يبدو أن استضافة مباريات الكرة داخل ملعب «وايت هارت لين» ليست مشكلة حديثة بالنسبة لتوتنهام هوتسبر، وتأجيل افتتاح الاستاد الجديد مرة جديدة ما هو إلا تكرار لأحداث سبق أن حدثت قبل 30 عاماً. وكان من المقرر افتتاح الاستاد الجديد الذي بني في مكان ملعب توتنهام القديم «وايت هارت لين» ويسع لنحو 62 ألف متفرج في سبتمبر (أيلول) الماضي، لكن سلسلة من التأجيلات أخرت موعد الافتتاح عدة مرات. في أغسطس (آب) 1988، أخفق النادي في إنجاز مباراة على أرضه خلال اليوم الافتتاحي للموسم. وكانت تلك بداية فوضوية للموسم الأول الكامل للمدرب تيري فينابلز مع النادي. في ذلك الصيف، كانت جنبات نادي توتنهام تفور بمشاعر إثارة كبرى مع الإعلان عن صفقات ضخمة تمثلت في ضم بول غاسكوين وبول ستيوارت. وساد شعور بالتفاؤل حول أن فينابلز في بداية بناء فريق قادر على المنافسة على البطولات. إلا أن الأمور نادراً ما تسير بسلاسة داخل توتنهام هوتسبر. داخل أرض الملعب، سرعان ما بدا واضحاً أن إغداق الأموال على الصفقات الجديدة لن يوفر حلاً فورياً لمشكلات الفريق. وسقط توتنهام هوتسبر بأربعة أهداف دون مقابل أمام جاره وغريمه آرسنال خلال بطولة ماكيتا التي جرت قبل انطلاق الموسم على أرض استاد ويمبلي، الأمر الذي جاء بمثابة جرس إنذار. ومع أن النتائج خلال المباريات الودية لا تشكل مؤشراً موثوقاً به في تقييم إمكانات فريق ما، فإن توتنهام هوتسبر بدا هشاً مع انطلاق الموسم. وانعكست مشاعر الريبة المحيطة بالفريق الذي تولى فينابلز قيادته على أحداث وقعت خارج الملعب. كانت جهود إصلاح الأرضية في «وايت هارت لين» قد بدأت في يونيو (حزيران)، بينما أبدى رئيس النادي إيرفينغ سكولار ثقته في أن هذا العمل سيجري إنجازه قبل بدء الموسم الموافق 27 أغسطس. ومع مرور الأسابيع واستمرار العمل، تحول الأمر إلى سباق مع الزمن للانتهاء من تجهيز الاستاد قبل مباراة النادي الافتتاحية أمام كوفنتري. وفي ظل توقعات بمشاركة غاسكوين في المباراة، كان من المتوقع تدفق الجماهير بأعداد غفيرة على الاستاد، ما زاد من إلحاحية الحاجة لإنجاز العمل في الاستاد. في تمام الثامنة ونصف مساءً، من ليلة الجمعة، قبل المباراة الأولى، زار سكولار ملعب «وايت هارت لين»، ومن الواضح أنه تلقى تأكيدات بأن أرض الملعب ستكون جاهزة اليوم التالي. إلا أنه ببزوغ صباح اليوم التالي، بدا واضحاً أن الأمور بعيدة تماماً عن الوضع المأمول. ومع استمرار وجود ركام في أرض الاستاد بحاجة للتخلص منه، رفض مسؤولو الشرطة والسلطة المحلية إصدار شهادة سلامة للنادي. في تمام التاسعة صباحاً، قبيل 6 ساعات فقط من انطلاق المباراة الافتتاحية، لم يجد توتنهام هوتسبر حلاً سوى إرجاء المباراة. ومع أن القرار أعلن قبل أنه يبدأ فريق كوفنتري والعاملون معه رحلتهم إلى لندن، فإن رئيس النادي، جون بوينتون، أبدى ضيقه من الموقف، وتساءل: «كيف يمكن لناد أن يستغرق فترة ما بين الموسمين بأكملها وحتى التاسعة من صباح يوم المباراة قبل أن يخطرنا بأنه ليس هناك شهادة سلامة... هذا أمر يتعذر تصديقه. لقد خيبوا أمل جماهيرهم وخيبوا أملنا نحن أيضاً. لقد كان توتنهام هوتسبر واحداً مما يطلق عليها الأندية الخمسة الكبرى، لكن يبدو أنهم عاجزون عن ترتيب أوضاعهم». من جهته، وجه المتحدث الرسمي باسم بطولة الدوري، آندي سميث، انتقادات للنادي لا تقل حدة، وقال: «هذا الأمر لا يخدم مصداقية كرة القدم. لقد أعطونا انطباعاً واضحاً بأن العمل سيجري تنفيذه خلال الليل، بحيث يمكن عقد المباراة. بالتأكيد هذه ليست الطريقة الصائبة لبدء موسم». وسرعان ما تحول الاهتمام نحو العقوبات المحتملة التي ربما يواجهها توتنهام هوتسبر. وجرت الإشارة