على الرغم من أن مباراة المنتخبين السعودي والقطري لن تؤثر كثيراً على الفريقين الذين تأهلا بالفعل للدور التالي في بطولة كأس آسيا لكرة القدم، لكن المباراة هي الأولى منذ 4 سنوات ومنذ اندلاع الأزمة السياسية بين البلدين. يبدو أن المنافسة بين المنتخبين القطري والسعودي في إطار منافسات كأس آسيا لكرة القدم لا تنحصر فقط داخل المستطيل الأخضر، فاللقاء يحمل في طياته أبعاداً أخرى بالنظر إلى الأزمة بين قطر ودول الخليج. وهذه هي المرة الأولى التي يتواجه فيها الفريقان منذ أربع سنوات. والتقى المنتخبان قبلها 38 مرة منذ أول مباراة بينهما في عام 1970 في البحرين، كانت الغلبة فيها في 17 مرة للسعودية. لكن اللقاء هذه المرة يأتي على خلفية أزمة سياسية عميقة بين البلدين. هل تكسر الرياضة حدة الأزمة السياسية؟ على مر التاريخ التقت منتخبات ولاعبين لدول مع نظرائهم في دول أخرى، وكان بين الطرفين سياسياً ما صنع الحداد، لكن على أرض الملعب كانت تختفي كل تلك الحساسيات ويخضع الجميع لقواعد اللعب النظيف والقوانين الرياضية. بل إن أمريكا وإيران وهما من بينهما كم هائل من الأزمات السياسية أزاحا الخلافات خارج المستطيل الأخضر حينما تواجها في عام 1998 بفرنسا، بحسب ما يذكر يونس الخراشي المحلل الرياضي المغربي، والذي قال خلال مقابلة له مع DW عربية إن لاعبي الفريقين تعانقوا قبل اللقاء وتبادلوا الورود وانتهى اللقاء دون أي مشكلات، مؤكداً أن الرياضة لها دائما فعل السحر. ويأمل إيلي نصار رئيس القسم الرياضي في صحيفة البلد اللبنانية أن يصل مفهوم المشاركة في المنافسات الرياضة كما ينبغي لكافة الدول العربية بشكله الإيجابي، ضارباً المثل على ذلك بمنتخب كوريا الموحد الذي يشارك في منافسات كأس العالم لكرة اليد. "فالأكيد أن الرياضة تساهم في كسر الحواجز بين البلاد والأكيد أيضاً أن اللاعبين سيتصافحون في بداية المباراة ونهايتها، لكن المشكلة أننا على الصعيد العربي لازلنا متعلقين بالأشخاص والأنظمة ولا نبدي اهتماماً كبيراً بالقانون الدولي أو الإنساني"، يقول نصار. ويتمنى المعلق الرياضي أن "يظهر الشباب العربي أمام العالم بشكل راق ومتحضر وأن أفضل مجال للتعبير عن ذلك هو ساحات المنافسة الرياضة الشريفة". لكن على شبكات التواصل لا يبدو أن الكثيرين لديهم القدر نفسه من التفاؤل حيال اللقاء المرتقب: المنع من دخول الإمارات.. استفزاز أم قرار تنظيمي؟ قبل انطلاق البطولة التي تستضيفها الإمارات بعدة أيام منعت أبو ظبي سعود المهندي، نائب رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم ورئيس الاتحاد القطري من دخول البلاد على خلفية الأزمة السياسية بين البلدين، بحسب ما أفاد الاتحاد الآسيوي لكرة القدم والذي يترأسه "البحريني" سلمان بن ابراهيم آل خليفة. وأكد الاتحاد أنه يحقق في المسألة، لتقوم بعدها الإمارات بالسماح للمسؤول القطري بدخول البلاد. