لا شك أن معظم من يرتاد النوادي الليلية هم من فئة الشباب خاصة في الدول غير العربية، فهي تجتذب هذه الفئة بما توفره لهم من موسيقى تتناسب مع أذواقهم وميلهم للصخب والإيقاع إضافة إلى أسلوب حياة يعتمد على كل ما هو سريع كالوجبات السريعة، والتعارف الوقتي الذي قد لا يتعدى ليلة واحدة. وقد يتساءل البعض لماذا لم نبذل جهداً في تطوير الترفيه الموسيقي الكلاسيكي لاجتذاب هذه الفئة من الشباب والتي لم تستسغ الإيقاعات الكلاسيكية ولا تميل لسماع الإيقاع المنتظم والمبني على أسس ونظام موسيقي منهجي. منذ عدة سنوات والدول الغربية تقوم بمحاولات لاجتذاب الذائقة الشابة نحو الموسيقى الكلاسيك، هذه الموسيقى التي بقيت حبيسة المسارح الكبرى ودور الأوبرا، وبقي جمهورها قاصراً على طبقة المثقفين والأثرياء حول العالم، ففي مدينة لندن، على سبيل المثال، وتحديداً في أحد النوادي الليلية غرب لندن، حيث يجتمع زحام كبير من الشباب، ويطالعك مشهد النادلات وهن يحملن صواني عليها سندويشات البرغر والبطاطس المحمرة ليقدمنها لجمهور حاشد من شباب وشابات يتحلقون حول طاولات مرتفعة، وفجأة تبدأ الفرقة الموسيقية المكونة من عازفة الكمان، والتشيللو بالعزف، فتفاجأ أن أول مقطوعة موسيقية بدأ عزفها هي لبيتهوفن، وعلى عكس ما يحدث في المسارح الكبرى، فإن الجمهور هنا في هذا النادي لم يتوقف عن الحركة والرقص والأكل والحديث أو الصراخ، ولكنهم في كل الأحوال، لم يمانعوا أو يعترضوا على الموسيقى. لا شك أن مجرد عرض الموسيقى الكلاسيكية على الذائقة الشبابية هو في حد ذاته مغامرة ومحاولة للإبقاء على تراث موسيقي عريق، لم تفسده التكنولوجيا ولم تشوهه عبثية ما يسمى بالتطوير، على عكس ما حدث للموسيقى العربية والتي طرأ عليها تطورات كبيرة خلال القرن العشرين، فقد كانت العولمة ذريعة لإحداث تأثيرات سلبية على تراث موسيقي عربي عريق. لقي هذا التطور أو التأثر الكثير من الرفض والنقد من قبل الأكاديميين والنقاد بشكل خاص، ولكنه على الجانب الآخر، لقي قبولاً كبيراً لدى جمهور الشباب، بحيث أصبح الإيقاع الشرقي ممزوجاً بالإيقاع الغربي الذي يعتمد على موجات الروك والهيفي ميتال الصاخبة، التي ترفض تدريسها المعاهد الموسيقية العالمية، لما فيها من فوضى وتخريب للأذن والذائقة. على الجانب الآخر، لا يمكننا تجاهل حقيقة أن هذه الموسيقى الهجينة باتت ظاهرة لافتة في المنطقة العربية وحقيقة واقعة لم يتم التعامل معها من قبل المتخصصين والدارسين، بل تركت لتزداد وتتفاقم وتترسخ كجزء من الهوية الموسيقية العربية خصوصاً لدى فئة الشباب، والتي لم يتم توجيه ذائقتهم، ولا حتى محاولة منحهم فرصة التعرف على الثقافة الموسيقية العربية من خلال المؤسسات التعليمية. فالموسيقى لا يتم تدريسها كمناهج في المدارس، وإن وجدت فهي كمادة غير منهجية يتم تدريسها بمقابل مادي. قد تكون العولمة وتطور وسائل التواصل وحركة ما يعرف بالحداثة، عوامل أدت لتشويه الموسيقى العربية، فالميل دائماً قائم على المحاكاة والتقليد، ولكننا أيضاً، لا أظن أن علينا أن نطلب من الفنان أو المبدع أن يبقى أسيراً لتراث قديم، ولكننا سنطلب منه أن يبقي التراث كما هو حتى لا يندثر، ولينطلق إلى إبداعات تحاكي هذا التراث ولكنها لا تطمس هويته.
مشاركة :