تعد «الخريبة» من أجمل وأهم المواقع الأثرية في العلا (شمال غرب المملكة العربية لسعودية) وتقع في شمالها الشرقي، وأصبحت بطبيعتها الجاذبة، وآثارها الرائعة لوحة جمالية مفتوحة للزوار ووجهة سياحية رئيسة. وتتميز الخريبة بجبالها ذات اللون الأحمر القاتم، والتي أصبحت متحفا مفتوحا من خلال ما عثر فيها من نقوش لكتابات ورسومات توثق للحضارة اللحيانية التي عاشت في شمال غربي الجزيرة العربية، وحكمت المنطقة قبل القرن السادس قبل الميلاد. < كما أن موقع الخريبة هو جزء من أطلال مدينة دادان القديمة، وهي حاضرة مملكة دادان العربية ثم مملكة لحيان التي أعقبتها في حكم المنطقة، وقد برزت سيادة دادان على المنطقة خلال القرن السابع قبل الميلاد، وامتد نفوذها إلى كثير من المواقع المجاورة، في حين امتد نفوذ مملكة لحيان من القرن السادس قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد، ودلت الشواهد الأثرية على فترات متفاوتة تجمع بين القوة والضعف لهذه المملكة التي حكمت معظم أنحاء شمال غرب الجزيرة العربية. وتحوي الخريبة على عدد من المواقع الأثرية من أهمها «مقابر الأسود» وهي مقابر أثرية منحوتة في الجبال على شكل أسود، و«محلب الناقة» وهو عبارة عن حوض دائري الشكل منحوت في الصخر، ويمكن النزول إلى وسطه بواسطة درجات منحوتة من الحجر ، كما توجد عدد من النقوش والصخر المنحوت، والآثار المتناثرة في الموقع، وقد وثقت النقوش في الخريبة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والدينية والاجتماعية للحيانيين. وتؤكد آثار الاستيطان البشري وبقايا الآثار المعمارية التي عثر عليها في موقع الخريبة، أنه كان يمثل مركز مملكة لحيان، حيث يضم الموقع مباني حجرية، تمثل بقايا وأطلال عاصمة مملكة دادان ولحيان. وتنتشر بالموقع العديد من النقوش الدادانية واللحيانية والمعينية التي ورد فيها ذكر لأسماء الأشخاص والقبائل، وتم تسجيل (108) مواقع للنقوش والكتابات القديمة والإسلامية في محافظة العُلا ومحيطها الجغرافي، ويعد جبل عكمة وجبل وأم دراج، أكبر مواقع النقوش اللحيانية التي تضم معلومات عن حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. كما عثر بموقع الخريبة على عدد وافر من الفخار، والمنحوتات الحجرية التي تُظهر تأثير المناطق الحضارية المجاورة في مصر وبلاد الرافدين، مما يؤكد دور العُلا كنقطة التقاء بين حضارات الشرق الأدنى القديم. وكشفت الحفريات الأثرية في موقع الخريبة عن قصر مربع الشكل له سور منيع وأربعة أبراج، وعثر بداخل القصر على نقش بالخط الكوفي، مما يدل على إعادة استخدام القصر خلال الفترة الإسلامية المبكرة. وسميت الكتابة باللحيانية نسبة إلى قبيلة لحيان، وهي إحدى القبائل العربية العريقة التي عاشت في شمال غرب الجزيرة العربية، وحكمت المنطقة قبل القرن السادس قبل الميلاد، وترك اللحيانيون حضارة نلمسها في الآثار الباقية في مناطق سكناهم والمتمثلة في أطلال المدن في الخريبة، بالإضافة إلى عدد كبير من النقوش التي تنتشر على الواجهات الصخرية والحجارة المنقولة، وفد انتهى حكم اللحيانيين على يد الأنباط في القرن الثاني