أكّد سعادة نزار الحراكي، سفير الجمهورية السورية لدى الدوحة، في حوار لـ «العرب» أن دولة قطر هي آخر دولة يمكن أن تغيّر موقفها من الثورة السورية، ولم تغيّر حينما غيّر الآخرون، على رغم الضغوطات الدولية التي يمكن أن تمارس عليها، تماماً كما رفضت ضغوطاً لإغلاق السفارة السورية بالدوحة، مبدياً في الوقت ذاته أمله بأن «لا تعيد قطر علاقاتها مع الشيطان بشار الأسد، ولو حصل هناك علاقات، فنأمل أن تكون علاقات بالحد الأدنى». وقال سعادة السفير الحراكي إن قطر لا تزال الدولة العربية الوحيدة التي تطالب علانية بمحاكمة الأسد على جرائمه، لأن مواقفها المشرفة انطلقت من مبادئ وليس من مصالح، معتبراً أن «هرولة» دول عربية وخليجية للتطبيع مع «نظام الأسد المجرم» تتم بطلب إسرائيلي، كجزء من صفقة القرن، وأن المطالبة بعودة دمشق إلى الجامعة العربية بحجة لم الشمل «حق أريد به باطل».. وتفاصيل أخرى، تطالعونها في نص الحوار التالي:قبيل شهرين تقريباً من الذكرى الثامنة لانطلاق الثورة السورية، كيف ترى مستقبل الأزمة؟ ¶ نحن نؤمن بأن الثورة مستمرة، والائتلاف السوري لا يزال الممثل الشرعي للشعب السوري، ويتحمل المسؤولية التاريخية لإدارة الملف والصراع مع الجهات المعنية بالملف السوري. وهذا كلام كل الأحرار الذين لا يريدون العودة إلى العبودية التي كانت سائدة قبل عام 2011. صحيح أن الثورة خسرت عسكرياً، لكن على المستوى السياسي والدبلوماسي، وعلى المستوى الثوري -وهذا الأهم- لا يزال الحس الثوري في قلوب جميع السوريين. وهناك خوف ورعب فعلاً من ممارسات هذا النظام المجرم، ولدينا أدلة عما يقترفه من أعمال وحشية، حتى بعد استيلائه على الكثير من المناطق، ولذلك نحن نقول إن ثورتنا مستمرة حتى زوال الظلم. هل خسرتم عسكرياً أنتم كمعارضة، ما مردها في رأيكم؟ ¶ نحن خسرنا عسكرياً، لكن على الأقل لم نهزم سياسياً. والثورة مستمرة. وسبب ذلك تكالب قوى الشر، وعلى رأسها روسيا وإيران. حيث استطاعت روسيا تغيير موازين القوى العسكرية لصالح النظام. بعد أن هزمنا النظام والميليشيات الإيرانية المساندة له في الكثير من المناطق السورية، حيث وصلت نسبة تحرير الأراضي إلى 70%، حتى جاء التدخل الروسي من خلال الطيران الذي غيّر المعادلة لصالح النظام. ورغم سيطرة النظام على الكثير من المناطق فإنه لوحظ عودة «الرجل البخاخ» يكتب من جديد على جدران الدوائر الحكومية (إسقاط بشار الأسد)، مؤكداً استمرار نهج المقاومة. وسمعنا عن مقاومة شعبية في حوران، وفي غيرها من المناطق، تعمل بشكل سرّي، وعن أكثر من 66 عملية مقاومة ناجحة على الأرض. هل تعتقدون أن شرط رحيل بشار الأسد لا يزال قائماً؟ ¶ بالنسبة لنا، رحيل الأسد شرط رئيسي، ولا يمكن القبول دون ذلك. وأنا شخصياً التقيت العديد من السفراء العرب والأجانب في الدوحة، وأكدت لهم ما جرى في لقاءات مع كوادر في الشمال السوري، وشخصيات فاعلة في الملف السوري، والذين أكدوا على استمرار النهج السلمي للثورة مع توقف الحرب، وإننا مستمرون في مطالبنا المحقة والمطالبة بالحرية، والعدالة، والديمقراطية، وضرورة تقديم بشار الأسد العدالة الدولية كمجرم حرب، قتل ما لا يقل عن 800 ألف سوري، ودمر 60 % من البنية التحتية للدولة، وهجّر نصف السكان خارج سوريا. ونذكّر العالم بأننا عندما بدأنا لثورة لم نستشر الولايات المتحدة ولا وروسيا، ولا أحد. ما تعليقكم على توجه دول عربية لإعادة فتح سفاراتها في دمشق، وترحيبها بعودتها إلى الجامعة العربية، بحجة لم الشمل العربي لمواجهة التحديات الراهنة؟ ¶ هذا كلام حق أريد به باطل! ويؤلمنا سماع مثل هذا الكلام، فهذه محاولة للضحك على الرأي العام العربي. تلك الدول التي تهرول اليوم للتطبيع هي التي كانت تطالب برحيل نظام الأسد، ووصفته بالمجرم قبل أشهر. نقولها بكل ألم، إن تلك الدول للأسف لم تقطع علاقاتها تماماً بنظام الأسد أصلاً، بل كانت تتعامل معه من تحت الطاولة، واليوم تعيد علاقاتها بطريقة مهينة وبدون أي ثمن وبالالتفاف على القرار العربي، وبحجج واهية، تماماً مثلما تقاطع بعض الدول العربية اليوم دولة قطر بحجة علاقاتها مع إيران، وتتجاهل أن نظام الأسد هو الابن المدلل لإيران، بل وباتت سوريا إحدى محافظات إيران! في ظل تواجدها والميليشيات التابعة لها. إن هرولة تلك الدول العربية للتطبيع مع نظام بشار المجرم تتم في الواقع بطلب إسرائيلي، ومحاولة لمد الجسور مع العدو الإسرائيلي، كجزء من صفقة القرن، في ظل إعلان نظام الأسد استعداده التخلي عن الجولان، والتطبيع مع تل أبيب، ومن تلك اللحظة، تغيرت المواقف الدولية من نظام الأسد تدريجياً. وفي اعتقادي أن مواقف بعض الدول الخليجية انصبت على محاولة تهيئة المنطقة للتطبيع مع إسرائيل. ولا نريد للسعودية أن تكون جزءاً من هذا المخطط. والأكيد أن البحرين لم تكن لتتحرك دون إذن من المملكة العربية السعودية. وزيارة الرئيس السوداني إلى سوريا، هي موقف مرتبط بالوديعة الروسية لدعم السودان، الذي يواجه أزمة اقتصادية حادة جداً، وزيارة البشير كانت رسالة لمن بعده، حيث تبعت زيارته فتح سفارة الإمارات بدمشق. والآن نسمع بزيارة مقبلة للرئيس الموريتاني، وكل هذه الخطوات محاولة لتهيئة الأجواء للدفع نحو عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية. بالإضافة للدور الذي تلعبه مصر بالتأثير على بعض الدول أيضاً. هل تتوقع عودة سوريا للجامعة العربية في قمة تونس؟ ¶ أعتقد أن العودة تحتاج لقرار على مستوى الزعماء العرب، لأنه هناك قرار سابق يحتاج لإلغاء واستصدار قرار جديد فيه إجماع عربي، وما زلنا نذكر الدور القطري المشرف في قمة الدوحة. وللأسف اليوم يتم الحديث مجدداً عن عودة للنظام، والتنكر لقرار الجامعة العربية. هناك خلافات حول عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، والدور الأميركي حاضر في هذا الموضوع. والأيام المقبلة ستكشف ما يدور في كواليس الجامعة العربية التي تسيرها اليوم مصر والإمارات العربية المتحدة. ولا يمكن أن نتوقع شيئاً من أبو الغيط الذي كان من أكثر المسؤولين العرب زيارة لإسرائيل، وأشد أعداء الثورات العربية. ما تقييمكم لرفض قطر التطبيع مع نظام الأسد، كما جاء على لسان سعادة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية؟ ¶ قطر جريئة في مواقفها، وسباقة لدعم الثورة السورية. وقطر هي التي سمحت لحكومة الائتلاف بالجلوس على مقعد سوريا في قمة الجامعة العربية بالدوحة. والفضل لدولة قطر التي كانت سباقة لافتتاح سفارة وحيدة في العالم للائتلاف السوري. كما أن قطر هي الدولة العربية الوحيدة التي لا تزال تطالب علانية بمحاكمة الأسد على جرائمه.. وكل هذه المواقف القطرية المشرفة، مردها أنها انطلقت من مبادئ وليس من مصالح، على الرغم من العلاقات القوية التي كانت تربط القيادة القطرية بنظام الأسد، قبل بدء الثورة الشعبية. هل تعتقدون أنه يمكن لدولة قطر أن تغيّر موقفها؟ ¶ قطر هي آخر دولة يمكن أن تغير موقفها من الثورة السورية (لا سمح الله)، على رغم الضغوطات الدولية التي يمكن أن تمارس عليها. وأتمنى أن لا تعيد قطر علاقاتها مع الشيطان بشار الأسد، ولو حصل هناك علاقات، فنأمل أن تكون علاقات بالحد الأدنى. لقد واجهت قطر العديد من الضغوط سابقاً لإغلاق السفارة السورية بالدوحة، لكنها رفضت، ولا يزال هذا الموقف المشرف والسيادي يسجل لصالح دولة قطر التي لم تتغير حينما تغيّر الآخرون.;
مشاركة :