احتدم النقاش في إسرائيل بين رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو ووزرائه من جهة وقادة أحزاب المعارضة وخبراء في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية على خلفية إصرار نتانياهو على تلبية دعوة رئيس الكونغرس جو باينر لإلقاء خطاب أمام مجلسي النواب والشيوخ في الثالث من الشهر المقبل يتناول معارضته التوصل إلى اتفاق بين الدول الكبرى وإيران في شأن المشروع النووي الإيراني، وبين معارض لهذه الخطوة لما تحمله من أخطار جدية على العلاقات الأميركية - الإسرائيلية وتزامنها مع الانتخابات العامة في إسرائيل. وبدا من تصريح نتانياهو أمس في مستهل الاجتماع الأسبوعي لحكومته أنه ليس في وارد إرجاء الزيارة، رغم إعلان نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أنه لن يحضر الاجتماع، واعتذار وزير الخارجية جون كيري عن لقاء نتانياهو خلال زيارته العاصمة الأميركية. وقال نتانياهو إن «هرولة الدول العظمى وإيران نحو إنجاز اتفاق إطار» حتى نهاية الشهر المقبل تؤكد وجوب تسريع جهوده لفرملة هذا الاتفاق «السيء والخطير الذي يتيح لإيران التسلح بسلاح نووي يعرض وجود إسرائيل إلى الخطر». وزراء اليمين وقال وزير الشؤون الإستراتيجية يوفال شتاينتس مدافعاً عن رئيس حكومته، إن خطابات نتانياهو السابقة في الأمم المتحدة والكونغرس هي التي تسببت بفرض عقوبات على ايران والضغط عليها لوقف برنامجها النووي. ودافع زعيم حزب المستوطنين «البيت اليهودي» الوزير نفتالي بينيت عن رئيس حكومته، معتبراً الخطاب أمام الكونغرس ضرورياً «إزاء الرغبة القوية لدى البيت الأبيض في التوصل إلى اتفاق خطير مع ايران». وانتقد وزراء «ليكود» زعيم «المعسكر الصهيوني» اسحق هرتسوغ على مهاجمته سياسة نتانياهو خلال مشاركته في مؤتمر اوروبا للأمن المنعقد في ميونيخ (ألمانيا) على نحو يمس المصالح الإسرائيلية الحيوية ويضعف موقفها في الخارج، و»هذا تجاوز عديم المسؤولية لأعراف متبعة وخطوط حمر». بايدن يلتقي هرتسوغ ونفى هرتسوغ ان يكون عمد إلى المس بنتانياهو خلال لقاء قصير ببايدن ومحادثتين مع كيري ولقاءات سريعة مع عدد من وزراء الخارجية الأوروبيين، وقال إن ما حصل هو أن زعماء كثيرين أرادوا لقاءه ليسمعوا منه البديل الذي يطرحه لنتانياهو. وأضافت أوساطه إن اللقاءات القصيرة التي تمت أظهرت غضباً دولياً كبيراً على قرار نتانياهو إلقاء الخطاب في الكونغرس «من أجل إشباع رغباته الانتخابية، فحرف النقاش عن الملف الإيراني على حساب تصعيد المواجهة مع الرئيس الأميركي» باراك اوباما. واعتبر مراقبون مصافحة بايدن لهرتسوغ وتجاذب الحديث معه «صفعة» ثانية لنتانياهو تأتي غداة إعلان بايدن اعتذاره عن المشاركة في اجتماع الكونغرس لسماع خطاب نتانياهو، وربما قولاً صريحاً عن تفضيل الإدارة الأميركية لهرتسوغ على نتانياهو في رئاسة الحكومة التي ستتشكل بعد الانتخابات العامة في 17 آذار (مارس) المقبل. معسكر الوسط واليسار وطرح زعيم «المعسكر اليهودي» في كلمته في المؤتمر أجندة حزبه الأمنية التي تقوم أساساً على استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين وبلورة تحالفات إقليمية. ولاحقاً اصدر بياناً قال فيه إن المطلوب من نتانياهو إلغاء زيارته، وأن «يتصرف كوطني إسرائيلي لا ان يلقي بأمن إسرائيل تحت عجلات المركبة الانتخابية». وأضاف في تصريحات ان بقاء نتانياهو على رأس الحكومة التي ستتشكل بعد الانتخابات يعني أن تكون إسرائيل في مواجهة عنيفة لا تتوقف مع الإدارة الأميركية، «بينما حكومة برئاستي ستعرف