«كتاب قواعد» اتفاق باريس لتغير المناخ

  • 1/15/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

د. محمد الصياد* سيتم تشجيع كل بلد على زيادة تعهداته في اتفاق باريس كل خمس سنوات: في 2020 و2025 وما بعدها. وبعد ثلاث سنوات من كل جولة من مراجعات التعهدات، ابتداء من عام 2023، ستكون هناك عملية «جرد عالمية». هنالك شبه إجماع على أن الخبر السار الوحيد تقريباً، الذي جاءت به القمة المناخية السنوية في كاتوفيتسه ببولندا، هو أن حكومات العالم اتفقت على «كتاب القواعد» باعتباره البروتوكول التنفيذي لاتفاق باريس لتغير المناخ لعام 2015، الهادف إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. أما الأخبار السيئة فتتراوح ما بين أن العالم، بعد هذا الاتفاق الهزيل، ليس أقرب إلى معالجة ظاهرة الاحترار العالمي أكثر من ذي قبل، وأن كتاب القواعد ليس له تأثير ملزم، واستمرار بخل وتردد الدول المتقدمة في الالتزام بتعهداتها بصورة صادقة في ما يخص التمويل، وكذلك الحال بالنسبة للتعويضات عن «الأضرار والخسائر» التي تخلفها الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية، حتى إن رمزية النجاح الذي تحقق (بإقرار كتاب القواعد)، بدا وكأنه يتماهى مع رمزية انعقاد المؤتمر في مدينة بولندية معروفة بمناجمها وإنتاجها الغزير للفحم. ولم يتردد رئيس البلاد في القيام بافتتاح منجم جديد للفحم قبل أيام من افتتاح المؤتمر؛ بل إنه قال بصراحة في كلمته الافتتاحية أمام الجلسة العامة للمؤتمر: «لا توجد لدينا اليوم خطة للتخلي الكامل عن الفحم». ويمكن القول إن ما جرى الاتفاق عليه بشأن «كتاب القواعد»، لا يعدو أن يكون اتفاقاً شكلياً وهشاً؛ حيث إن الكتاب لا يتضمن آلية محددة لتنفيذ أهداف خفض الدول لإنتاجها من غازات الاحتباس الحراري. فكما أن التعهدات طوعية، كذلك هو الحال بالنسبة للتنفيذ؛ حيث يسمح كتاب القواعد للحكومات باستخدام المنهجيات الخاصة بها لحساب ما تُحرزه من تقدم في خفض انبعاثاتها، وهي ثغرة كبيرة ستحتاج لإضاعة سنة أخرى من المفاوضات، كي يتسنى للأطراف وضع النقاط على الحروف بشأنها. وجاء في التقرير الخاص (ليس الدوري) الذي أصدرته الهيئة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC) في شهر أكتوبر الماضي، والذي تم التحفظ عليه، أن حرارة الأرض ارتفعت بمقدار 1 درجة، مما يعني أنه إذا ما استمر العالم في نمط حياته الإنتاجي والاستهلاكي الحالي، فسيتم الوصول إلى ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة بين عامي 2030 و 2052؛ أي في منتصف القرن وليس في نهايته، كما يذهب هدف المادة الثانية من اتفاق باريس. وبالتالي، فإن التغيرات المناخية الكارثية التي تتجاوز ما يشهده العالم حالياً، يمكن أن تبدأ بالظهور في أقل من 12 عاماً. ومن شأن هذا، أن يؤدي إلى فقدان الموارد الساحلية ويقلل من إنتاجية مصائد الأسماك وتربية الأحياء المائية. وستكون هذه الخسائر أكثر حدة إذا ما ارتفعت درجة الحرارة بمقدار درجتين. ودائماً بحسب التقرير المذكور، فإنه حتى لو وفت الدول بكل التعهدات التي قدمتها في قمة باريس، فإن الزيادة في درجات الحرارة العالمية، ستكون حوالي 2.7 درجة، طبقاً لتقويم مؤسسة «تتبع الإجراءات المناخية»، وهي مؤسسة مستقلة تتخذ من برلين مقراً لها، وتقوم بأعمال التتبع والقياس والتحليل للإجراءات الحكومية المتعلقة بالمناخ، في مقابل الهدف المتفق عليه عالمياً، والمتمثل في الاحتفاظ بالاحترار العالمي عند أقل من درجتين مئويتين، ومتابعة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية. وهي تضم ثلاث منظمات بحثية هي: كلايميت أناليتيكس، وإيكوفايس، ونيوكلايميت إنستيتيوت. وفي النص النهائي المتفق عليه في كاتوفيتسه، لم يُطلب من البلدان الأطراف على وجه التحديد زيادة طموحاتها، وزيادة «غلة» ما تعهدت بخفضه من انبعاثات، ولكن تمت دعوتها ببساطة إلى النظر في تعزيز تعهداتها بحلول عام 2020؛ السنة التي سيبدأ فيها سريان مفعول اتفاق باريس، ويُتوقع منها والحال هذه إعادة إرسال أو تحديث هذه التعهدات. فهي مطالبة بالإبلاغ عن انبعاثاتها، فحسب، والعمل على خفضها كل عامين ابتداء من عام 2024. وسيتم تشجيع كل بلد على زيادة تعهداته في اتفاق باريس كل خمس سنوات: في 2020 و2025 وما بعدها. وبعد ثلاث سنوات من كل جولة من مراجعات التعهدات، ابتداء من عام 2023، ستكون هناك عملية «جرد عالمية»، ستتم فيها مقارنة التقدم المحرز مقابل بيانات أحدث ما توصل إليه علم المناخ من نتائج وتقييمات لمخاطره، في مقابل هدف اتفاق باريس الموصوف في المادة الثانية، على أن يتم ذلك وفقاً لمبدأ المسؤولية المشتركة، ولكنْ المتباينة، ووفقاً لقدرات كل دولة، المنصوص عليها في الاتفاقية الأم: اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC)، واتفاق باريس المتفرع عنها. مؤتمر الأطراف القادم في تشيلي، يرجح أن يكون نسخة مكررة من مؤتمر الأطراف الثاني والعشرين الذي عقد في مراكش نهاية عام 2016، ومؤتمر الأطراف الثالث والعشرين الذي عقد في بون في عام 2017، كمحطة انتقالية (استراحة محاربين) للكتل التفاوضية الرئيسية، ومحاولة جس نبض بعضها بعضاً، تحضيراً لمؤتمر الأطراف السادس والعشرين الذي سيعقد أواخر عام 2020، إما في لندن أو روما (حيث أعربت كل من بريطانيا وإيطاليا عن رغبتهما في استضافة هذا المؤتمر)، باعتباره مؤتمراً حاسماً لجهة تحويل «طموحات التخفيف» إلى التزامات كمية مضاعفة. وبالفعل فقد أعلنت وزيرة المناخ في المملكة المتحدة، كلير بيري، رسمياً طلب المملكة المتحدة قائلة: «أرغب بشدة في أن تكون المملكة المتحدة المكان الذي نجتمع فيه في عام 2020، وسنرى ما إذا كان بإمكاننا تجميع تلك المساهمات (المحددة وطنياً) وكتاب القواعد التنظيمية معاً». * كاتب أكاديمي بحريني

مشاركة :