مهرجان الشيخ زايد التراثي.. الصقارة رياضة تراثية تتوارثها الأجيال

  • 1/14/2019
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

يحفل مهرجان الشيخ زايد التراثي الذي تستمر فعالياته في منطقة الوثبة بالعاصمة أبوظبي حتى 26 يناير الجاري، بالكثير من ألوان الموروث، حيث تبرز قيمة الصقارة كونها نشاطا تقليديا يعتمد على اصطياد الطريدة بواسطة الصقور، وهذه الرياضة تنتشر في السهول الواسعة، وقد برز نشاط الصقارة في المجتمعات كتراث ثقافي غير مادي، وممارسة اجتماعية ترفيهية، ووسيلة للتواصل مع الطبيعة، ومع أنها كانت في الأصل وسيلة للحصول على الغذاء، إلا أنها أصبحت بمرور الزمن تحمل الكثير من الدلالات والقيم والمعاني الاجتماعية، كما أصبحت رمزاً من رموز الصداقة والمشاركة، والتعبير عن الحرية، إذ يمتلك الصقارون مجموعة خاصة من الثقافة والتقاليد والأخلاقيات، والمهرجان يظهر هذه الثقافة ويرسخ مفاهيمها من خلال العديد من الطرق التي تسهم في نقل هذه الرياضة التراثيّة إلى الأجيال الجديدة. جهود زايد وكان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قد مارس الصقارة منذ صغره، نتيجة شغفه بهذه الرياضة التراثية وممارستها، وقد شجع على استمرار ممارسة فنون الصقارة، وتعزيز قيم هذه الرياضة، الأمر الذي دفعه إلى إطلاق الكثير من المبادرات لتعزيزها، من بينها برنامج زايد لإطلاق الصقور، ومستشفى أبوظبي للصقور الذي أصبح أكبر مستشفى للصقور في العالم. أدب شعبي تعتبر الصقارة إحدى أقدم العلاقات التي تربط الإنسان بالطير، كما أنها تعد نشاطاً تقليدياً يعتمد على إطلاق الصقر لاصطياد طريدته في بيئته الطبيعية من قبل الأفراد من جميع الأعمار، هواة ومحترفين، ومع مرور الوقت عمل الصقارون على تعزيز علاقاتهم بالطيور، وأساليب تدريبها مما أدى إلى ظهور لغة خاصة بين الصقر والصقار، وبروز أدب شعبي تمثل في الشعر، والأمثال، والأغاني، والقصص، والحكايات، كما تطورت أدوات الصقارة المصنوعة يدوياً والتي يعدها الصقارون أنفسهم ضمن الرياضات التراثية، مما يعزز لديهم القيم الثقافية المبنيّة على المشاركة والتعاون والدعم المتبادل. وأثناء رحلة الصيد للمجموعات التي يتراوح عدد كل منها من ستة إلى اثني عشر صقاراً يمضون من أسبوع إلى ثلاثة أسابيع في البرية، لممارسة هذه الرياضة التراثية، والتي تتخللها جلسات السمر حول مواقد النار المشتعلة في المخيمات التي يقيمونها في مناطق الصيد، وتبادل الأحاديث والنوادر التي عاشوها خلال رحلتهم اليومية في تتبع طرائدهم، وينقل الصيادون معارفهم ومهاراتهم إلى الأجيال الصاعدة بوسائل مختلفة، منها الإرشاد، حيث يقوم صقار ذو خبرة بتعليم المتدربين الصغار تقنيات الصقارة، من خلال اصطحابهم إلى الصحراء وتدريبهم على كيفيّة بناء علاقات الثقة مع الصقر. قيم نبيلة عُرفت الصقارة في المنطقة العربية منذ 4000 سنة، ومارسها البدو لاسيما في صحراء دولة الإمارات وشبه الجزيرة العربية باعتبارها أحد أشكال الصيد المهمة في أرض شحيحة بالموارد الطبيعية، إلا أن دور الصقارة في المجتمع قد تغير مع الزمن، فأصبحت اليوم من أهم الرياضات التقليدية في دولة الإمارات، كما ترتبط رياضة الصيد بالصقور بالقيم النبيلة والشجاعة والفخر والمجد الذي تتسم به الشعوب العربية، بالإضافة إلى صلتها بالحفاظ على الطبيعة والصيد المستدام، وروح الصداقة