عندما وقف رسولا رب العالمين سيدنا موسى وسيدنا هارون أمام فرعون صاحب الحضارة العلمية المادية سألهما فرعون (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى) (طه 49). جاءت الإجابة العلمية المانعة الشاملة التي تليق بعلم السائل (قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه 50)؛ أي أعطى لكل مخلوق خصائصه اللائقة بحياته ووظيفته ثم هداه لما يصلح عليه حياته. واليوم نعيش مع نماذج من الكائنات الحية التي خلقها الله تعالى وهداها ويسرها لما خلقت له، ونبدأ بالنباتات الأرضية التي تعيش على اليابسة والتراكيب التي تساعدها على التغلب على العقبات في البيئة الأرضية اليابسة. المشكلة الأولى أن الماء والمعادن لا تحيط بالنبات من جميع الجهات كما هو الحال في النباتات المائية. لذلك خلق الله تعالى لهذه النباتات على اليابسة أشباه الجذور للنباتات الدنيا والجذور للنباتات العليا ووهبها خواص الامتصاص للماء والمعادن والأملاح من التربة وتجمعها لينتفع بها النبات. المشكلة الثانية: كيفية نقل الماء والمعادن والأملاح من الجذور والشعيرات الجذرية وأشباه الجذور إلى باقي أجزاء النبات من الساق والفروع والبراعم الخضرية والفروع وأعضاء التكاثر كالأنثريدات والأرشيجونيات والمخاريط والأزهار والبراعم الطرفية. خلق الله تعالى لهذه النباتات قنوات توصيل وأوعية توصيل ممتدة من الجذر وأشباه الجذور إلى كل الأجزاء النباتية المذكورة سابقًا بحيث يصل الماء والمعادن والأملاح والمغذيات إلى كل خلية من خلايا النبات. المشكلة الثالثة: نقل الغذاء من أماكن تصنيعه في الأوراق وبعض السيقان وأشباه الأوراق إلى أماكن تخزينها وتصنيعها والاستفادة منها. أوجد الخالق سبحانه وتعالى لهذه النباتات أوعية اللحاء المختصة بنقل الغذاء من أماكن تصنيعه إلى أماكن تخزينه. المشكلة الرابعة: جفاف الماء من أجزاء النبات المختلفة بعد دخوله إليها ما يؤدي إلى جفاف تلك الأجزاء وموتها. أوجد الخالق سبحانه وتعالى مادة وخلايا الكيوتين والأغشية الخارجية غير المنفذة التي تمنع تبخر الماء من أجزاء النبات والحفاظ عليه داخل النبات حتى لا تجف وتموت. المشكلة الخامسة يحتاج النبات إلى الغازات الخارجية المطلوبة للتنفس والبناء الضوئي. أوجد الخالق سبحانه وتعالى للنبات شبابيك وفتحات تهوية والثغور التي تسمح بالتبادل الغازي بين الأوراق والسيقان من الداخل والوسط الخارجي المحيط بها، ووهب تلك الثغور آليات للفتح والغلق دقيقة ومعجزة تفتح عند الحاجة وتغلق عند الحاجة. المشكلة السادسة: تحتاج تلك النباتات إلى ضوء الشمس للقيام بالتغذية الذاتية من الماء ومكونات الهواء والضوء. أوجد الله تعالى الأوراق وأشباه الأوراق المهيأة لاستقبال الضوء ودخول الغازات ووهبها اليخضور وهيأها لعملية البناء الضوئي وتصنيع الغذاء من خاماته الأولية لتغذية النبات والإنسان والحيوان والكائنات الحية الدقيقة غير ذاتية التغذية. المشكلة السابعة: يحتاج النبات إلى دعامة لمجابهة الضغوط والمؤثرات البيئية الخارجية من جميع الجهات وخاصة الرياح العاتية. أوجد الخالق سبحانه وتعالى أوعية التدعيم الخشبية والليفية وأوعية التدعيم الأخرى. المشكلة الثامنة: عدم وجود ماء محيط بالنبات بما يسمح للجراثيم السابحة الوصول إلى البويضات وتلقيحها كما هو الحال في النباتات المائية. خلق الله تعالى حبوب اللقاح والجراثيم المنقولة بالهواء في التلقيح الهوائي وبالحشرات والحيوان والإنسان. المشكلة التاسعة: تحتاج إلى انتقال أنسالها المستقبلية من مكان إنتاجها إلى بيئات جديدة وأماكن بعيدة منعًا للتكدس وبحثا عن الرزق وحياة أخرى والتغلب على تثبيت الجذور وأشباهها للنبات في التربة الأولى. خلق الله تعالى