«الوعي الجمعي» تجاوز الكثير من المثقفين

  • 2/10/2015
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في هذه المرحلة المثخنة بالأحداث السياسية والمتغيرات السريعة تبدو الرؤية مليئة بالغموض، ترى أين يقف المثقف في ظل هذه المتغيرات؟ كيف يقرأ المشهد السياسي المثقل بالأحداث؟ وأين يقف من هذه الأحداث المتتالية؟ وهل فشل النخبة في فهم المتغيرات السياسية وقراءة الأحداث؟ وما دور المثقف الحقيقي تجاه ما يدور من متغيرات إقليمية ودولية متناهية في الغموض ومتسارعة في الاحداث؟.. «عكاظ» طرحت هذه الاستفهامات أمام عدد من المثقفين: الروائي والكاتب محمد المزيني يقول: قديما كان السؤال؛ هل تستطيع الثقافة أن تسهم بدور فاعل في حل أزمات الإنسان؟ وأنتم تعيدون السؤال بصياغة أخرى عن دور المثقف والنخب تجاه ما يدور من احداث وصراعات.. السؤالان مجموعان في سؤال واحد هو: هل استطاعت الثقافة العربية منذ بزوغ عصر النهضة الحديثة وحتى اليوم صناعة وعي مختلف يجنبنا ويلات الصراعات؟ ألم يسهم المثقف بطريقة ما بخلق حالة من التوتر داخل قوالب ساكنة عندما بدأ يوصف واقع الأمة؟ لم يستطع المثقف حتى في انفجار ما يسمى بـ«الربيع العربي» الإسهام بشكل جيد في بناء حضارة أمته، لقد قبع في برجه العاجي كأنه يهطل على العقول من فكره بالمن والسلوى، وهذه النتيجة، أين ذهبوا أمام قوى الظلام؟ أو لنقل ما حدث بالضبط أنه أسقط بأيديهم وألقوا أسلحتهم وتخلوا عنها لهواة يفلسفون الواقع بلا عقل فلسفي ماكن، ويتصدرون المشهد الحدثي بلا أدوات معرفية جيدة، ويكتبون على هوى الحدث اليومي كلاما إنشائيا لا يبلغ حد المصداقية، وإلا هاتوا لنا من يكشف حقيقة داعش، وعلاقاتها الخفية، وما يتوارى خلف الحرب الأمريكية عليها. ويتساءل المزيني أخيرا: أين مفكرو الحداثة ومنظرو ما بعد الحداثة؟ لقد فضحتهم هذه الأحداث الأخيرة التي حتما ستخرج لنا مستقبلا من عباءتها مفكرين حقيقين، ولكن ليس قبل أن تصقلهم. أما الدكتور يحيى بن محمد العطوي، فيقول: المثقف يظل من النخب التي ينتظر منها تقديم رؤية واقعية للمشهد السياسي، وقراءة تحليلية لأبعاده المختلفة، ولذلك فالمسؤولية تكون بحجم هذا المثقف وإدراكه للواقع المحيط بنا من كافة الاتجاهات بعيدا عن الأهواء الشخصية، فالتحديات التي تمر بها المجتمعات العربية تتطلب ضخ رؤية وأفكار تسهم في فهم عميق للمتغيرات والأحداث الداخلية والخارجية تعمل على توحيد الصف، لأن المثقف دوماً كان الجدار الذي تتكسر عليه كل المزايدات والشائعات التي يتعرض لها الوطن من أعدائه مهما كانت قوة وشراسة هجماتهم، ولذلك لابد من فهم عميق لكل المتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الإقليمية والعالمية، حتى يكون طرح المثقف يصاحبه منهج علمي في التحليل والدراسة، مضيفا: أعتقد أن حجم المسؤولية الاجتماعية الملقاة على عاتق المثقفين لا بد أن تزيد من إصرارهم على فهم عميق لكافة ما يحيط بالمجتمع من تقلبات وبالذات الطارئة منها، كما هو حادث الآن من تنامي ظاهرة الإرهاب والعنف. من جانبه، يقول الدكتور يحيى بن مفرح الزهراني (عضو هيئة التدريس بجامعة