سوزان وليامز مفاوضة الرهائن السابقة في الشرطة البريطانية، تتفحص غرفة تضم مجموعة من المهنيات الشابات اللواتي التقين من أجل دورتها المسائية حول كيفية التفاوض في العمل. تقول بصراحة: "تبدون مجموعة رائعة من النساء، لكنني سأكون أكثر راحة بكثير بالتحدث إلى مجموعة من الخاطفين الأشرار". بعد ثلاثة عقود كضابط شرطة في سكوتلاند يارد، أصبحت وليامز أول امرأة تتولى رئاسة وحدة أزمة الرهائن التابعة للقوة، وهي لا تزال تتكيف مع الحياة المدنية. في قوة الشرطة، تخصصت في عمليات الخطف، والحصار، والحواجز المحلية، ومنع الانتحار وما تدعوه "جرائم جرت بشكل خاطئ" مثل سرقات المصارف. كانت تعطي إحاطات إلى لجنة طوارئ كوبرا التابعة للحكومة بشأن حالات خطف مواطنين بريطانيين، وسافرت إلى مكان عمليات الخطف في الشرق الأوسط، وتواصلت مع عائلات الضحايا. الآن تقضي فترة تقاعدها كمستشارة مستقلة حول مفاوضات الرهائن، وتعمل بشكل أساسي للمنظمات غير الحكومية، لكن مع وظيفة عرضية في شركة للنفط "للحصول على دخل جيد". تقديم المشورة للمهنيين في الحي المالي في لندن حول التفاوض أصبح عملا إضافيا مزدحما على نحو متزايد. لأسباب أمنية، طلبت عدم تصويرها لهذه المقابلة، لكنها سمحت لي بالانضمام إليها في مكتب مفتوح في سوهو في أمسية شتوية متجمدة؛ حيث تتولى تدريس صف من الشابات المهنيات حول كيفية المجادلة والإقناع والتحكيم في النزاعات. المجموعة – وهنّ أعضاء في ناد للتواصل النسائي – يتمسكن بأكواب من العصير ويمضغن رقائق الجبنة، بينما يتساءلن كيف ستتم ترجمة حكاياتها عن التحدث مع شخص انتحاري من على سطح أحد مباني لندن، والمفاوضات مع خاطفين من تنظيم القاعدة، إلى نصائح من أجل مجلس الإدارة. تبدأ بتعداد أوجه الشبه. تخبرنا وليامز: "كلانا في وضع حيث هناك إمكانية حدوث أزمة. يجب أن تكون مستعدا بشكل جيد، سواء كنت ستتحدث إلى بعض الإرهابيين في العراق أو ستدخل اجتماعا مهما". وتُضيف أن التعامل مع أصحاب المصالح – مثل أهالي الأطفال المخطوفين – يكون في بعض الأحيان أصعب من التعامل مع الخاطفين. "لديكم جميعا مديرون ورؤساء تنفيذيون قلقون ترغبون في الحفاظ على دعمهم، وهذا أمر صعب أيضا". قد يكون المديرون أصحاب عمل صارمين، إلا أن المخاطر نادرا ما تكون بهذا الارتفاع في مكان العمل. يبدو على وليامز الاستغراب بقدر أي شخص آخر من أنها وجدت أوجه تشابه بين عمل المكتب، وعمل استعادة الرهائن الذي ينطوي على الحياة والموت. لقد تفرّعت إلى تقديم النصائح للشركات بمحض الصدفة عندما طلبت منها كلية سعيد للأعمال في جامعة أكسفورد، تقديم دروس في التفاوض الفعال. عندها اكتشفت أن مهاراتها كانت ذات صلة بجمهور أوسع. وتقول: "حتى أكون صادقة، أقول إنه في بعض الأحيان، يكون الأمر معضلة بالنسبة لي. هل أمضي وقتي في إحداث فرق مع شخص واقع في أزمة أمنية خطيرة، أم هل أمضي وقتي في التحدث مع رجال الأعمال، وهو في الواقع أكثر متعة وأقل إثارة للعواطف؟". مع تقدم فترة المساء، تقدم وليامز دروسها بأسلوب ودّي بسيط. وتنصح بالتحضير لمفاوضات الأجور من خلال البحث عن الإحصائيات، وحساب المتوسط والتأكيد على أن محاولتك تستند على دليل وليست حماسية. وتقول بحزم: "عليك التوضيح أن هذا نقاش جاد، وليس محادثة عادية". وهي تنصح باستخدام المفاجأة لمصلحتك، من الناحية العملية من خلال عقد الاجتماعات مع الرؤساء، في اللحظة التي يبدون فيها غير مشغولين ومن ثم تسأل: "هل قاطعت عليك عملا ما؟". "من الواضح أنه عندما لا يكونون كذلك فإنه من الصعب عليهم التظاهر بخلاف ذلك". إحدى المشاركات تسأل عن كيفية التعامل مع مدير معروف بنشر "الصمت العدائي" في وجه طلبات زيادة الأجور. تقول وليامز: "لا يجوز أن يُملأ الصمت بكلام فارغ، هناك سمة بريطانية تعتقد أن كل صمت يجب ملؤه". وتقترح طرح سؤال مباشر لفرض جواب. "يمكنك تجربة، "ما الذي تفكر فيه؟