لم يجد والد الفتاة السعودية رهف صاحبة الـ(18 عاما) من يحنو عليه في قضية ابنته مع محيطها الأسري، بعد تعرضها لبرمجة عقلية وافدة من الخارج؛ جعلتها تتمرد على دينها وقيمها؛ ليواجه مع أسرته آلام فقدان ابنتهم ومأساة العقوق، في وقت لم ترحم خلاله كندا أبوته بالتقاط الفتاة من مجتمعها، وتحويلها إلى أداة لأجندة توظيف سياسي. تسليع الإنسان وتعد رهف واحدة من الشباب والشابات الذين دفعهم الطموح الجامح، ومشكلات الافتقاد إلى الاتزان والاستقرار بعمر المراهقة إلى الوقوع ضحية في معضلة التماهي مع عادات مخالفة وافدة من الخارج، وموجهة لفئة الشباب العربي في إطار ما يعرف بقضية «الاندماج» التي تستهدف دفعهم للتمرد على الأسرة والمجتمع وصولا للانسلاخ من الدين والهوية والقيم التي تحكم السلوك السائد بالدولة، والمنصوص عليها دستوريا ونظاميا. ولم تعطِ كندا لوالد رهف فرصة واحدة لمحاولة إقناع ابنته بالعودة لدفء أسرتها، أو أن يثبت لها زيف ما تعرضت له من برمجة عقلية تخالف الواقع الذي يشير إلى أن المجتمع الكندي ذاته يعاني من مشكلة الانهيار الأسري الذي حطم كيانه، وهذا ما تثبته الإحصائيات الواردة من الداخل الكندي ببلوغ نسب رفض الزواج والتجارة الجنسية والطلاق والتفكك الأسري مستويات مرعبة، دفعت حكومة البلاد لاستقبال مئات الآلاف من مواطني الدول الأخرى، بعد تخصيص ميزانيات ضخمة لإدماجهم بالتركيبة الاجتماعية، وتعريضهم لجرعات مكثفة من الأفكار الإلحادية والعلمانية بهدف التغلب على مشكلات النمو السكاني. وعلى الرغم من أن ما أقدمت عليه رهف من هجر لأسرتها لا يبدو غريبا على فتاة نشأت خارج حدود بلادها، ولم تتشرب الوطنية وقيم الهوية والتراث، إلا أن أصابع اللوم الأكبر توجهت صوب كندا التي وظفت قضيتها سياسيا؛ فوقعت في مستنقع تحويل «مبادئ حقوق الإنسان» إلى وحشية «تسليع الإنسان» استمرارا للغيظ الكندي من الحسم السعودي ضد تدخل كندا في الشؤون الداخلية للمملكة. فزاعة حقوق الإنسان ويعود التوظيف السياسي الكندي لقضية رهف إلى أغسطس الماضي، حين حاولت أوتاوا استغلال شماعة حقوق الإنسان للتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للمملكة، بإطلاق تصريحات تدعم خلالها فئة مدانة قضائيا وتصفها بـ»النشطاء»، رغم توصل الجهات الأمنية السعودية إلى تورط هذه الفئة في أجندة للإضرار بالأمن القومي السعودي عبر العمالة للخارج، وترويج الإشاعات، والتشكيك في ثوابت إسلامية، ومخالفة الدستور والقوانين السعودية. وجاءت التصريحات الكندية حينذاك خرقا لأصول الدبلوماسية والمواثيق الدولية في محاولة لإفلات مواطنين سعوديين مدانيين قضائيا من العقوبة التي تطبقها أنظمة المملكة، وتزامنا مع التقدم السعودي في مختلف المجالات بمخرجات التحول الوطني ورؤية 2030، وتمتع البلاد باستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي يميزها عن غيرها، والتحركات السعودية لتأمين المنطقة من التدخلات الإيرانية ومشروعات توسعة النفوذ الخارجية. موقف حاسم «لتعلم كندا وغيرها من الدول أن المملكة أحرص على أبنائها من غيرها».. هكذا جاء رد المملكة على التصريحات الكندية؛ لتعلن عن طرد السفير الكندي من المملكة، واستدعاء السفير السعودي لدى كندا، وحزمة من الإجراءات