قبل الميلاد، حيث انتشروا في شمال الحجاز. ويقول عالم الآثار الدكتور حسين ابوالحسن في دراسة له عن موقع الخريبة: «تعود الخريبة للحضارة اللحيانية وأقدمها، وإذ إنها تمثل جزءاً من (دادن) التي كانت عاصمة مملكة ديدان ولحيان ويضم الموقع مجموعة من التلال الأثرية منتشرة في الموقع تم التنقيب في جزء منها (المنقطة الواقعة بالقرب من الحوض الدائري المحفور في الصخر) وكشفت نتائج الحفريات عن منشأة دينية بالإضافة إلى كم كبير من المعثورات والنقوش الكتابية والمجامر، وكسر الأواني الفخارية». ويضيف: «كما يوجد بالخريبة عدد من المقابر المنحوتة في سفح جبل دادان (جبل الخريبة) على ارتفاعات متفاوتة، وتختلف هذه المقابر عن بعضها البعض، فمنها ما هو على شكل غرفة منحوتة في الصخر حفر بداخلها مجموعة من المدافن على شكل مستطيلات تتوزع في أرضية الغرفة وجدرانها، وهذا النوع من المقابر يشبه إلى حدٍ ما تلك المقابر الموجودة في الحجر (مدائن صالح) من الداخل إلا أن مقابر الحجر تتميز عنها بدقة النحت وتخطيط المقبرة من الداخل والاهتمام بالعناصر الزخرفية على الواجهة من الخارج، وهذا ما تفتقده مقابر الخريبة، وهناك نوع آخر من المقابر عبارة عن تجويف بشكل متوازي المستطيلات يتسع لجنة شخص واحد، وتتراوح أبعاد هذا النوع من المقابر بين مترين ومترين ونصف طولاً، وستين إلى ثمانين سنتيمتراً عرضاً وسبعين سنتيمتراً إلى متر ارتفاعا، كما توجد بعض المقابر على شكل حفرة مستطيلة في أرضية الجبل تتسع لجثة واحدة، وبعض هذه المقابر تحمل نقوشاً كتابية بأسماء أصحابها، وتعد مقبرتي الأسود من أبرز مقابر الخريبة حيث تميزت بنحت أربعة أسود كل أثنين على مقبرة». وعرفت مملكة لحيان في الكتابات والنقوش المعينية باسم ددن وكان يحكمها ملوك تابعون لمملكة معين، وكان ملوك معين يعينون حكاماً على مستوطنة دادان باسمهم، ودرجة «كبر» اي من الكبراء حسب طريقتهم في تقسيم مملكتهم إلى «محافد» أي أقسام، يكون على كل محفد أي قسم من المملكة رئيس من الكبراء، يتولى الحكم باسم الملك في المسائل العليا وفي جمع الضرائب التي يبعث بها إلى العاصمة وفي المحافظة على القوافل التجارية. وقد عثر على كتابات معينية كثيرة ذكرت فيها أسماء «كبراء» حكموا دادان باسم ملوك معين. وأظهرت الأعمال الأثرية في جنوب الجزيرة العربية وشمالها أن مملكة لحيان قد عاشت كشعب في شمال الجزيرة العربية، وامتد سلطانها حتى شمل معظم أجزائها الشمالية، وقد توسعت من الخريبة حتى شملت مدينة العلا بحجمها الحالي جنوباً، وامتدت حتى قبيل مدائن صالح (الحجر شمالاً)، وهذا ما استدله العلماء من انتشار الكتابات اللحيانية في المنطقة؛ مثل: جبل الخريبة، وجبل عكمة، ووادي ساق، وتلعة الحمادي، وأبي عود وغيرها. وقامت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بأعمال تطوير في موقع الخريبة، تضمنت إنشاء مركز .زوار الخريبة، وهو يحوي قاعة لكبار الزوار، وقاعة للعرض المرئي، إضافة إلى إنشاء مركز للأبحاث، وتنفيذ ممرات حجرية في الموقع، كما زود الموقع بلوحات إرشادية وتعريفية تضم معلومات وصور عن تاريخ الموقع وآثاره.
مشاركة :