بانتظام إلى القاعدة التنظيمية رقم 24 لبطولة الدوري والتي تنص على أن: «أي نادٍ يخفق في إنجاز التزاماته المتعلقة بالمباريات دون سبب وجيه سيصبح عرضة لخصم نقطتين من رصيده». أيضاً، ذكرت القواعد إمكانية تغريم النادي كعقاب محتمل. في كل الأحوال، كان من المتوقع أن تنزل لجنة من المقرر أن تجتمع في 17 أكتوبر (تشرين الأول) عقاباً قاسياً بالنادي. واستقر مصير توتنهام هوتسبر في يد مسؤول بطولة الدوري، فيل كارتر، ولجنته التي تضم العضوين رئيس نادي أولدهام إيان سكوت ورئيس بلاكبيرن بيل فوكس. جدير بالذكر أنه في الموسم السابق لذلك تعرض نادي ترانمير لخصم نقطتين من رصيده لفشله في استضافة مباراة الموسم الخاصة به، وكانت أمام بولتون، بسبب خلاف حول عدد أفراد قوة الشرطة. وفي وقت كان هذا العقاب لا يزال حياً في الأذهان، لم تشكل النتيجة التي خلصت إليها اللجنة مفاجأة تذكر. ورغم الطعون التي تقدم بها مسؤولون من توتنهام هوتسبر، عوقب النادي بخصم نقطتين من رصيده. وأعلن كارتر أنه: «تبعاً للقاعدة رقم 24، ليس أمامنا خيار سوى خصم نقطتين». وأضاف بوينتون: «لا أحمل ضغينة ضد توتنهام، لكن القواعد هي القواعد وقد خرقوها». وعلى الفور، أعلن سكولار أن توتنهام سيتقدم بالتماس ضد العقوبة. وللوهلة الأولى، بدا عند النظر إلى جدول ترتيب أندية الدوري الممتاز أن باستطاعتهم استعادة النقطتين. إلا أنه على أرض الواقع فاز توتنهام هوتسبر بمباراة واحدة في الدوري الممتاز وسقط إلى منطقة الهبوط بعد جلسة الاستماع. وبعد خصم النقطتين، خسر الفريق المباريات الأربع التالية. الغريب أن مدافع توتنهام هوتسبر تيري فينويك أبدى قلقه من أن يحول هذا العقاب بين توتنهام واللقب. وقال: «سيكون من العار أن نخسر البطولة نهاية الموسم بسبب فارق نقطتين». يمكنكم وضع مثل هذا التصريح في خانة التفاؤل الأعمى! وأعرب فينابلز هو الآخر، الذي أصبح في تلك اللحظة تحت وطأة ضغوط أكبر، عن غضبه، وقال: «ليس هناك دولة أخرى بالعالم كانت لتصدر مثل هذا القرار. إنه عار. ما علاقة إخفاق مسؤولينا في تجهيز المدرجات لاستقبال الجماهير في مباراتنا أمام كوفنتري، بالفريق نفسه؟ هذا ظلم بين أن يتعرض اللاعبون للعقاب عن شيء خارج سيطرتهم تماماً». وتحدد موعد النظر في الاستئناف الذي تقدم به النادي في 30 نوفمبر (تشرين الثاني). وبعد اجتماع استمر 4 ساعات، وافقت لجنة الدوري على تعديل العقوبة، وذلك باستعادة توتنهام نقطتيه، وتغريمه بدلاً من ذلك 150 ألف جنيه إسترليني. وقال متحدث رسمي باسم الدوري: «شعرنا ببعض الشكوك حول منطقية العقاب الأول». وأقر سكولار بنبرة تشي بالارتياح بأن: «بهذا السعر، سنود لو أننا نشتري نقطتين كل أسبوع. لقد راودنا شعور قوي منذ البداية بأن العقوبة الأصلية خاطئة. وقد كلفنا الأمر غرامة كبيرة تبلغ 150 ألف جنيه إسترليني، لكن لا شيء يكافئ تبرئة اسم النادي». أما فينابلز، فلم يستطع إخفاء فرحته بهذا التحول في مسار الأحداث، وقال: «لقد استعدنا ما كنا نملكه عن حق في المقام الأول. لقد كنا بحاجة لاستراحة كتلك وربما سيشكل ذلك نقطة تحول في مسار موسمنا. وربما تكون تلك الدفعة التي نحتاج إليها». وبالفعل، تمكن توتنهام هوتسبر من تحويل دفة مسار أدائه. ومع أنهم لم ينافسوا على البطولة مثلما توقع فينويك، فإنهم أنجزوا الموسم في المركز السادس. واللافت أنهم أنجزوا الموسم بفارق نقطتين تقدموا بهما على الفريق الآخر الطرف في مشكلة إرجاء مباراة الافتتاح. في النهاية، لم يصب توتنهام هوتسبر سوءاً فيما عدا غرامة الـ150 ألف جنيه إسترليني الخفيفة. على الأقل، بمقدور النادي الاستفادة من هذا الموقف كدرس قيم والحرص على عدم تكراره مستقبلاً.
مشاركة :