متى نبيع «الجنادرية» كـ«علامة تجارية»؟

  • 1/14/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

هل تتخيل أن ترى مهرجان الجنادرية للتراث والثقافة مقاماً في الصين أو الهند أو حتى في البيرو وغيرها من البلدان وتشاهد وتتعرف على التراث القديم وعادات وثقافات هذه الدول؟ هل خطر على بالك أنه بالإمكان أن تتنقل الجنادرية بين هذه البلدان؟ بالطبع قد يبدو الأمر مستغرباً لبعض الأشخاص، إنما في عصر العولمة وصناعة العلامة التجارية ليس مستحيلاً. منذ 33 عاما والسعودية تنظم هذه الفعالية التاريخية، متضمنة ثقافات وعادات لكل المناطق والأرياف السعودية، حتى انها اصبحت راسخة في أذهان مواطنيها وزوارها، بل إنها أصبحت احد المهرجانات التي ينتظرها السعوديون وحتى المقيمون فيها لكونها تقدم أنموذجاً رائعاً لحفظ التراث والموروث الثقافي، وخلال ثلاثة عقود اكتسبت إدارة المهرجان خبرة ودراية وأسلوبا إداريا مختلفا، حتى تحولت إلى مدينة تراثية ليست فقط تحظى باهتمام محلي، بل أصبح يأتيها الناس من الخارج. اليوم، بعد هذه السنوات الطويلة من الخبرة والتشغيل والإدارة، من الضروري أن تفكر إدارة المهرجان بطريقة مختلفة «خارج الصندوق»، خاصة وأن المهرجان اكتسب شعبية محلية وعالمية وبلغ عدد زواره العام الماضي 13 مليون زائر، كما أن إدارة المهرجان أشركت بعض الدول مثل الهند وفرنسا والصين واليابان وغيرها كضيوف شرف، الفرصة الآن سانحة لتسويق الجنادرية كمنتج ثقافي وتراثي، عبر إعداد فريق جيد ومهني لتسويقه في دول أخرى مثل الهند والصين، بحيث يقام تحت اسم «الجنادرية» كعلامة تجارية ويتاح لهذه الدول عرض تراثها وثقافتها وبرامجها المنوعة، ويتم تنظيم إقامة الفعالية في كل مدينة أو دولة عالمية، بحيث تنتقل كل عام أو بعد عامين أو حتى خمس سنوات، من مكان إلى آخر، وتحمل مواصفات ومعايير تضعها الشركة المسوقة، بحيث تستمر شهراً أو شهرين، وهي فعالية بالتأكيد سيتعرف العالم من خلالها على ثقافات وتراث الشعوب بأسلوب جديد ومختلف. يجب ألا نعتبر هذه الفكرة صعبة أو مستحيلة، هناك دول سبقتنا في مثل هذه التجارب ونجحت، على سبيل المثال منتدى دافوس الذي انطلق في بادئ الأمر في منتجع دافوس، وبعد سنوات أصبح هناك منتدى دافوس البحر الميت، وعقدت دافوس الصحراء، وحالياً تنعقد من 5-10 اجتماعات تحت اسم «دافوس» في أكثر من دولة خلال العام، وأيضا معرض اكسبو الذي سينعقد في 2020 في دبي وهو أحد أهم المعارض التي تنظمها المدن التي تفوز بها، وهذا المعرض أحد منتجات المكتب الدولي للمعارض، ونجحت في تحويله إلى مناسبة تقام في المدن العالمية وتتسابق على اقامتها وهي لها معايير وضوابط، وتحقق الكثير من المكاسب من تحريك لقطاع الخدمات والفندقة والسياحة، كما ينشط الحركة التجارية والتسويقية. السعودية لديها تجربة جميلة مع الفيفا حينما نظمت أول نسختين من بطولة القارات عامي 1992 و1997 وحملت وقتها اسم الملك فهد بن عبدالعزيز قبل أن تتحول إلى مظلة الفيفا ويعترف بها، ومن ثم أصبحت ضمن روزنامته ليغير اسمها إلى بطولة القارات، إنما يكفي أن هذه البطولة صنعها السعوديون واخترعوها وإن لم يفوزوا بها. في البداية ربما يواجه فريق التسويق بعض الصعوبات وإقناع الدول، إنما هذا لا يمنع أن نبدأ ببعض دول الخليج ومن ثم بعض الدول العربية والصديقة، والفكرة لا تعني أن تقام فعاليات سعودية في الخارج بقدر ما يعني أن يتم بيع المنتج بكامل مكوناته، بحيث يحمل تراثاً وهوية وثقافة البلد التي تستضيفه وتقيم على أرضه هذه الفعالية، ولكن تحمل علامة تجارية سعودية وفكرة مبتكرة، وما يجعلني مقتنعا بأهمية تسويق هذا المشروع، أن الكثير من الدول تلقي اهتماما بالحاضر والمستقبل، ليس هناك ما يربط الانسان بماضيه أو يفتخر به، مهرجان الجنادرية رسخ في أذهان زواره أنه يربط الإنسان بماضيه وبداياته وما يجعله يفتخر، بما كان عليه وكيف أصبح، وهي أيضا فرصةً لنرى ونتعرف من خلال الجنادرية على ثقافات الشعوب وحضارتها وقيمها الإنسانية وأيضا إلى أدبها وموروثها وفنونها. مع العولمة والانفتاح الثقافي باتت هناك مخاوف من أن يفقد المجتمع قيمه وهويته وثقافته، ولا بد من تذكير الأجيال الحالية والقادمة بأهمية الموروث وتاريخهم المضيء، وهذا تعاني منه معظم الشعوب، ما يعني إيجاد مثل هذه الفعالية مهم، وإذا ما تم إعدادها بالطريقة المحترفة يمكن أن تكون احد المنتجات الجديدة التي ستدخل في مجال الثقافة والفنون، إلى جانب مكانة المملكة العربية السعودية فهي أيضا تعطي صورة لما وصلت إليه صناعة المعرفة والثقافة والفنون وصناعة العلامة التجارية والانتقال الطبيعي لهذه الفعالية التي حافظت على مستواها على مدى 33 عاما، وتعطيها سمة عالمية وانتشارا واسعا بالاسم نفسه. أعتقد أن الجهات المعنية، سواء هيئة الاستثمار والثقافة والفنون أم فريق رؤية 2030، لن تدخر جهداً في تقديم العون والمساعدة وتخصيص فريق من الخبراء لإخراج الجنادرية إلى العالم بالثوب الجديد. * كاتب وصحافي اقتصادي. @

مشاركة :