بدخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل مدينة الرياض عام 1902م يمكن القول بأن النظام الملكي السعودي قد بدأ منذئذٍ وأتم حتى الآن نحو 116 عاماً في الحكم. وبذلك يكون أطول الأنظمة السياسية عمراً في الشرق الأوسط. وإذا جادل البعض بدول مثل إيران وتركيا ومصر، فيمكن الدفع بأن الأنظمة السياسية قد تغيرت في هذه الدول حيث قلبت الثورة في إيران نظام الحكم من ملكي إلى جمهوري عام 1979م، وبدأت تركيا الحديثة نظامها السياسي عام 1923م، وتغير النظام من ملكي إلى جمهوري في مصر عام 1952م. ربما سيكون من التبسيط المخل الاتكاء على الخط الزمني لقياس مدى نجاح النظام السياسي السعودي، فقد صاحب ذلك بناء دولة حديثة تقوم على أربع ركائز حددها مؤلف كتاب «تاريخ العرب الحديث والمعاصر» رأفت الشيخ في التمسك بعقيدة التوحيد، وتطبيق الشريعة الإسلامية، والحفاظ على الأمجاد التي حققتها عائلة آل سعود، منذ بدأت حكم الدرعية قبل نحو 600 عام، وأخيراً تبني مفهوم الدولة الحديثة. استقرار النظام السياسي وقيامه على ثوابت متينة حقق للمملكة العربية السعودية نمواً مطرداً قياساً بما حولها من الدول في المنطقة.. فقد بدأت على عكس جيرانها ضعيفة ثم تطورت في بناها الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية. ويمكن لأي متصفح لتاريخ هذه البلاد أن يكتشف بسرعة كيف بدأت وما هي عليه الآن. الملك المؤسس ومن بعده أبناؤه، لم ينساقوا خلف الشعارات الأممية، فقد كان المؤسس قريب عهد بانهيار الدولة العثمانية بعد أن نخرتها النزعة القومية والاستعلاء العرقي، مما فجّر في العرب رغبة عارمة في الاستقلال عن الرجل المريض والموبوء بالعنصرية. الملك عبدالعزيز لم يعتنق أيديولوجية قطرية أو قومية متعصبة، بل تمسك بمقاصد الدين الحنيف الداعية إلى التضامن الإسلامي ونصرة المسلمين مع المحافظة على كيانات الدول الوطنية متماسكة، ولتأكيد ذلك وقّع معاهدات عديدة مع جيرانه في اليمن ومصر والأردن والعرق على الرغم من مغريات التوسع التي كانت ترحب بمشروع الملك عبدالعزيز لدرجة أن السوريين طلبوا من المؤسس أن يكون نجله فيصل ملكاً على الشام ولكنه رفض، كما أمتنع أن يتوسع ابنه فيصل في اليمن وأمره بالانسحاب والعودة إلى حدود المملكة الحالية من الجنوب. ومع وجود الإمبراطورية البريطانية إلى الشرق منه في دول الخليج، ودعمها لشريف مكة نكاية بالدولة العثمانية، فإنه أدار العلاقة معها بدهاء، ولم يرض عن استعمارها الدول العربية يوماً. ولذلك فإنه عندما رغب في بدء استكشاف النفط وتسويقه تجاريا رفض أن يضع مستقبل بلاده في يد استعمارية وآثر بلداً بعيداً للتو يتوق لتخطي المحيط شرقاً وهو الولايات المتحدة الأمريكية. الحركات التحررية التي انطلقت في البلاد العربية كردود أفعال على العنصرية التي تفشت في أروقة الدولة العثمانية أوغلت في تمجيد العنصر العربي في مقابل التركي، ووصل الأمر بحزب «العرب الفتاة» المقابل لـ«تركيا الفتاة» إلى اعتبار الإسلام غير قادر سك رابطة تجمع الشعوب العربية كما تفعل القومية العربية، بينما كان الملك عبدالعزيز يتعهد توليفته الخاصة للبقاء والترقي المكونة من الوطنية والقومية والدين ويتأكد من قدرتها على صناعة دولة ذات نظام سياسي هو الأطول عمراً الآن في الشرق الأوسط. لماذا أتذكر التاريخ في هذه المقالة؟.. لأن بعضاً من فلول القوميين والأمميين العرب يملؤون اليوم قنوات التلفزة المعادية ضجيجا عن تاريخ المملكة، ويحاولون تزويره والانتقاص من مكانة هذه البلاد وقيادتها. أولئك التقدميون إلى الوراء يجتزئون التاريخ للحط من مكانة المملكة وتشويه ماضيها، وهم إنما يجترون دعاوى قديمة حديثة فجّرتها في نفوسهم الغيرة من بلد جمع بين الدين والدنيا، فكانت له الريادة الإسلامية والاقتصادية. دعاوى الخارج نستطيع تفنيدها بسهولة، فهي مجرد أعراض لأمراض تنهش قلوبهم، ولكن الأخطر على هذا المنجز السياسي الكبير هو نسيان أو تجاهل دور الركائز الأربع السابقة فيما وصلت إليه المملكة بحمد الله من تمكّن.
مشاركة :