توجه وفد من شيوخ محافظة الأنبار العراقية إلى واشنطن لطلب الدعم العسكري لمواجهة «داعش». حصلوا على كثير من الوعود، منها توفير السلاح والمستشارين والمدربين العسكريين، فقط عليهم أن يحصلوا على موافقة رئيس الحكومة حيدر العبادي على الدعم الأميركي! أليس أمرا مضحكا؟ أميركا تنتظر موافقة العبادي للتسليح! العبادي يقول لعشائر الأنبار نحن سلمناكم بعض الأسلحة وقمتم ببيعها إلى «داعش»، فرد عليه أهل الأنبار بأن المتعاطفين مع «داعش» هم قلة، مثلهم مثل الأوروبي والأفريقي والآسيوي الذي يهاجر من أرضه للانضمام إلى «داعش»، وأن هذه الذريعة ليست مقنعة للامتناع عن توفير السلاح لأكبر محافظات العراق وأكثرها تعرضا لهجمات «داعش»، والتي طردت «القاعدة» من أراضيها في 2006 حينما عجزت الحكومة المركزية. من السخرية القول إن تخلي الدولة العراقية عن العشائر في الأنبار والإيزيديين في الموصل اضطرهم للجوء إلى أكبر خصم للعرب وهي إيران، وإلى العدو الإسرائيل. يقول لقمان إبراهيم، أحد قادة الميليشيات الإيزيدية: «نحن نطلب من حكومة إسرائيل التدخل ومساعدة هذا الشعب.. سنشكركم إذا تم تقديم مساعدات عسكرية مثل تدريب القوات وإقامة طواقم عمل مشتركة. نحن نعرف ملابسات ومعاناة الإسرائيليين منذ قيام دولتهم من قبل العرب الذين نعاني منهم أيضا». أما رئيس مجلس إنقاذ الأنبار حميد الهايس فصرح: «الحكومة العراقية والتحالف الدولي تخلوا عن الأنبار. سيتوجه وفد رسمي من شيوخ عشائر الأنبار إلى إيران لطلب الدعم، فالإخوة الإيرانيون يملكون موقفا واضحا ضد (داعش)». الإعلام الغربي سلط الضوء كثيرا على مأساة الإيزيديين، وكانت هي شغلهم الشاغل لأكثر من أسبوعين، ولهم كل الحق في ذلك لأن «داعش» ارتكب في حقهم الفظائع، من مجازر واعتداء على العرض والمال وتهجير. إنما لم تحظ عشيرة «البونمر» العربية السنية بنفس الاهتمام، رغم أن واحدة من المجازر التي جرت في حقها راح ضحيتها نحو 500 فرد من العشيرة، ولا يزال أفرادها وغيرهم من العشائر يواجهون القتل والحصار في العراء. ومؤخرا، استهدف «داعش» الشيخ أورنس متعب الهذال، ابن شيخ مشايخ قبيلة عنزة، أكبر القبائل العربية، الممتدة من جزيرة العرب حتى الأردن والعراق وسوريا، في مضيفته في الرمادي، لأنه رفض مبايعة البغدادي، ولم يجد الكثير من أسرته بعد الحادثة إلا اللجوء إلى أهلهم في السعودية. وقتلت ميليشيا الحشد الشعبي الشيعية المتعاونة مع قوات الأمن العراقية 70 مدنيا سنيا في ديالى ولم يحرك أحد ساكنا، كل ذلك لأن السنة أصبحوا بظهر مكشوف. وفد العشائر إلى واشنطن حصل من المسؤولين الأميركيين أيضا على وعد بتفكيك الميليشيات الشيعية، وحصر السلاح بيد الدولة. عبارة سمعناها كثيرا في لبنان واليمن، ومع ذلك ظلت هذه الميليشيات في كل البلدان الثلاثة قائمة، باقية، وتتمدد، وكلها محسوبة على إيران. فهل تملك إيران كل هذا المال للإنفاق على ميليشيات الحشد الشعبي و«حزب الله» والحوثيين والآن عشائر الأنبار؟ بالتأكيد أنها تملك المال، لكنها وكما أثبتت تقارير استخباراتية طالت يدها الخزينة العراقية. الحرب الآن حرب المال والسلاح، من قبائل اليمن إلى عشائر العراق. المال هو الذي يحسم المعركة. ودول الخليج، المعنية الأولى بكل هذه التطورات، تملك المال والتأثير السياسي، وعليها إعادة ترتيب أوراقها وتقوية موقعها في هذه الدول قبل أن تهيمن إيران، المعاقبة والضعيفة اقتصاديا، على كل المنطقة. وإن كانت دول الخليج قلقة من مفاوضات ملف إيران النووي فإن وعد أوباما بالانتهاء منها في الربيع المقبل قد يجعلنا نقف جميعا أمام حقيقة موجعة، وهي أن إيران عمليا لم تعد بحاجة إلى صاروخ نووي، لأنها في الواقع أحكمت قبضتها على معظم الدول العربية التي كانت حاجز صد لتمددها، وفي أقل الأحوال سيكون لها في كل دولة فرع آخر لـ«حزب الله». بعدما أذيع نبأ الميتة البشعة للطيار الأردني معاذ الكساسبة، خرج المحللون الأميركيون على قناة الـ«سي إن إن» يحملون سؤالا واحدا: كيف يمكن القضاء على «داعش» والأموال تأتيه من بيع النفط في السوق السوداء ولبعض الدول مباشرة، والممرات من وإلى سوريا عبر تركيا مفتوحة لتحركاته ولناقلات النفط المباعة، وله مقرات على الأراضي الإيرانية المحاذية لتركيا، وليس بيد التحالف سوى الضربات الجوية بهدف تأخير تقدمه وليس هزيمته! بالفعل، «داعش» يملك دعما آيديولوجيا ولوجيستيا جعل منه هذا الغول الكبير. مذيعة الـ«سي إن إن» كريستيان أمانبور شرحت للمشاهد الأميركي تفسير حديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): «لا تعذبوا بعذاب الله» أي النار، وقالت إن الحرق «حرام» في الإسلام. جزاها الله خيرا، قالت ما لم يقله بعض المسلمين في الدول الإسلامية، الذين اجتزأوا كلام ابن تيمية واستخدموه لشرعنة الجريمة البشعة. نسيت «أمانبور» أن تقول إن مقتل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب (رضي الله عنهما)، جاء أيضا وفق رؤية شرعية من القتلة، فتوى، أجازوا لأنفسهم من خلالها ارتكاب الجريمة في حق اثنين من الخلفاء الراشدين. داعش لديها كل مقومات القوة؛، المال والأرض والقدرة على الحشد، في وقت يتلكأ فيه قادة التحالف عن الحد من تحرك الجماعات المسلحة رغم رصدهم لكل خطوة بالطائرات والأقمار الاصطناعية. «داعش» يحتجز رهائن من جنسيات مختلفة أميركية وأوروبية وعربية وآسيوية، ويجتهد في إخراج أفلام الاغتيالات بتقنيات سينمائية عالية، لكنه بكل هدوء وسلاسة أعاد 46 رهينة تركيا إلى أنقرة من دون طلب فدية، ومن دون أن يصاب أحدهم بخدش، في عملية كشفها الإعلام الغربي لاحقا. وحتى اللحظة، رغم وجود الآلاف من الحرس الثوري الإيراني في العراق وسوريا، لم نر على الشاشة داعشيا يضع السكين حول رقبة إيراني واحد. المصالح في المنطقة تداخلت واختلطت وصار من الصعوبة فرزها، إنما تظل السعودية وأميركا وتركيا وإيران وروسيا هم فعليا من يعالجون الملفات الموضوعة، ولأنهم مختلفون في التشخيص اختلفوا في العلاج، و«داعش» ليس سوى قيح من جرح سوريا الذي أهمل حتى بات يهدد كل الجسد.
مشاركة :