لم أتغير فجأة في تعاملي مع المرآة، وما زالت علاقتي بها قائمة على الحب وتنطوي على رضا كبير، إلا أنني أخرًا بدأت أتفحص وجهي فيها أكثر، وصرت أميل للاقتراب منها والتركيز على وجهي أكثر من جسدي، أتفحّص عيني، رقبتي، خطوط الضحك، الهالات السود، وغيرها، وعندما ألاحظ ما هو غير مرغوب فيه، أضحك لأنني أعرف الحل السريع، وأتذكر كل ما سمعته وقرأته عن إبر الفيلر والبوتكس، والبلازما والميزوثيرابي. ربما تُستهجن فكرة أن امرأة في عقدها الثالث بدأت تراقب وجهها وتتفحص وجود علامات الكبر عليه أكثر من قبل، وبدأت أتحدث في التجميل أيضًا مع من هم حولي، وأحدث نفسي دائمًا بأن الوقت لم يحن بعد لكنه قريب وعليّ استقباله برحابة صدر، ولا أعلم من أين جاء هذا التصالح مع عملياتالتجميل. بما أننا نتعامل بشكل يومي ودائم مع مواقع التواصل الاجتماعي، من السهل علينا أن نلحظ عيوبنا أكثر، وكرد فعل سريع أصبحت إحدانا تستسلم للتفكير بالتجميل من منطلق تطور الطب والحياة، لنعيش بوضع نفسي أفضل وبوجوه أجمل وأكثر قبولًا من الآخر. في تطبيق إنستغرام صور كثيرة لفنانين/ات، وعارضات/ين أزياء، و"فاشينسات"، يشاركون تفاصيل قيامهم بتعديلات تجميلية بشكل معلن وبأريحية، وبتنا نحن المشاهدين والمشاهدات نتعامل مع تغييراتهم/ن هذه بالكثير من الاهتمام وبترقب يومي لجديدهم/ن في التجميل من دون أن نشعر، فمثلًا تضع واحدة صورة وجهها قبل الفيلر أو البوتكس وبعده، وتشكر طبيبها وتتبع صورتها بجملة عن جمال الحياة وعن أهمية الاهتمام بالمظهر، وتذيّل الكلام بجملة عن الطاقة الإيجابية أو تنمية الذات، والجمال الداخلي، ويقوم شخص بوضع صورة لجسده أو وجهه قبل التعديل وبعده بانتظار آراء الجماهير واحتفال البعض – ممن يتقبل فكرة التجميل- منهم بالصورة الجديدة الأجمل في الغالب. العمليات الآن للجنسين، ومن مختلف الأعمار، وأصبح تقبّل الناس للرجل الذي يقوم بإجراء تجميلي أياً كان، ملموساً وواضحاً، بعضهم ينظرون للمسألة على أنها صدق بحت، والبعض الآخر يتعاملون معها من منطلق الحق للرجل في الحفاظ على شبابه ومظهره الجذّاب مثله مثل المرأة تمامًا؛ وهذا ما يعني أن هنالك تراجعًا واضحًا في المفاهيم التي كانت راسخة في مجتمعاتنا تجاه صورة الرجل؛ الشهامة والمروءة واللباقة وحسن التصرف، جميعها لم تبقَ صفات مغرية إذا امتلكها الرجل مثلما كانت في السابق، بل ربما أصبحت قليلة الأهمية إذا كانت مبررًا لليدين الخشنتين والشعر المجعد والتجاعيد الكثيرة في الوجه، وترهلات البطن وغيرها، فما المانع من وجود رجل جميل الوجه ومشدود الوجه وشهم ولبق، مثلًا؟ لذا أصبح من الطبيعي أن يدور الحديث في موضوع الجمال والاهتمام بالمظهر بشكل علني بين الطرفين الرجل والمرأة. على سبيل المثال، في السابق كانت صالونات الحلاقة التي يرتادها الرجال، تقتصر مهمتها على قص الشعر وتهذيب اللحية والشارب، أما الآن فإن الوضع مختلف تمامًا، ففي صالونات الحلاقة جلسات تنظيف بشرة، وجلسات عناية وتقشير، وكريمات للشعر المجعد وتصفيف للشعر في المناسبات وغيرها، وهذا ما يعني أن التجميل موجود ومقبول بفكرته البسيطة في صالون الحلاقة أو بصورته الأكبر في عيادات التجميل، لكن ما الغرض من هذا كله؟ ما الذي يجعل فكرة كهذه تأخذ رواجًا كبيرًا لدينا كنساء ولدى الرجال؟ هل نبحث عن الجمال أم هو من يبحث عنّا؟ بما أن طرفي العلاقة، الرجل والمرأة يقومان بالتجميل من أجل مظهر أجمل وقبول أكثر، وشباب دائم، فإن الدوافع لدى كل منهما يمكن أن تكون متشابهة؛ منها القبول المجتمعي، والثقة بالنفس، والرضا وما تعكسه جملة هذه المشاعر من ايجابيات على الفرد. قضية الهوس الجمالي تتشعب وتكثر أسئلتها، وفي بعض الأحيان تنفتح على عوالم أخرى وتتشابك معها، منها الفلسفية والفكرية والثقافية. أقوال جاهزة شاركغردربما تُستهجن فكرة أن امرأة في عقدها الثالث بدأت تراقب وجهها وتتفحص وجود علامات الكبر عليه أكثر من قبل، وبدأت أتحدث في التجميل أيضًا مع من هم حولي، وأحدث نفسي دائمًا بأن الوقت لم يحن بعد لكنه قريب وعليّ استقباله برحابة صدر، ولا أعلم من أين جاء هذا التصالح مع عمليات التجميل. شاركغردالعمليات الآن للجنسين، ومن مختلف الأعمار، وأصبح تقبّل الناس للرجل الذي يقوم بإجراء تجميلي أياً كان، ملموساً وواضحاً، بعضهم ينظرون للمسألة على أنها صدق بحت، والبعض الآخر يتعاملون معها من منطلق الحق للرجل في الحفاظ على شبابه ومظهره الجذّاب مثله مثل المرأة تمامًا. شاركغردعليه، نبدأ من الأسباب التي تجرى من أجلها عمليات التجميل هذه؟ إلى سؤال عن غياب شخصياتنا الداخلية وما نملكه من جمال ناتج عن ثقافة وفكر وتجريب، أمام الشخصية الخارجية الشكلية التي ترجح لها كفة الميزان؟ عليه، نبدأ من الأسباب التي تجرى من أجلها عملياتالتجميل هذه؟ إلى سؤال عن غياب شخصياتنا الداخلية وما نملكه من جمال ناتج عن ثقافة وفكر وتجريب، أمام الشخصية الخارجية الشكلية التي ترجح لها كفة الميزان؟ هل تتعارض صيحات التجميل التي تعتبر موضوعًا أساسيًا من المواضيع التي تشغل المجتمع العربي، مع وجود مواضيع أخرى أكثر أهمية مثل التفكير والعمل والتجريب نحو دول مدنية وديمقراطية؟ وهل يعرقل التفكير في دولة الحقوق والمؤسسات والحريات الفردية في مختلف مجالات الحياة والعمل، وجود قضية مثل "عملياتالتجميل" التي تُبث إعلاناتها وخصوماتها وتروجّ لها بشكل يومي وفي كل ساعة؟ ويمكننا أن نتساءل عن تأثير التجميل بأنواعه في معنى العلاقة بين الرجل والمرأة بأبعادها العاطفية والنفسية والجنسية؟ ليس لدي نية في وضع قضية عملياتالتجميل كشمّاعة أعلق عليها مشاكلنا في المجتمعات العربية، لكنني في الوقت ذاته لا أجدها أقل سوءًا من المحاولات الدائمة التي نتعرض لها بإرادتنا أو بدونها من حرف لبوصلتنا الأصلية، حيث التحرر المجتمعي من كل عوامل ومسببات التمييز، والدولة المدنية بمؤسساتها التي تترأسها المرأة والرجل، والتفكير المتطور الذي يقود لدولة منتجة وحديثة، وككل القضايا التي تشغل المجتمع العربي عن مشروعه نحو المستقبل يفعل التجميل. الآن، بدلًا من الفرص المهنية القائمة على الإمكانات والقدرات والموزّعة بعدالة، عدنا للتنميط والقولبة إنما من باب حديث يدعى عملياتالتجميل، وابتعدنا عن أهمية ما يفكر به واحدنا وما ينتجه فنيًّا واجتماعيًا وسياسيًا، لنذهب لما يطل به وكيف يظهر جسده/ها، وهذا ما يعني أننا نفعل كل ما بوسعنا لنظل ها هنا وفي نفس الحال، إنما بأشكال مختلفة في كل مرة. هذه التدوينة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي رصيف22. سنابل قنو شاعرة أردنيّة، درست نظم معلومات حاسوبيّة وعملت كاتبة ومجودة نصوص في مسرح دمى العربة في عمّان لمدة عاميْن. التعليقات
مشاركة :