مازال الغموض يكتنف الاتفاق العسكري السري بين قطر وتركيا، والذي نشرت "العربية.نت" جانباً من تفاصيله وبنوده، حيث يثير تساؤلات عديدة حول طبيعة الاتفاق، وبنوده، التي لم تُعلن ولم تتسرب لوسائل الإعلام بعد.
الاتفاقية تثير العديد من التساؤلات حول النفقات الخاصة بتحركات القوات التركية وتدريباتها، وما هي هذه التحركات وحدودها؟ ومتى تُنفذ؟ ثم ماهية الأهداف الحقيقية للقاعدة، وهل هي للدفاع عن قطر أم لأغراض أخرى؟
"العربية.نت" توجهت بتلك الأسئلة والاستفسارات إلى اللواء محمود خلف - قائد الحرس الجمهوري السابق في مصر والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية - في محاولة للكشف عن إجابات لتلك التساؤلات.
اللواء خلف قال إن بعض البنود التي تضمنتها الاتفاقية وتسربت لوسائل الإعلام هي بنود طبيعية وبروتوكولية، وهناك بنود أخرى مذلة ومهينة للطرف القطري.
اللواء محمود خلف
بنود أخرى أكثر سرية
وقال إن هناك بنوداً أخرى أكثر سرية تُدرج في مثل هذه الاتفاقيات، ولكنها لم تعلن بعد في اتفاقية قطر وتركيا، ولن يتم الإعلان عنها، ولن تسمح الدولتان بأي تسريب لها لوسائل الإعلام، لأنها تمس سيادة الدولة المضيفة وهي قطر.
وأضاف أن البنود السرية الأخرى تتضمن قيمة المبالغ التي ستسدد للدولة صاحبة القاعدة العسكرية سنوياً، والهدف من إقامة القاعدة، وهل هي لصد أي تهديدات أو اعتداءات توجه للدولة المضيفة أو منشآتها النفطية أو الأمنية أو العسكرية؟ أم لأغراض أخرى؟ وأوضح أنه إذا كانت هناك قاعدة أميركية كبيرة متواجدة في منطقة العديد والسيلية لحماية قطر، فماذا ستفعل القوة التركية؟
إذا ما هو الدور الأساسي للقاعدة التركية؟
ويجيب قائد الحرس الجمهوري السابق ويقول إن توقيت توقيع الاتفاقية، وهو أبريل من العام 2014، وعقب أيام قليلة من قرار دول الرباعي العربي (السعودية ومصر والإمارات والبحرين) سحب سفرائهم من الدوحة، يعني أن قطر كانت تهدف لشيء ما من الاتفاقية غير الحماية العسكرية، فهي تعلم تماماً ومتيقنة أنها لن تتعرض لأي هجوم عسكري من جانب الرباعي العربي، فضلاً عن أن القاعدة الأميركية في العديد والسيلية ستتكفل بحمايتها من أي اعتداءات.
ويرى اللواء خلف أن الاتفاقية كانت لهدفين، الأول هو إقامة تحالفات جديدة تستطيع من خلالها مواجهة الرباعي العربي دولياً ودبلوماسياً، والثاني هو شراء موقف تركيا ورئيسها أروغان مادياً تحت مسمى توقيع اتفاقية عسكرية.
أغراض أردوغان الأيديولوجية بالمنطقة
ويكشف الخبير العسكري المصري أن أروغان يعلم تماماً أن قطر لن تتعرض لهجوم عسكري، ولن تخوض القاعدة أي حروب عسكرية، لكنه وقع الاتفاقية بعد إقرارها سريعاً من البرلمان، كي يضمن لنفسه موطئ قدم يمكن من خلاله تحقيق أغراضه الأيديولوجية والسياسية في المنطقة، وأن يحقق استفادة مادية كبرى تنعش ولو قليلاً اقتصاده المهترئ، مضيفاً أن تسريب الاتفاقية ربما يكون بإيعاز من جانبه، كي يطمئن الشعب التركي أن أبناءه لم يذهبوا لقطر، ويضحوا بأرواحهم دون تسهيلات وامتيازات لهم ولدولتهم.ويؤكد خلف أن الاتفاقية وما تسرب من بنودها فيها إذلال للطرف القطري، وما خفي من بنودها قد يكشف أهدافها الحقيقية، فليس من المنطقي أن تذهب قاعدة قوامها 3 آلاف جندي قد ترتفع إلى 5 آلاف جندي لحماية دولة بمنشآتها وشعبها، بل ربما تكون كافية لحماية النظام وأفراده، لكن حماية الدولة يكون صعباً عليها.