‘ أو ’هل فاجأتك؟ عضوة أخرى في الحضور تروي صعوبات إدارة المحادثات مع زميل ذكر يتمتع بثقة مفرطة بالنفس، يتحدث باستمرار ولا يسمح لها بالتعبير عن وجهة نظرها. تقول وليامز: "تستطيع النساء الحصول على الادعاء بموقف تفوق أخلاقي من خلال التظاهر بالاستياء. ما ينجح تماما مع الرجال المهيمنين هو زرع بذرة أن ما تريدينه هو في الواقع فكرتهم: يمكنك تجربة، ’هل سمعتك تذكر س X‘ أو ’هل فكّرت في ص Y؟‘" نظرياتها عن المزالق الشائعة في التفاوض تتحول باستمرار إلى موضوع "بريكست"، الذي يُصبح نقطة نقاش متكررة. وترفض فكرة أن التسوية دائما ما تكون أفضل نتيجة، مُشيرة إلى أن هذا قد يعني أنه لن يحصل أي من الطرفين على ما يريد. وتقول بامتعاض: "هذا أمر مألوف للغاية في الوقت الحالي". عندما ضُغط عليها لمعرفة كيف كانت ستتعامل مع المفاوضات لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تقول إن المسألة "مهمة جدا فوق الحد على نحو لا يجب معه أن يتولاها طرف واحد"، وكان ينبغي التعامل معها من قبل فريق متعدد الأطراف. وهي تنتقد السياسيين البريطانيين لسذاجتهم في عدم فهم ما كان ممكنا. وتقول: "كان ينبغي أن يكون هناك إدراك للواقع الفعلي في وقت مبكر". أكثر نصائحها أهمية لأي مفاوضات مهمة هي أولا: تحديد الأشخاص الذين هم "صنّاع القرار الحقيقيون"، ثم معرفة ما هو قابل للتفاوض، وإعداد سيناريو أفضل ثان للرجوع إليه. ضابطة الشرطة السابقة تعزو شعبية فصولها إلى الرغبة من قبل النساء المهنيات لكي يكُنّ أكثر حزما، من دون معرفة كيفية تنفيذ ذلك. من خلال إسداء النصيحة بسرعة البرق، هي نفسها تبدو واثقة تماما، لكنها أخبرتني لاحقا أنها تفهم ميل الإناث نحو الشك بالذات. تقول: "عندما أفكر في أيامي في قوة الشرطة، عندما كنا نعلن شواغر، كانت هناك في العادة أربعة معايير التي.. وصفت بأنها مرغوبة، وقد تقول النساء، أوه، أنا أتمتع بثلاثة من تلك، لن أتقدم بالطلب. أما الرجل فسيقول، أوه، أتمتع بواحدة منها، سأتقدم بالطلب. هناك فرق حقيقي في السلوك". مع ذلك، كانت مُتحفّظة عندما سُئلت ما إذا كانت قد استخدمت تكتيكاتها التفاوضية على مديريها، أو موظفيها، في شرطة العاصمة. وتعترف: "ليس بشكل تلقائي، لكن إذا كنت في حاجة إلى ذلك، فسأفعل. إنه شيء يجب أن أتعامل معه، فعلا. إذا أردت أن يباشر أحد الموظفين في عمل شيء ما، فسأُركّز، نعم". واحدة من أبرز القضايا التي تعاملت معها وليامز حين كانت رئيسة وحدة أزمة الرهائن، كان اختطاف وقطع رأس كين بيجلي، مهندس مدني بريطاني كان يعمل في بغداد، عام 2004. لا بد أن معاناة موظفي المكاتب في لندن تبدو تافهة عند المقارنة، لكن ضابطة الشرطة السابقة دبلوماسية، ولا تقول سوى إن كل وظيفة لديها ضغوط تخصها. مع ذلك، من الواضح أنها مرتبكة من الوجود المستقر نسبيا لحياة الشركات. حتى أثناء التقاعد، تتنقل بالطائرة في جميع أنحاء العالم إلى أي مكان يحتاج إليها فيه العملاء، غالبا مع القليل من الوقت للاستعداد. أعوامها الأولى في العمل كانت مزعجة جدا لدرجة أن أحد كبار الزملاء نصحها بتخيّل حبس الأهوال التي رأتها مع زيها الرسمي في نهاية اليوم. تقول وهي تتفكر: "ذات مرة كنت أقدم بعض الاستشارات إلى إحدى شركات التأمين. ورحتُ أنظر إلى هؤلاء الشباب وقلتُ في نفسي، يا إلهي، تقضون يومكم بالكامل أمام جهاز الكمبيوتر. حين أفكر فيما كنت أقوم به حين كنت شابة، لا أملك سوى أن أقول يا له من فارق كبير
مشاركة :