طالَبَ الملتقى العلمي الذي نظّمته رابطة العالم الإسلامي، بالتعاون مع جامعة جزر القمر، تحت رعاية الرئيس عثمان غزالي رئيس جمهورية القمر المتحدة؛ بتكثيف مبادرات وبرامج تعزيز الوعي الإسلامي في مواجهة مد التشدد والتطرف؛ داعياً إلى وجوب اجتماع أهل القبلة على ما يحقق مقاصد دينهم ويصلح دنياهم ويعينهم على مواجهة التحديات. كما طالَبَ الملتقى، الذي أقيم تحت عنوان "الرعيل الأول في الوجدان الإسلامي"، في العاصمة القمرية موروني؛ بتكثيف المؤتمرات والملتقيات بين علماء الأمة بمختلف مكوناتها؛ لدراسة القضايا المهمة، وتحرير المسائل المختلف عليها، والبحث عن حلول للمسائل العالقة، والتصدي لمحاولات إضعاف المرجعية الإسلامية للمجامع والهيئات الفقهية والعلماء، وتحري الدقة والموضوعية والمنهجية العلمية لدراسة السيرة النبوية وما يتعلق بها من أحداث تاريخية، وتوجيه وسائل الإعلام إلى نشر ثقافة الوئام والتعايش والاعتدال، والتحلي بالمصداقية، وعدم الترويج لثقافة الكراهية والشقاق والتوتر. ودعا الملتقى المؤسساتِ والمنظمات والمراكز الإسلامية إلى عقد الأنشطة التي تستلهم الأسوة الحسنة من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وسير آله وأصحابه الكرام؛ بما يعزز وحدة المسلمين وتماسكهم وتآلفهم؛ منوهاً بالدور الكبير الذي تقوم به رابطة العالم الإسلامي حول العالم؛ انطلاقاً من قدسية مقرها في مكة المكرمة؛ بوصفها المحضن الإسلامي الكبير؛ روحياً وعلمياً وفكرياً؛ من خلال مجامعها وهيئاتها العلمية والفكرية حول العالم. وكان الملتقى قد افتتح بكلمة لفخامة الرئيس عثمان غزالي، ألقاها نيابة عنه وزير الخارجية والتعاون الدولي القمري محمد الأمين صيف اليمني، قال فيها: نتوسم لأعمال هذا الملتقى الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي كل التوفيق والسداد، بمشاركة كوكبة من العلماء الأجلاء والباحثين الأكفاء. وأضاف: أفراد الرعيل الأول من المسلمين كانوا يتّسمون بصفات مميزة؛ حيث كانوا يتمتعون بمستوى عالٍ من التثقيف العقلي والتنوير الفكري، والإيقاظ الروحي، والترابط الأخوي، وإن علم الطب والرياضيات والفلسفة والهندسة والفلك وغيرها هي نتاج التثقيف العقلي والتنوير الفكري الذي كان رائده الرعيل الأول. واستطرد: حريّ بنا في هذا المقام التاريخي الإشادة برابطة العالم الإسلامي، التي تعد أولى المنظمات الإسلامية العربية التي فتحت مكتباً لها في بلادنا بُعيد نيل الاستقلال، وأنها تبذل جهوداً جبارة من أجل نشر قيم الاعتدال والوسطية، وتعزيز السلم والأمن الدوليين عبر تبنيها للقضايا الدولية العادلة الهادفة إلى إصلاح الأمة وتضميد جراحها؛ وذلك تحت مظلة مبادرات رائدة في محاربة التطرف والغلو ونشر ثقافة الوئام وقبول الآخر"؛ مشيداً باستمرار الرابطة في ترسيخ مفاهيم التقارب والتآلف لتقوية جسد الأمة الإسلامية من الانزلاق في الصراعات المذهبية والنزاعات الطائفية، وتقديم نموذج جديد من الحراك المختلف من خلال التواصل الفاعل مع الأطياف الإنسانية كافة في ظل عطاءات ريادتها الإسلامية. وتابع: نحيي هذه الرغبة الأكيدة والإرادة الحقيقية في التفاعل والتلاحم في المناسبات التاريخية العظيمة؛ للمضيّ قدماً نحو حياضنا الذي لا ينفد، وملجئنا الذي نعتز به ونفتخر؛ لنكون في ذلك أسوة حسنة للاحقين من الأجيال". بعدها ألقى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، كلمةً شكر فيها رئيس جمهورية القمر المتحدة على رعايته الملتقى؛ مؤكداً أن رسالة الرابطة تعتمد إيضاح حقيقة الإسلام ومواجهة التشدد والتطرف والإرهاب وتقديم العون للجميع. ودعا إلى امتثال الروح الإسلامية التي ميزت الرعيل الأول الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فصنع منهم إخوة متحابين، مجتمعاً تجانَسَ فيه القرشي مع أخيه المدني، والأوسي مع الخزرجي، والآل مع الأصحاب الكرام، في عقد اجتماعي فريد {وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولـكن الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم}، "الأنفال: 63"، فرضوان الله على الجميع. وقال: بوحدتها وتضامنها تعزز الأمة من دورها الحضاري وتبني المزيد من جسور