لهذه النباتات آليات لانتثار وانتشار الجراثيم والثمار والبذور تحملها إلى مسافات بعيدة فخلق لها براشوتات وأجنحة وخطاطيف تلتصق بها في فراء الحيوان وعوامات للعوم، ومقاليع ومنجنيقات للقذف والرمي لتصل إلى أماكن جديدة في إبداع وتقدير عجيب وكل هذه الحلول للمشاكل السابقة هي الترجمة العملية لقول الله تعالى (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه 50). فهل يعقل أن حل هذه المشكلات وجد بالمصادفة والعشوائية من دون خالق عليم خبير كما يدعى الملحدون والعَلمانيون؟!! ما خلق الخالق سبحانه وتعالى للمجاميع الفطرية في البيئة الأرضية خصائص معجزة تجعلها تقوم بوظيفتها في البيئة الأرضية الرطبة، فتوجد مجموعات فطريات التربة حيث تقوم الفطريات مع غيرها من الكائنات الحية الدقيقة بدور مهم في خصوبة التربة، وتسود الفطريات غيرها من الكائنات الحية في المخلفات النباتية في الأراضي الغنية بالمواد العضوية حيث تعتبر الفطريات العامل الحيوي الأول المسؤول عن تحلل المواد العضوية في الأوساط الحامضية، ولكل نبات من النباتات مجموعة من الكائنات الحية الدقيقة -وخاصة الفطريات- تعيش في محيطه الجذري في منطقة تسمى بالجذر محيطية أو توجد على سطح الجذور ((Rhizoplame وهي المسؤولة عن خصوبة التربة والإنتاج النباتي المرتفع لبعض النباتات الأخرى. وهناك الفطريات المرتبطة بالجذور تعيش على سطح الجذر أو في المحيط حولها وبعضها يتعايش مع جذور النباتات البذرية مكونة الجذر فطريات (الميكوريزا) وتقوم بدور مهم للنبات وتحلل المواد السامة في التربة وتعمل عمل الجذيرات في امتصاص الماء من التربة وتوصيله إلى جذور النبات وإذا غابت هذه الفطريات مات النبات البذري الضخم عطشًا لعدم تمكنه من امتصاص الماء من التربة المحيطة بجذر عديم الجذيرات. وتوجد الفطريات التي تعيش على اللجنين وهو مادة معقدة التركيب تستعصي على النبات والحيوان ولكن توجد مجموعة فطرية تستطيع تحلل اللجنين والعيش عليه وهي تؤدي إلى تحلل الأشجار بعد موتها في الحقول والغابات. وتوجد الفطريات المحللة للسليلوز وهو عبارة عن مادة كربوهيدراتية معقدة التركيب، وتوجد العديد من الفطريات التي تعيش على السليلوز وتحلل أوراق النبات الساقطة في التربة وكذلك ألياف وقروع النبات وتحوله إلى سماد عضوي تتغذى عليه النباتات الحية. وتوجد مجموعة الفطريات التي تعيش على الكرياتين كالشعر والأظافر وأظلاف الحيوانات وتحللها وتستخدمها كمصدر غذائي نيتروجيني وهي المسؤولة عن تحلل شعر وأظافر وأظلاف وجلود الموتى من البشر والحيوان. وتوجد الفطريات التي تتطفل على الحشرات وتفترس بعض الديدان في التربة وتستخدم في المقاومة الحيوية. وتتناوب على روث الحيوانات وغائط البشر بالتناوب مجموعات فطرية تبدأ بفطريات مجموعة الميوكورات يتبعها الفطريات الزقية وأخيرا تظهر الفطريات البازيدية وهذا التتابع الفطري على الروث والغائط يعود إلى النوعية الغذائية المتاحة في كل مرحلة، ففي البداية يلاحظ أن الروث يحتوي السكريات والهيميسليوز والنيتروجين وهذا ينشط فطريات رتبة الميوكورات ثم بعد ذلك يسود السليلوز، ما يؤدي إلى ظهور الفطريات الزقية وفي النهاية يتبقى اللجنين وهذا يؤدي إلى ظهور الفطريات البازيدية. يا له من تتابع عجيب ومنظم للغاية ويا له من تخصص في المواد الغذائية للفطريات يدلل على الإتقان والإحكام في الخلق، وأنه لا عشوائية ولا مصادفة في خلق الفطريات وجميع الكائنات الحية الخلق (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) (لقمان 11) (انظر الكائنات الحية والبيئة (2)، نظمي خليل أبو العطا موسى وخاتون حميد صنقور، إدارة المناهج، مملكة البحرين (ط 2) (ص 67)، (ص 86). (1995م).
مشاركة :