عند اطلاعنا على العادات الغريبة لبعض الكتّاب والشعراء، لابدّ أن يتوارد للذهن سؤال وجيه، وهو كيف كانت عادة نجدة عندما كتب العديد من المؤلفات، وعشرات المقالات والبحوث لفترة امتدت منذ الأيام الأولى لشبابه وحتى آخر مرحلة من حياته. كما يدور التساؤل عن الظروف التي كان يتعايش معها أثناء الكتابة، وكيف كان يوفر الوقت المناسب لها، وهو المعروف بسعة علاقاته الثقافية والاجتماعية. وربما يرغب القارئ في معرفة الأجواء التي يجد فيها نجدة راحته ليفكّر ويسترسل بالكتابة، خاصة عندما كان يعدّ مقالة كل يوم، لتُنشر في جريدة الشرق الأوسط الدولية، وهي ما عرفت بعنوان (هذا اليوم في التاريخ)، التي تواصل نشرها سبع سنوات دون انقطاع. وللحديث عن ذلك، نشير أولاً إلى حياته اليومية التي كانت تبدأ حين يستيقظ مبكراً ويفتتح نهاره بشرب (كوب من الشاي بالحليب)، وسرعان ما يتجه ليغير ملابسه، إذ كان لا يشعر بالراحة إلا بكامل هندامه، ثمّ يتوجه بعدها إلى غرفة المكتبة التي كانت مكانه المفضل، ثمّ منضدة الكتابة التي ربما كانت تلهمه أفكاراً جديدة، فيقضي منكباً عليها ساعات ولا يود مغادرتها، وهو بذلك كان يشعر براحة بين كتبه التي تكاد رفوفها تناطح سقف مكتبه، وتشمل موضوعات مختلفة ومصادر يشير إليها في مؤلفاته وبحوثه. ومن عادته أثناء الكتابة، أن يولع السيجارة الأولى ليهيئ بها فكره للموضوع الذي يبحث فيه، ولا يحتاج بعدها إلى ولاعة، لأن سيجارته التي تنتهي لا تلبث تولع ما بعدها، ويستمر بتدخينه مادام فكره مشغولاً في بحث موضوع معين.. إلا أن تلك العادة عرّضته لنوبة قلبية كان سببها التدخين المستمر والإرهاق الفكري، فنصحه الأطباء بالكف عنها فاستجاب للنصيحة مع كونها باتت متأخرة. أما أهم مطلب له أثناء الكتابة فكان الهدوء والسكينة، وهو ما كان ييسّر لخواطره ما يريد إبداءه، وبالأخص عندما يتعلق الأمر بوقائع أو أحداث ماضية كان يحرص أن يكتبها بكل دقة وأمانة. ولثقته بما كان يكتب، فقلما كان يعود لقراءة ما سبق وأتى عليه. وعندما ينتهي من مدوّنته، كان يفضل استعمال آلة الطابعة بدلاً من الحاسوب (الكمبيوتر) الذي لم يحبّذ التقرب منه على الرغم من انتصابه قابعاً في زاوية من الغرفة من دون استعمال، إذ كانت تبدو له الطابعة أسهل استخداماً في تلك الحالات، ولعل إيقاعها الموسيقي المتقطع حين تعمل، وصوتها المتناغم مع تسلسل أفكاره، يحفّزه ويثير لديه تركيزاً أعمق في تلك الحالات. وهكذا كانت حالته حين يكتب، وفي عرضها ربما تكون استكمالاً لبحث تجده عن غيره من الأدباء والشعراء خلال تفرغهم للكتابة، التي كانت تركة ثمينة للأجيال القادمة.
مشاركة :