الأخرى، مثل تجميد جميع رحلات الطيران السعودي إلى مدينة تورنتو الكندية، وتجميد جميع التعاملات التجارية والاستثمارية الجديدة بين السعودية وكندا، وإيقاف التدريب والابتعاث والزمالة إليها، ونقل المبتعثين إلى دول أخرى. واستطاعت المملكة بهذه الإجراءات أن تقهر «أجندة النشطاء» التي حاولت كندا استخدامها كمحاولة للمساس بالسيادة السعودية، وهي نفس الأجندة سيئة الصيت التي تم استخدامها في عدد من الدول العربية بعد أحداث 2011 التخريبية، وفي مقدمتها مصر التي واجهت خطة منظمة لنشر الفوضى في ربوعها باستراتيجية منظمة من عدة دول بينها كندا، استخدموا حقوق الإنسان كمدخل لدعم وكلائهم مما يسموا بـ»النشطاء» الذين كشفت الجهات المصرية عن تلقيهم أموالا، وأجهزة تجسس، وتدريبات من الخارج، بهدف الإضرار بالأمن القومي المصري. وترفض السعودية المحاولات الكندية المتكررة لتقويض سياستها، وتهميش أحكام مؤسساتها القضائية التي تستمد نصوصها من الإسلام، وتطبق أحكامه، وتحفظ الحقوق والحريات، متداركة خطورة أجندة النشطاء على غرار ما حدث بالنموذج المصري من استقطاب للشباب المصري المتحمس والمندفع، وتدريبه على أيديولوجيات هدامة مثل أساليب هدم مؤسسات الدولة سواء التنفيذية أو القضائية، وترويج الفتن والإشاعات وتشويه، وشيطنة الرموز الوطنية تحت مسمى دعم «حقوق الإنسان». تلميع الإرهاب على طرفي نقيض، كشفت المعارضة الكندية عن تورط حكومة رئيس الوزراء جاستن ترودو في السماح باستمرار عمل بعض الجمعيات القطرية التي تتستر بشعار العمل الخيري في كندا، رغم التقارير الأمنية التي أثبتت صلتها بتمويل الجماعات الإرهابية، في انتهاك كندي لحقوق الإنسان العربي في العيش الآمن، الأمر الذي يدلل على أن صانع القرار الكندي لا يهدف سوى للتوظيف السياسي، وتحقيق المصالح الكندية مرتديا عباءة الحقوق والديموقراطية. كما أبدت أوساط عربية ودولية انزعاجها من استمرار كندا في محاولات تلميع شخصيات عربية متطرفة ومدانة قضائيا، وتصويرها على أنها أطراف سياسية، بما يجعل الحكومة الكندية تنضم إلى قائمة المعرقلين لجهود مكافحة الإرهاب والتطرف الذي نشر الخراب والدمار في ربوع المنطقة، في وقت تشير خلاله تقارير أمنية إلى أن العاصمة الكندية أوتاوا تأوي العديد من قيادات الجماعات المتطرفة الذين فروا إليها بعد التضييق على أنشطتهم الخبيثة بالدول العربية وعدد من الدول الأجنبية. وفضحت وثائق مسربة عثرت عليها السلطات الأميركية أثناء القبض على أحد القياديين الإرهابيين المنتمين لتنظيم الإخوان بولاية فرجينيا الأميركية، أن قيادات الإخوان توجهوا للعيش بكندا، وارتدوا ثياب العمل الخيري؛ لإدارة أجندتهم التخريبية ضد الدول العربية، حيث دشنوا عددا من الجمعيات أبرزها رابطة مسلمي كندا، ومنظمة عرفان الخيرية، والمجلس الوطني لمسلمي كندا، وجمعية الطلاب المسلمين، وغيرها من عشرات المنظمات الوهمية التي تستهدف تقديم الدعم للمتطرفين. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه بشان السلوك الكندي تجاه السعودية ومن قبلها مصر: «كيف سيكون تصرف السلطات الكندية إذا اكتشفت وجود عناصر تحاول تذويب القيم الكندية، أو الإضرار بأمنها القومي، أو التعاون مع جهات خارجية؟!».
مشاركة :