{ ترى الشاعرة البحرينية منى الصفار بعد تجربة شعرية قوامها ثلاثة دواوين، أن الشعر قرين خيبتها، وترى النساء ينشغلن بالتفاصيل قدر انشغالهن بالصورة كاملة، الابتسامة أكثر ما يضيئها. تكتب منى الصفار، كما قالت في حوارها مع «الحياة»، للمنامة وشوارعها، وللعشاق الذين عبروها. في نهاية العام الماضي صدر لها ديوانها الثالث عن دار مسعى للنشر والتوزيع «أحبك والمرآة بيننا»، وحظي باهتمام جيد في الأوساط الشعرية البحرينية. إلى نص الحوار: > الشعر حقيبة التذكارات غير المرئية. هكذا يقول كارل ساندبرغ.. ماذا عن منى الصفار؟ - الشعر حقيبة التذكارات المرئية جداً، التي لا تنسى، الأشياء المحفورة في الذاكرة. الشخوص والوجوه التي نحاول التظاهر بأنها وجوهٌ عابرة، وتباغتنا غالباً في حضورها. الشعر حقيبة التذكارات التي خلفتها كل طرق السفر وكل منافذ الغربة وكل الوجع والحب والأمل والرغبة والدهشة محتشد فينا على هيئة تذكارات > ينشغل شعرك بالوجدانيات، الحب، الحياة وكثير من التفاصيل اليومية الدقيقة.. هل تؤمنين بأن الحب شِعر الحياة؟ - الحب في شعري قرين الخيبة دائماً، أعتقد أن النساء ينشغلن بالتفاصيل بالقدر نفسه الذي ينشغلن بالصورة كاملة، تستهوينا الأمور الصغيرة، والأشياء غير الظاهرة للعيان، وكل صورة كبرى تمنحها التفاصيل أهميتها. أن تكون شاعراً حاضراً في اليومي هي أخذ الحياة على حد المجازفة، القفز عن جدار العالم، لعالمك الداخلي الأكثر دفئاً وطمأنينة. الوجدانيات هي أكبر القضايا وأصغرها لارتباطها المباشر بإنسانيتنا. > في نص «كامرأة تتوهم الشعر»، تقولين: «عندما سرقتك لم أكن أدري، كان قلبي قَد قُدَ من كل جهاته.. وجهي يزداد عتمة». ما الذي يضيئك؟ - الأمل، الحب، السلام، الابتسامة هي أكثر ما يضيئني، وأكثر ما يوقدني. أكثر ما يجعلني قابلة للاشتعال ومنح الضوء أيضاً. > كان كثيراً، ولم يكن كافياً. أهو طمع المحب أم بحث عن التفرد؟ - الحب حالة تفرد، لذلك لا يمكن وضعه ضمن خانة الطمع كإجراء مغاير للمألوف عندما يكون هو المألوف. نحن في الحب نجد اطمئناناً في الطمع والتملك، تجاوز الأمر يحتاج للكثير من التجربة وللكثير من الانفتاح والكثير الكثير من الوعي بالحالة الإنسانية والاختلافات الفردية والرغبة البشرية الكامنة التي تتجلى أحياناً فنستطيع الحديث حولها أو نجاهد في إخفائها وإبقائها خافتة وبعيدة عن عيون الآخرين. كثير أو قليل المسألة تبقى دائماً مقننة بالنسبية الفردية التي يشعر بها شخص دون سواه. > هل كان عبثاً وجودياً/ أن تنمو على طرف العتبة/ تخضرّ، تذوي/ ويدهسك المارة؟! موت كهذا كيف يعبرنا ويمضي للغياب من دون احتفاء بصاحبه؟ - لأن الموت ذاته هو احتفاء. نحن نهش على الأشياء والأشخاص في النهايات عندما يتبقى خيط خفيف لا مرئي فقط. وتصبح الأشياء أكثر قدرة على عبورنا. أو بالأحرى نصبح أكثر قدرة على عبورها. أن تخضر ثم تذوي ثم تنسى هي عجلة الحياة الرتيبة التي نعرفها جميعاً، التي نمر بها جميعاً مأخوذين بالموت أو الغياب، الطريقة ليست هي العبرة إنما هي الدورة التي تنطبق بشكل عام على كل الأشخاص والأشياء والطقوس والمشاعر. > «كان عليّ أن أنساك فقط/ لينمو على سطحك آخرون». في أحايين كثيرة نترك بعضاً منا في مكان قصي لننسى، ما الذي وضعته في الثلاجة وأحكمت عليه الباب كي يموت في زمن البراكين؟! - الحب، هل هناك ما هو أعظم من الحب لينسى؟! وهل هناك ما يمكن أن يحييه النسيان أكثر من الحب؟ > 17 عاماً وثلاثة دواوين، ما الذي أردت قوله من خلال الشعر وماذا نسيت من الكلام الذي يصارع الأسفلت في عجلة الوقت المثقوبة؟ - الشعر يتحدث غالباً عن نفسه، لا أحمل رسائل ولست ساعي بريد، أنا العجلة المثقوبة التي تصارع الحياة وتتكئ على الشعر أحياناً لتمسح تعب الصراع ربما، الشعر يقول ما يقوله، كلامه معظمه خلق للطي والنسيان. > على أي الجهات تفتح الصفار نافذتها وهي التي تكرر دائماً «قلبي ضيقٌ جداً وبلا نوافذ» لو قررت ذلك ذات صباح؟ - على أطفالي الذين لا يزالون يستلذون بالنوم في أحضاني وتقبيلي والخوف عليّ، قلبي ضيق جداً في مواجهة هذا العالم، واسعٌ جداً ليلعب فيه ثلاثة أطفال كالجنة. > في نص «كتابة» تقتربين من شكل قصيدة الهايكو بامتياز؛ هل سيكون ذلك مشروعك القادم؟ - مشروعي القادم لا يزال في طي الغيب، الشعر متكاسل في ولوج يومي، أنتظره بفارغ الصبر أحياناً وأتجاهل جفاءه أحياناً أخرى، أود تقديم مختلف، وما أزال في طور التجريب، لذلك لا أستطيع القول إن لديّ خطوطاً واضحة حالياً. > استهللت الديوان بمقولة ميلان كونديرا: «وحدها الأسئلة الساذجة هي الأسئلة الهامة فعلاً، تلك الأسئلة التي تبقى من دون جواب»؛ هل تحملين الأسئلة الساذجة وإلى أي حد صادفتك في الحياة؟ - أكثر من الحياة، الأسئلة الساذجة هي الأسئلة الفلسفية الأكثر عمقاً، هي بوابة الأسئلة الكبرى تلك التي تبدأ على لسان الأطفال وتستفز في النهاية لخلق أكثر الفلسفات الوجودية على رغم ما تبدو عليه من بساطة، شخصيتي مسكونة بالأسئلة تخشى المجهول وتخاف من الوقوع في فخ ما لا تعرف. > متى تقفز الصفار عن جدار العالم وترتدي قصيدة الصباح، تكتبها على طين دلمون وذاكرة المارة؟ - عندما تتنشق عبق شجرة الياسمين مع أول فنجان قهوة في الصباح، عندما تربط حذاء صغيرتها وهي تتجه إلى مدرستها للمرة الأولى، عندما تعبر أزقة الذاكرة في المنامة العتيقة التي لا تزال بيوتاتها مكسوة بالطين. عندما تمر على الشوارع القديمة التي لا تزال حتى اليوم تحمل أسماء عشاق عبروها، وتفتح أذرعها لعشاق جدد.
مشاركة :