نايف): عالم اليوم هو اشد تغيراً من أي وقت مضى، وسمة هذا التغير المتسارع واللامتوقع تجعل مسألة اللا يقين عالية في عدم توقع الأحداث المستقبلية، ولذلك يسعى الكثير من المثقفين لتبرير الأحداث الماضية، أو التنويه أنهم قد حذروا منها أو حللوها بشكل غير مباشر بعد وقوعها. وأضاف: توقع (غير المتوقع) هو المطلوب، بل إن معرفة الأحداث ذات الاحتمالية الضئيلة والتأثير العالي على المجتمع هي ما يجب أن يشغل المثقف بصفته ضمير المجتمع الناطق. وأوضح أن «القول بسطحية المثقف لا يقصد به تماماً كمية المعلومات، فالمسألة التقنية الآن الغت المحدودية المعلوماتية لأي فرد، فدور المثقف الآن في تلاش لكنه لن يكون دوراً منعدماً، لأن الوعي الجمعي، قد تجاوز الكثير من المثقفين، لكن دور المثقف سيظل بازغاً دائماً برسالته في التذكير (القيمي) للمجتمع، والتوعية، واستشراف المستقبل». ويقول ماجد بن ناشي العنزي (رئيس جمعية الثقافة والفنون بتبوك): العلاقة بين المثقف والسياسة هي علاقة أزلية وقديمة (متأثر ومؤثر)، ولعل المثقف العربي تحديدا يفتقر إلى الوعي السياسي الحقيقي مما جعله يبتعد كثيرا عن المشاركة في الهم السياسي لأسباب كثيرة يأتي في مقدمتها حرمانه من المشاركة السياسية طوال عقود من الزمن، مما ساهم في تجفيف منابع الوعي السياسي من العمل الإبداعي والثقافي لديه، إضافة إلى إيمان المثقف العربي بأنه لا جدوى من التعمق في الشأن السياسي لشعوره بأنه سوف يستخدم شخصيا ويوظف كبوق لخدمة قضية معينة مما يجعله ينحاز الى طرف دون آخر، إلا أن بعض المثقفين في الآونة الأخيرة استجابوا لإغراءات السياسة خصوصا بعد طفرة وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، فأصبح التعبير السياسي في زمن «تويتر» و«فيسبوك» سهلا وميسرا، وبدأ بعض المثقفين يستعجل التعليق على الأحداث السياسية، ويدلون بدلوهم الذي تنقصه الدقة والمعلومة الصادقة، فيسيرون وفق معطيات ناقصة، وبالتالي لم يستطع المثقف العربي قراءة الأحداث السياسية بشكل واقعي وحقيقي، ولم ينجح في تحويلها إلى تجارب إبداعية، بل سقط المثقف في المباشرة أو الأدلجة السياسية المناهضة لكل عمل إبداعي جميل. من جانبها، تقول الدكتورة عائشة بنت يحيى الحكمي (عضو نادي تبوك الأدبي): دور المثقف في حياة أية أمة يقود التغيير وتهيئة المجتمعات للتطورات الحديثة، وقد ينجح في تسويق الأفكار البناءة وطرح ايجابياتها، كما يحمل هم الإصلاح الذي يتبع معه منهج النقد وتوضيح المعوقات، والمثقف الحقيقي يتفاعل مع حالات التسارع والغموض ببسط الأحداث وتوضيح مساراتها دون تهويل وتضخيم، وخطابه مفتوح لكل القراء، كل يفهمه حب طريقته، لذلك يتحتم عليه أن يحسب حساباته وهو يصيغ خطاباته حيال الأحداث. وأضافت: تهمة المثقف بالتناول السطحي للمتغيرات في غير محلها، فللمثقف أدواته لكي يبقى مؤثرا، فهو يرفع معنويات المجتمع ويبث فيهم روح الأمل والثقة في النفوس واستقبال أجيال قادمة في بيئات متفائلة، فالحياة إلى الأمام والأمة العربية نكباتها لا تنقطع عبر العصور تعايش معها المواطن بمن فيهم المثقف يضمد جراحه ثم يبدأ من جديد.

مشاركة :