اعتبر خبراء استراتيجيون ومحللون سياسيون في القاهرة قرار قطر زيادة استثماراتها في الولايات المتحدة الأميركية خلال العامين القادمين بمثابة «رشوة سياسية» يستهدف النظام القطري من ورائها كسب التعاطف الأميركي مع أزمتها الراهنة، فضلاً عن تخفيف حدة الضغوط الأميركية الواقعة على النظام القطري جراء دعمه وتمويله للجماعات والتنظيمات الإرهابية المنتشرة في دول المنطقة العربية. وكان الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، منصور إبراهيم آل محمود، قد كشف قبل أيام -على هامش فعاليات الحوار الاستراتيجي القطري الأميركي الذي عقد مؤخراً في الدوحة- عن سعي بلاده إلى زيادة حجم استثماراتها في الولايات المتحدة الأميركية إلى 45 مليار دولار في العامين القادمين، بدلاً من 30 مليار دولار حالياً، أي بزيادة قدرها 15 مليار دولار. وعلى مدى الأعوام العشرة الماضية، حرصت قطر على مضاعفة حجم استثماراتها في مختلف القطاعات الحيوية الأميركية، بهدف تحقيق عدة مكاسب سياسية، أبرزها كسب الرضا الأميركي، وتخفيف حدة الضغوط الأميركية الواقعة عليها من جراء دعمها وتمويلها للجماعات والتنظيمات الإرهابية. وكان النظام القطري قد ضخ في عام 2010 عبر شركة قطر للاستثمارات العقارية 650 مليون دولار في مشروع «سيتي سنتر دي سي» في واشنطن، لتصبح بذلك المالك الرئيسي للمشروع، الذي تبلغ تكلفته الاستثمارية مليار دولار، وفي عام 2013 اشترى صندوق الثروة السيادي القطري حصة في بنك «أوف أميركا»، ثاني أكبر البنوك التجارية في الولايات المتحدة، وذلك في صفقة كبرى وصلت قيمتها إلى نحو مليار دولار. كما اشترى جهاز قطر للاستثمار 5.2 في المئة من أسهم شركة المجوهرات الأميركية «تيفاني»، وقد سبق للجهاز نفسه أن اشترى 10 في المئة من أسهم شركة «إمباير ستايت العقارية» في مدينة نيويورك، التي تملك وتدير مبنى «إمباير ستايت»، مقابل 622 مليون دولار. وإلى جانب ذلك تمتلك قطر جزءاً من مجموعة «شيرمين» الأميركية المتخصصة في مجال الإعلام مقابل 100 مليون دولار. كما قامت قناة الجزيرة القطرية بشراء قناة «كارنت» الأميركية ذات الانتشار الواسع في صفقة قدرت بنحو 500 مليون دولار. وأوضح الخبير الاستراتيجي والمخابراتي، اللواء محمود منصور، أحد مؤسسي جهاز المخابرات العامة القطري، أن قرار قطر بزيادة حجم استثماراتها في الولايات المتحدة الأميركية إلى 45 مليار دولار، لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره قراراً اقتصادياً، حيث إنه لا يخرج عن كونه قراراً سياسياً في المقام الأول، ويأتي في إطار السياسة القطرية المعروفة بـ«دبلوماسية الريال والدولار»، والتي من خلالها تسعى قطر إلى كسب مواقف القوى الإقليمية والدولية عبر ضخ مليارات الدولارات والريالات في صورة استثمارات اقتصادية. وقال اللواء منصور: النسبة الأكبر والأضخم من الاستثمارات القطرية في شتى دول العالم، وبالأخص في أوروبا وأميركا، تهدف في المقام الأول إلى خدمة أجندة النظام القطري، والذي اعتاد على توظيف هذه الاستثمارات لتحقيق أهداف مشبوهة، لعل أبرزها رشوة القوى الكبرى حتى تغض الطرف عن دعمه وتمويله للتنظيمات الإرهابية المنتشرة في مختلف دول المنطقة العربية، والمؤكد أن قرار قطر الأخير بزيادة استثماراتها في أميركا من 30 مليار دولار إلى 45 مليار دولار يأتي في هذا الإطار، ويبدو أن الدوحة استشعرت ضغطاً أميركياً متنامياً عليها، وتريد من خلال هذه الصفقة المشبوهة الهروب من هذه الضغوط الأميركية أو على الأقل تخفيف حدتها. وأضاف اللواء منصور: ومن ناحية أخرى، تستهدف قطر من وراء زيادة استثماراتها في الولايات المتحدة كسب التعاطف الأميركي مع أزمتها الراهنة التي ترتبت على قرار الرباعي العربي (الإمارات ومصر والسعودية والبحرين) بقطع العلاقات مع النظام القطري، لاسيما وأن هذه الأزمة تقترب من عامها الثاني، وقد تسببت في خسائر فادحة للاقتصاد القطري. وفي السياق ذاته، أوضح د. حسن أبو طالب، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن سعي قطر لزيادة استثماراتها في الولايات المتحدة الأميركية إلى 45 مليار دولار، ليس بالبعيد عن قرارها السابق بتوقيع اتفاقيات لشراء طائرات حربية أميركية حديثة قيمتها 12 مليار دولار، رغم عدم حاجتها لهذه الطائرات. وأكد أن النظام القطري يدفع كل هذه المليارات من الدولارات -سواء في صورة صفقات عسكرية أو استثمارات اقتصادية- من أجل شراء ذمم القوى الكبرى، وحتى تصنع لنفسها نفوذاً وثقلاً لدى هذه القوى، حيث تشير بعض التقارير المتخصصة إلى أن حجم الاستثمارات القطرية في دول أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والصين والبرازيل والأرجنتين بلغ 500 مليار دولار، وإذا أضيف إليها حجم الأنشطة السرية التي تديرها قطر سيصل المبلغ إلى 1.2 تريليون دولار، وتتنوع مجالات تلك الاستثمارات لتشمل البنوك والعقارات والفنادق الشهيرة والزراعة والترفيه وصناعة السينما وصناعة الملابس الجاهزة من ماركات عالمية شهيرة وصناعة أدوات التجميل لأسماء مشهورة عالمياً، إضافة إلى الأندية الرياضية الكبرى. وأشار إلى أن قطر ليست دولة، وإنما شركة عولمية متنوعة الأنشطة، ولكل من هذه الشركات الكبرى التي يشارك فيها الصندوق السيادي القطري بنسب تتراوح من 30 في المئة إلى 100 في المئة، تأثير كبير على حكومات بلدانها وصناع القرار فيها، فتلك الدولة الصغيرة التي تُرى بالكاد على خرائط العالم، تمتلك احتياطياً هائلاً من الغاز، يوفر لها دخلاً سنوياً يتراوح بين 120 و140 ملياراً سنوياً، ولديها احتياطي بـ360 مليار دولار، وقبل عدة سنوات أسست صندوقاً سيادياً بقيمة 200 مليار دولار يستثمر في كافة المجالات في عدد كبير من الدول، ودائماً وأبداً توظف هذه الاستثمارات لخدمة الأجندة السياسية القطرية.
مشاركة :