يصف المهاجم السابق للمنتخب الإنجليزي ونادي توتنهام هوتسبر، جيمي غريفيز، في سيرته الذاتية الوجبات التي كان يتناولها قبل المباريات في فترة الستينيات من القرن الماضي. وفي نادي وستهام يونايتد، كان الجميع يذهب إلى «مقهى مودي» لتناول عشاء شهي كامل. وبصفته لاعباً في منتخب إنجلترا، كان غريفيز يسجل العادات التي كان يقوم بها حارس مرمى المنتخب الإنجليزي السابق غوردون بانكس قبل المباريات، قائلاً إنه كان يعد نفسه بتناول شريحة لحم ضخمة وقطعة من البطاطا المسلوقة والمشوية، بالإضافة إلى وعاء كبير من الأرز. وإذا نظرنا إلى الوراء الآن، فمن الجيد أن وسائل التواصل الاجتماعي لم تكن موجودة في الستينيات من القرن الماضي، لكن ليس من الصعب تخيل ردود الفعل والانتقادات اللاذعة التي كان سيتعرض لها هؤلاء اللاعبون على مثل هذه العادات والتصرفات لو كانت وسائل التواصل الاجتماعي موجودة آنذاك. لكن على أي حال، دائماً ما يكون هناك اهتمام كبير بالطريقة التي ينفق بها لاعبو كرة القدم أموالهم، بدءاً من تناول وجبات الطعام الفاخرة مروراً بشراء سيارات فورد الفارهة ووصولاً إلى السيارة «بوغاتي» التي اشتراها النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو مقابل 2.5 مليون جنيه إسترليني، ومطبخ نجم مانشستر سيتي رحيم سترلينغ، والطائرة الخاصة المبطنة بالفراء واليخت الفاخر للنجم البرازيلي نيمار. وجاء الدور خلال الأيام القليلة الماضية على النجم الفرنسي فرانك ريبيري، الذي قضى الأيام القليلة الماضية في معسكر تدريبي تحت أشعة الشمس في قطر مع ناديه بايرن ميونيخ. وفي ليلة من ليالي الأسبوع الماضي، سافر ريبيري إلى دبي لتناول العشاء في مطعم يملكه الطاهي التركي الشهير نصرت غوكجة، المعروف بطريقته المميزة على وضع التوابل على اللحوم. وتناول ريبيري شريحة لحم مغطاة بورق من الذهب. وقد عرفنا بهذا الأمر لأن ريبيري نفسه هو من نشر مقطع فيديو على «انستغرام» يظهر فيه الطاهي التركي وهو يقطع شريحة من اللحم بطريقته المعتادة والمميزة. وقد سمح الطاهي التركي لريبيري برش التوابل على قطعة اللحم، قبل أن يتناولها اللاعب الفرنسي. ورداً على سيل من الانتقادات والإساءات الشخصية لريبيري على اختيار المكان الذي يتواجد به وشرائح اللحم التي يتناولها وأسلوب حياته ودينه الذي يعتنقه وبذخه في الإنفاق، نشر اللاعب الفرنسي كلمات على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي قال فيها: «دعونا نبدأ بالغيورين والكارهين. اللعنة على أمهاتكم وأجدادكم، وشجرة عائلتكم بأكملها». ونتيجة لتلك الكلمات، فرض نادي بايرن ميونيخ غرامة مالية ضخمة على ريبيري، الذي انضم إلى قائمة اللاعبين الذين ينفقون الملايين ببذخ في كل مكان، لتكتمل بذلك تلك الصورة من البلاهة والجنون وردود الفعل الغاضبة. ولم يحدد المدير الرياضي للنادي، حسن صالح حميديتش، قيمة الغرامة التي فُرضت على اللاعب، لكنه وصفها بأنها غرامة «باهظة». وقال: «لقد استخدم اللاعب كلمات لا نقبل بها في نادي بايرن ميونيخ، وليس له الحق في استخدام تلك الكلمات، هو أو أي لاعب آخر في بايرن ميونيخ. فرانك كقدوة ولاعب كبير لا يحق له استخدام مثل هذه الكلمات. خضت نقاشا طويلا معه وقلت له إنه سيتعرض لغرامة مالية كبيرة، وقد تقبل العقاب». ودخلت رابطة لاعبي كرة القدم المحترفين في ألمانيا على الخط وأشارت إلى أن واقعة ريبيري توضح أن اللاعبين في حاجة إلى إرشاد أفضل بشأن كيفية التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي. وقال أولف بارانوفسكي مدير الرابطة، إن «الأندية والاتحادات ينبغي أن تساعد اللاعبين في هذا الجانب. الكثير من اللاعبين يجدون صعوبة في التعامل مع شبكات التواصل الاجتماعي». وتتضمن عقود اللاعبين عادة بنداً يشير إلى ضرورة الحصول على موافقة النادي قبل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي. ويجب الإشارة هنا إلى ريبيري لم يدفع ثمن شريحة اللحم، لأنها قدمت له كهدية من مطعم الطاهي التركي الشهير، كما أن زميله في نادي بايرن ميونيخ روبرت ليفاندوفسكي قد فعل الأمر نفسه قبل بضعة أيام ونشر مقطع فيديو له وهو يتناول شريحة من اللحم أيضاً، لكن لم يهتم أحد بما حدث معه لأنه لم يولد في مدينة «بولوني سور مير» الفرنسية ولم يغير ديانته لكي يعتنق الإسلام، ولا يرتدي أزياء مثل تلك التي يرتديها المواطن العادي في الشارع، ولا يعتبر حلقة ضعيفة تتعرض للانتقادات العنيفة مع كل فعل يقوم به، كما هو الحال مع ريبيري. وإذا كانت قصة شريحة اللحم التي تناولها ريبيري تخبرنا بشيء فإنها تخبرنا بأن العلاقة الرئيسية بين أولئك الذين يلعبون كرة القدم وأولئك الذين يشاهدونهم أصبحت علاقة مشوهة ومنحرفة إلى حد كبير، فإما يتعرض هؤلاء النجوم للتقديس والتبجيل بشكل مرضي أو يساء معاملتهم بشكل صارخ. وكل هذا يُبرر على أساس أن هؤلاء اللاعبين أغنياء بدرجة كبيرة ومحصنون ضد كل أنواع المعاناة البشرية، وهو الموقف الذي يعكس الكثير عن «التبجيل المخادع» للأثرياء والمشاهير بشكل عام. إن الشعور بالعزلة والغضب وفقدان تلك اللمسة الإنسانية ما هو إلا نتيجة طبيعية للتحول الهائل الذي شهده عالم كرة القدم نتيجة الأموال الطائلة التي يحصل عليها. وعلاوة على ذلك، فإن وجود بايرن ميونيخ في قطر هو في حد ذاته سبب لشعور قاعدة عريضة من الجماهير بالانزعاج، لأن الأموال قد فعلت أشياء غريبة في هذه الرياضة العريقة، وخلقت عالماً غريباً يسقط فيه المرء عندما يواجه أول عقبة. وخلاصة القول: «يمكنك أن تكره شرائح اللحم المغطاة بأوراق الذهب، وأن تكره تلك الأيدي التي تحاول السيطرة والهيمنة على اللعبة الشعبية الأولى في العالم، لكن لا يجب عليك أن تكره اللاعب نفسه».
مشاركة :