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل منعت السلطات الإماراتية دخول أي صحفي يعمل لصالح المؤسسات الإعلامية القطرية من العرب، وطال المنع 5 صحفيين لديهم بطاقات اعتماد رسمية بحجة أن تأشيراتهم سياحية وليست تأشيرات عمل من اللجنة المنظمة للبطولة وهم ثلاثة مصريين وسوداني وأردني. لكن حجم المشكلة يتضح عندما نعرف أن هناك صحفيين من الهند حصلا على تأشيرات سياحية من المكتب نفسه الذي حصل منه الصحفيون العاملون في المؤسسات الإعلامية القطرية على التأشيرة وتمكنوا من دخول الإمارات بالفعل فيما لم يتمكن نظراؤهم في الإعلام القطري من ذلك. ولا يتواجد فعليا في الإمارات إلا بعض الفنيين التابعين لمؤسسة "بي ان سبورت" وهم من الجنسيات الأوروبية. أيضاً، تشكو قطر من عدم وجود أي ذكر لها ولمنتخبها في البطولة في التغطيات الصحفية الإماراتية وكأن لا الدولة ولا فريقها متواجدان في البطولة من الأصل، إضافة إلى عدم وجود أي حضور قطري لدعم وتشجيع المنتخب في المدرجات حيث أصبح لزاماً على أي قطري يرغب في دخول الإمارات الحصول على تأشيرة رسمية وذلك منذ اندلاع الأزمة في يونيو 2017 فامتنع القطريون عن السفر للإمارات. واقع عربي أليم جانب من مباراة مصرو الجزائر والتي شهدت أحداثاً مؤسفة سببت شرخاً عميقاً في العلاقات السياسية بين البلدين ويرى إيلي نصار أن منع صحفيين يعملون في مؤسسات إعلامية قطرية من تغطية فعاليات البطولة لا يجب أن يمر مرور الكرام، معتبراً ذلك دليل ضعف شديد لدى الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، مشيراً إلى أن "سلمان بن إبراهيم رئيس الاتحاد ما كان يجب أن يسمح بحدوث ذلك، كما أن اللوم يطال الأعضاء الآخرين في الاتحاد الذين كان عليهم تحمل مسئولياتهم في مسألة منع الصحافة والإعلام القطري من الحضور وتغطية هذا الحدث الهام". وأكد نصار صراحة على أن "الاتحادات الرياضية الموجود بها بعض الشخصيات الملتصقة بالأنظمة الحاكمة تؤي إلى حدوث مثل هذه الأمور"، وأن "العالم العربي يمر بواقع أليم في المجال الرياضي، وأن الأمر لو كان معكوساً وكانت قطر هي من منع الصحفيين السعوديين أو الإماراتيين من التغطية لكانت الدنيا قد قامت ولم تقعد، مشيراً إلى اعتقاده بأن قطر إن فكرت في رفع شكوى إلى الفيفا فربما توقع عقوبات قاسية على الدولة المنظمة للبطولة (الإمارات). فيما يرى يونس الخراشي المحلل الرياضي المغربي أنه "من حسن الحظ أن مباراة السعودية وقطر هي تحصيل حاصل، فكلاهما صعد للدور التالي من البطولة، ومع ذلك تبقى المباراة هامة وتشد الأنظار وتحبس الأنفاس لأنه عادة كلما التقى منتخبان عربيان تحدث أزمة وهو عكس المأمول من الرياضة التي يفترض أنها تقرب بين الشعوب وتقلل من الخلافات". وفي هذا السياق يذكر الخراشي الأزمة السياسية التي وقعت بين مصر والجزائر على خلفية إحدى مباريات كرة القدم ليصل الأمر إلى شقاق سياسي حاد للغاية بين بلدين شقيقين "وهو أمر معيب ومشين في حق العرب فنحن أخوة نعيش في منطقة واحدة". ويعرب الخراشي عن أسفه أنه "بدلاً من أن تقوي المنافسات الرياضية العلاقات بين الشعوب العربية نراها تعمق الخلافات وتزيد الفرقة"، متمنياً ألا ينتج عن مباراة قطر والسعودية أمر مماثل "فالرياضة لا يفترض أبداً أن تكون ملعباً للسياسة لتصبح مساحة لنشر الود بين الناس بعيداً عن الاحتقان السياسي". عماد حسن
مشاركة :