الوئام والتعاون مع الأمم الأخرى. وأضاف: الرعيل الأول يؤسس ويرسخ لمنهج الأمة، وأنه لا بد أن تجعل السيرة النبوية في وجدانها بمحل كبير، وأن تقرأها قراءة فاحصة صحيحة لتترجم هديها المبارك عملاً صواباً. ثم ألقى مدير جامعة جزر القمر الدكتور عبدالله سيد حسن، كلمةً أكد فيها أن جامعة جزر القمر، وهي تشارك رابطة العالم الإسلامي، في تنظيم فعاليات هذا الملتقى، لفخورة جداً بهذا التعاون، الذي تتبعه نشاطات علمية أخرى، وأن جامعة جزر القمر، التي تأسست في العام 2003، انطلقت بكلية الإمام الشافعي، للعلوم الإسلامية والعربية؛ إثباتاً منها لعمقها الإسلامي العربي في التعليم؛ حيث تأسست بروافد طلابية، من معاهد الرابطة، المنتشرة في البلاد التي تعاهدها أمين عام الرابطة الشيخ الدكتور محمد العيسى فجدد وحدث فيها. وكشف أن من مدرسي الجامعة، والعاملين فيها جيلاً كبيراً، من الكوادر العلمية والإدارية من خريجي هذه المعاهد التي نستشرف مستقبلاً المزيد من مخرجاتها والمزيد من كفاءتهم. وبيّن أن جمهورية القمر المتحدة، تفتخر بدينها الإسلامي، وتسهم الجامعة في إنشاء دولة واعدة، كما يخطط ويسهر على ذلك فخامة الرئيس عثمان غزالي؛ مشيراً إلى أن الدولة الواعدة، تنطلق من الجامعة التي تؤهل الكوادر الوطنية العلمية، وأن هذه المناسبة سوف تدشن مرحلة جديدة، في علاقاتها مع رابطة العالم الإسلامي، وتسهم في توطيد العلاقات بين الجانبين؛ لما فيه مصلحة الجميع. بعد ذلك، ألقى مفتي جمهورية القمر المتحدة الشيخ طاهر أحمد مولانا جمال الليل، كلمةً أوضح فيها أن الله عز وجل اختار لنبيه صفوة الأمة ليكونوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكانوا حقاً خير أصحاب لرسول الرحمة، وبهم انتشر الإسلام في جميع أنحاء المعمورة، وقد وصفهم الله عز وجل بالأسبقية في الفضل فقال: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}. وأوضح أن جامعة جزر القمر، جامعةٌ فتية وناشئة، وهي عضو في اتحاد الجامعات الإسلامية، وقال: من موقعي كأول مدرس لهذه المؤسسة العلمية، أدعو أخي الشيخ الدكتور محمد العيسى، بأن يكون سفيراً لهذه الجامعة في العالم؛ بل سفيراً لهذا البلد الإسلامي العربي الوحيد في هذه المنطقة، الذي تقع عليه مهمة نشر الدين الحنيف بالمنهج الوسطي. وفي الختام، ألقى رئيس مجلس أمناء اتحاد علماء إفريقيا الدكتور محمد أحمد لوح، كلمة المشاركين، قال فيها: جهود رابطة العالم الإسلامي وعملها في القارة الإفريقية لم يعد خافياً على ذي عينين؛ فقد عملت الرابطة في إفريقيا، كما عملت في غيرها، لترسيخ عدد من المبادئ والقيم، يلاحظها كل من تتبع عملها في العالم، ومنها: السعي إلى نشر الإسلام في صورته الحقيقية الناصعة النقية الصافية من الشوائب والإضافات، الإسلام البعيد عن العنف والغلو والأفكار الهدامة والمتطرفة، الإسلام الذي يقدم للبشرية بشائر الخير والرحمة والسلام والنماء والوئام، والسعي إلى توحيد الصفوف ونبذ الفرقة والتشتت بين أبناء الأمة الإسلامية، ومنابذة الطائفية البغيضة التي مزقت الأمة وأضعفتها، تلك الطائفية التي تستنكر أمجاد الرعيل الأول، وتبني خطتها على نبش مساوئ التاريخ إن وجدت، وإلا عمدت إلى اختلاقها ونشرها في أوساط العامة وأهل الغفلة والثقافة المتدنية. وأضاف: الرابطة وقفت سداً منيعاً لكل فكر يدعو إلى هدم الأخلاق، وتدمير المكتسبات، وعامل تنوير وتبصرة لأولئك الذين ظلموا بتقديم الإسلام لهم في صورة قائمة مرادفة للقتل والتدمير والفتك والتفجير، وتكثيف الجهود الرامية إلى التنمية البشرية، وتنمية ثروات البلاد الفطرية التي وهبها الله إياها، وضبط فتاوى الشأن العام وتوحيدها لا سيما في القضايا الحساسة التي تعم بها البلوى، من خلال المجمع الفقهي الذي وصلت ثماره إلى القاصي والداني. واستطرد بالقول: القارة الإفريقية بما وهبها الله من الخيرات والثروات الفطرية، والموارد البشرية الشابة، مستهدفة، والتنافس السلبي عليها أصبح مصحوباً بالطمع والاستلاب. ودعا إلى الاستثمار في قارة إفريقيا خصوصاً في مجال المشاريع الاستراتيجية وفي مجالات التعليم العالي والرعاية الصحية وفق خطة محكمة تتسم بالعمق ومراعاة الأولويات.
مشاركة :