كيف تعيد التحالف بين البلدين إلى مساره الصحيح». واعتبرت رئيسة طاقم الإعلام في «المعسكر الصهيوني» شيلي يحيموفتش الخطاب «عملية تفجير سياسية متدحرجة»، ودعت نتانياهو إلى التنازل عن «هذه الإكرامية السياسية المشكوك فيها»، واعدةً بأن حزبها لن يعيّره بذلك في حملته الانتخابية. واعتبر زعيم «يش عتيد» الوسط يئير لبيد أن زيارة نتانياهو تتسبب بضرر بالملف الإيراني أولاً، ثم بالعلاقات الإستراتيجية مع الولايات المتحدة. وقال إن نتانياهو نجح في الدخول في صراع مع البيت الأبيض، والآن أيضاً مع نصف الكونغرس، والخطاب «ليس سوى عمل انتخابي بحثاً عن بعض الأصوات». صراع الجمهوريين والديموقراطيين وأبرزت وسائل الإعلام العبرية أنه بعد إعلان بايدن عن عدم المشاركة في جلسة مجلسي النواب والشيوخ، أعلن ثلاثة نواب من الحزب الديموقراطي مقاطعتهم الخطاب احتجاجاً على توجيه باينر الدعوة لنتانياهو من دون علم الرئيس اوباما. وهددت منظمات يهودية محسوبة على الحزب الجمهوري بأنها ستقوم بحملة قوية ضد النواب من الحزب الديموقراطي الذين سيقاطعون خطاب نتانياهو بداعي انهم يفضلون المصلحة الحزبية على «الزيارة المصيرية لنتانياهو». دعوات إلى إلغاء الزيارة ودعا خبراء في العلاقات الأميركية - الإسرائيلية رئيس الحكومة إلى إرجاء زيارته. وقال شموئيل روزنر إنه يجدر بنتانياهو إرجاء خطابه «حيال الواقع الناشئ، والضرر منه بات أشد من الفائدة، ويجدر به ايجاد السبيل للنزول عن السلم». وأضاف أنه يتفق مع نتانياهو على أن الاتفاق المتبلور مع ايران سيء، لكن مع ذلك يجدر بنتانياهو العمل على تضييق الشرخ الحاصل مع البيت الأبيض، وألاّ يكون علنياً لما فيه مصلحة إسرائيل. وزاد أن الخلاف يحرج يهود الولايات المتحدة إذ انه يتوجب عليهم، في موازاة حبهم لإسرائيل، أن يكونوا مخلصين لدولتهم ودعم الرئيس اوباما، «وهذا سبب إضافي يبرر جدوى إرجاء الزيارة». وأيد القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك ألون فوكس زميله في موقفه، وقال إنه يجدر بنتانياهو أن يتراجع عن مشاركته إلى ما بعد الانتخابات العامة في إسرائيل، أو أن يكتفي بالمشاركة في مؤتمر «إيباك» وشرح موقفه من الاتفاق المتبلور. مع ذلك، استبعد ان يرجئ نتانياهو زيارته «بعد أن نجح في محورة المعركة الانتخابية حول الملف الإيراني، ليقول للإسرائيليين إنه الشخصية الأنسب لمتابعة هذا الملف مع الولايات المتحدة والعالم». وزاد أن هجوم منافسي نتانياهو على خلفية هذا الخطاب «يعزز شعبيته في أوساط اليمين». وقال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً الذي انضم إلى حزب «المعسكر الصهيوني» عاموس يادلين إن فرملة ايران لا تتحقق من خلال الخطابات «إنما عبر اتصالات وعلاقات جيدة مع أصدقائنا في العالم». ودعا رئيس مكتب رئيس الحكومة السابق اسحق رابين، المحرر في «يديعوت أحرونوت» ايتان هابر رئيس الحكومة إلى تفادي الحرج الذي ينتظره في الكونغرس وإرجاء خطابه. وكتب: «فقط انتحاري شيعي يجرؤ على إلقاء خطاب في قاعة مجلسي النواب والشيوخ فيما نصف الكراسي فارغ». وأضاف ان مقاطعة نائب الرئيس ونواب آخرين من الحزب الديموقراطي للخطاب هي التي ستكون محور النقاش، و»هكذا سيصرف النظر عن مضمون خطاب رئيس الحكومة والملف الإيراني الذي من أجله يسافر إلى واشنطن». وأردف: «لا أمل لإسرائيل بكسب معركة على الولايات المتحدة ورئيس ما زال في منصبه... الأميركيون سيفوزون بمعركة كهذه، وعلينا أن لا ننسى أن هذا هو الفارق بين دولة عظمى ودولة بحجم ولاية نيو جرسي».
مشاركة :