التي تربط بين الصقّارين. ترويض وتعليم يشمل الترويض تعليم الصقر الانقضاض على دمية (تمثل فريسته مكسوة بالريش)، ومربوطة بحبل يمسك به المدرب، وعندما يبدأ الصقر في الانقضاض على تلك الفريسة يسحبها المدرب بعيداً، فيتعلم الطائر مع كثرة التدريب أهمية تكرار المحاولات حتى يوقع بفريسته وعندما يصبح الصقر مستعداً للممارسة الفعلية، يُستخدم الحمام لاستكمال التدريب وتتطلب عملية الترويض ورياضة الصيد التحلّي بالصبر وفهم طبيعة الصقر، حيث يسهم هذا الأمر في تكوين رابط قوي ومميز ولغة خاصة بين الصقر ومدربه، الأمر الذي يساعد على تعلم مجموعة من القيم الاجتماعية المهمة ذات الصلة برياضة الصيد بالصقور. «البُرقُع» و«الوكر» يستخدم الصقّار أدوات مصنوعة يدوياً، من بينها «بُرقُع» مصنوع من الجلد لتغطية رأس الصقر وعينيه عندما يتوقف عن التحليق، كما يُستخدم «الوكر» الخشبي كمأوى للطائر أثناء استراحته، ويتكون من سطح عريض مستو مثبت بعصا يمكن غرزها بسهولة في الرمال ويرتدي الصقار «المنقلة» في يديه كواق يتّكئ عليه الصقر بين جولات التدريب والصيد. وفي الوقت الحاضر، يتم تثبيت جهاز تتبع في قدم الصقر، ولا تقتصر أهميته على الإشارة إلى العلاقة القوية التي تربط بين الصقر ومدربه فحسب، بل تشير أيضاً إلى قيمة هذه الصقور وأهميتها حتى لا يفقدها صاحبها. وتقام رياضة الصيد بالصقور في جميع مناسبات دولة الإمارات، حيث تلعب عروض الصقارة دوراً بارزاً في المناسبات والفعاليات التراثية كافة. كما تظهر أهمية الصقارة في الأدب والموسيقى والشعر والغناء. إضافةً إلى ذلك، تمكنت الإمارات من إدراج رياضة الصيد بالصقور في القائمة التمثيليّة للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في منظمة اليونسكو. صبر وتعاون ويعدّ الصيد بالصقور رياضة إماراتية تقليدية، ويتم تناقل مهاراتها عبر الأجيال، ويتطلّب الصيد بالصقور الكثير من الصبر والتعاون بين مربي الصقور وطيوره، فكلّما تعامل مع صقره بلطف وتعاطف، كسب ثقته وبدأ بإطاعته. والجدير ذكره أنّ مربي الصقور الإماراتيين طوّروا طرق تربية متميّزة. وقد ذُكر في كتاب «تدريب الصقور: تراثنا العربي»، أن التقنيات الأساسية لاصطياد الطيور وتربيتها، تتمثل في أن يقوم الصياد بحفر فجوة في الأرض ويختبئ بين الأشجار، ومن ثم يستخدم طائر الحمام كفخ لالتقاط الصقر. وبعد ذلك، يُخرج الحمامة من الفجوة ويتحكّم بتحركاتها من خلال ربط خيط برجلها، وحالما يثب الصقر على فريسته، يقوم الصياد بسحب الخيط برفق حتى يقع الصقر في قبضته. ومن التقنيات الأخرى، يتم استخدام الشباك، بحيث تكون الحمامة الفريسة أيضاً، وهنا تلتقط الشباك الصقر بمجرّد أن يُمسك بفريسته، فيقوم الصياد برفع الشباك عنه وإعطائه إلى مربي الصقور ليباشر بتدريبه. مستشفى للصقور على مقربة من مطار أبوظبي الدولي، يقع أكبر مستشفى لمعالجة الصقور وأكثرها تقدّماً في العالم، واسمه «مستشفى أبوظبي للصقور»، وأهمّ ما في هذا المستشفى متحف الصقور وبيت الطيور الذي تتمتّع في داخله بحريّة الطيران، وتُنظّم في مستشفى أبوظبي للصقور التخصصي، الحائز العديد من الجوائز، جولات سياحية لزيارة أجنحته الفاخرة لإيواء الطيور، لاكتشاف أسرار المتحف والذي يتيح الاطلاع على الرياضة الصحراوية العريقة للصيد بالصقور، مع إمكانية اختبار هذه الرياضة بنفسك في الرياض الخضراء.

مشاركة :