: 5 - 12 سنة. الأزمة: القدرة. «هل أنا صاحب كفاءة وقدرة؟ أم أنني ناقص؟». هذا ما يسأل الطفل نفسه وهو يتصارع مع أزمة هذه المرحلة، فيها يتعلم القراءة والكتابة، ويبرز دور المدرس، ويعتمد كثيرًا على نفسه، وتأثير الأصدقاء بالغ القوة ويؤثر في الثقة بالنفس، ويحاول الطفل إظهار أنه يملك قدرات وكفاءات يقدرها المجتمع ويفتخر بإنجازاته، وإذا أتاه التشجيع يكتسب خصلة الكفاءة وينتقل للمرحلة الأخطر: المراهقة، من 12 - 18 سنة. هذه أهم مرحلة في حياة الإِنسان حسب رأي إريكسون، وهي التي تشكل أعظم تأثير في مسار حياته المستقبلية. السؤال الكبير هو: «ما هويتي؟». وهويتك تتشكل هنا، وهي مرحلة الانتقال إلى سن الرشد، وهنا يحاول الانتماء للمجتمع، ويعاين هويته محاولاً معرفة من هو بالضبط، ويرى إريكسون محورين للهوية: مِهَني وجنسي. ينظر المراهق للمستقبل ويرغب تقرير مساره من ناحية المهنة والعلاقات والعائلة... إلخ، وأهمية المرحلة أن المراهق سيحدد من يكون كإِنسان راشد بقية حياته. والصراع الساخن هنا هو مع أزمة الهوية هذه، فإذا اجتازها بنجاح اكتسب خصلة التعايش الصادق، أي الالتزام وقبول الآخرين ولو كان هناك اختلافات في الآراء، إذا أتمها بنجاح ينتقل إلى المرحلة السادسة: من 18 - 40 سنة. هنا نشارك أنفسنا بشكل أكثر حميمية مع الآخرين ونستكشف علاقات يمكن أن تكون طويلة المدى، والخصلة التي نحاول اكتسابها: الحب. بعد أن نجتاز المرحلة بنجاح، ويؤدي هذا إلى علاقات مرتاحة وشعور بالالتزام نحو الغير وبالأمان معهم، فهذه النجاحات تؤدي للمرحلة السابعة: 40 - 65 سنة. نرسّخ حياتنا المهنية ونستقر في علاقاتنا ونبدأ حياة عائلية ونشعر أننا جزء من شيء أكبر. نربي أطفالنا، ننتج في العمل، نكون جزءًا من أنشطة اجتماعية، واجتيازنا هذه المرحلة بنجاح يعطينا خصلة العناية والرعاية التي تعطيها للأبناء والزوج/ الزوجة ولنفسك أيضًا، والتي تقود للمرحلة الأخيرة: أكثر من 65 سنة. تقل إنتاجيتنا ونستكشف الحياة كأناس متقاعدين، وهي المرحلة التي نتأمل فيها إنجازاتنا وإذا ما كنا صنعنا حياة ناجحة، وجائزة هذه المرحلة: الحكمة. لكن ماذا يحدث لو فشلنا في اجتياز تلك الأزمات؟ أحيانًا مصائب! وربما تعاني أنت منها الآن. وسنرى أمثلة ذلك في مقالة قادمة.
مشاركة :