ويقول إن البنود غير المعلنة تحدد أماكن انتشار القوات وتمركزها، والمنشآت والأهداف التي تقوم بحمايتها، مضيفاً أن كل هذه المهام تُدرج في الاتفاقية وبشكل واضح.
دلالات وأبعاد سياسية مشتركة
ويختتم الخبير العسكري المصري حديثة لـ"العربية.نت"، قائلاً إن الاتفاقية، وإن كان يطلق عليها عسكرية، إلا أنها ذات دلالات وأبعاد سياسية مشتركة، فهي فرصة للحكومة التركية كي تستنزف قطر مالياً وتناوئ دول الخليج التي ترفض سياساتها وتدخلاتها.
وبالنسبة لقطر، فهي محاولة للكيد السياسي ضد دول الرباعي العربي، وشراء موقف تركيا والحصول على دعمها، ومساندتها ضد العرب في المحافل الدولية، مثلما تفعل مع إيران، ولكن ليس باتفاقيات عسكرية بل باتفاقيات اقتصادييه مباشره وكانت "العربية.نت" وضعت يدها على مزيد من التفاصيل حول الاتفاق العسكري السري المبرم بين أنقرة والدوحة، والذي بموجبه تنتشر قوات من الجيش التركي على الأراضي القطرية منذ منتصف العام 2017، حيث تبين أن الاتفاق يُلزم قطر بتقديم قائمة طويلة جداً من الخدمات المجانية للجنود الأتراك، مما لم يسبق أن وافقت عليه أية دولة.
وكانت الاتفاقية العسكرية السرية قد أبرمت بين البلدين يوم 28 أبريل 2016، إلا أنه تم توسيعها في منتصف العام 2017 ومررها البرلمان التركي حينها، وبموجبها وصل آلاف الجنود الأتراك إلى قطر، إلا أن الاتفاقية التي تحمل اسم (اتفاقية التنفيذ بين الجمهورية التركية وحكومة دولة قطر لنشر القوات التركية على الأراضي القطرية) ظلت طي الكتمان إلى أن تمكن الموقع السويدي "نورديك مونيتور" من الحصول على نسخة منها وقام بنشرها.
قائمة طويلة من الخدمات
وتبين من المراجعة التي أجرتها "العربية.نت" للاتفاقية أنها تفرض على دولة قطر قائمة طويلة من الخدمات التي يتوجب أن تقدمها مجاناً للجيش التركي ابتداء من تأمين السيارات والوقود والصيانة، ووصولاً إلى إلزام القطريين بتنظيف المنازل والمباني التي يقيم فيها الأتراك وجمع أكياس القمامة التي يخلفونها وراءهم في شوارع الدوحة.
كما تتكفل الحكومة القطرية بموجب الاتفاقية بكافة الخدمات الطبية والعلاجية التي يحتاجها الجيش التركي خلال تواجده على الأراضي القطرية، ودون أي مقابل مالي، ما يعني أن آلاف الجنود الأتراك أصبحوا مؤمَّنين صحياً في قطر وعلى نفقة الحكومة بشكل كامل.
كما ينص أحد بنود الاتفاقية على ألا يُجيز ملاحقة أي جندي تركي متواجد في قطر ولا محاكمته في حال ارتكابه أي انتهاكات قانونية.
انتهاك للسيادة القطرية
ويُشكل هذا البند انتهاكاً واضحاً للسيادة القطرية، كما أنه يعيد إلى الأذهان فترة الاستعمار الأجنبي للمنطقة العربية عندما كان الجنود الأجانب يتمتعون بحماية بلدانهم على أراضي المستعمرات التي يحتلونها ولا تستطيع السلطات المحلية ملاحقتهم أو محاكمتهم على الجرائم والمخالفات التي يرتكبونها.
ولا تتضمن الاتفاقية ما يشير إلى تاريخ انتهاء تواجد القوات التركية، كما لا يوجد ما ينص على إطار زمني لخروجهم، وهو ما يعني أن قطر قد تظل ملزمة بهذه الالتزامات لعشرات السنين القادمة، بسبب هذه الاتفاقية السرية.
يشار إلى أن الاتفاقية تقع في 16 صفحة، وهي باللغة الإنجليزية - كما حصل عليها الموقع السويدي وقام بتسريبها - وهي موقعة ومختومة من الجانبين التركي والقطري.