مدارس خاصة تعاقب متعثري سداد الرسوم بأبنائهم

  • 1/20/2019
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق : جيهان شعيب الرحمة تسبق العدل، هذا مبدأ إنساني، وقاعدة سلوكية، المفترض أن ترتكز عليها التعاملات المختلفة، ولكن هناك من لا يلتفت لها، ولا يبالي بها، ويغلّب مصلحته، ويدوس إنسانيته، ويلهث وراء تحقيق غاياته الربحية، على حساب كل ما عداها، والقول - للأسف- ينصب على بعض المدارس الخاصة التي تتعامل «بالسيف والقنطار» مع أولياء الأمور متعثري سداد رسوم الأقساط المدرسية لأبنائهم، والذين منهم من يصبحون قاب قوسين أو أدنى من بيع القليل الذي لديهم للإيفاء بما عليهم، ويصل الأمر ببعضهم إلى حد مد اليد لمن حولهم، تسولاً لما يمكن أن يقدمونه للمدرسة، حتى تسمح ببقاء الأبناء على مقاعدهم الدراسية فيها.والمحزن أن التلميذ أو الطالب من ذوي الدخل المحدود، أو من تعرضت أسرته لضائقة مالية، جراء توقف الأب عن العمل، أو غيره، ولم يسدد القسط هذا، أو ذاك للمدرسة، يصبح كبش الفداء أمامها، وتحمّله المدرسة جريرة تقاعس ولي أمره عن سداد الرسوم، وتعتبرها ربما جريمة كبرى، تنزل فيها عقابها على الطالب بحرمانه من الكتب، أو بمنعه من الدوام المدرسي، أو من دخول الفصل الدراسي، وبالطبع من أداء الامتحانات، وإن تنازلت وعطفت قليلاً وسمحت له بالاختبار، فلن يحصل على الشهادة، إلا إذا دفع والده ما عليه من متأخرات مالية، وهكذا يتحول الطالب إلى شبه متهم في نظر وتعامل المدرسة معه، ومثار تندر بعض زملائه، وضحية ظروف أسرته في عرف الإنسانية، ويتحول، للأسف، تعثر أسرته إلى ذنب عليه دفع ثمنه، بما يؤدي لتأذي نفسيته، وضعف مستوى تحصيله، وربما يكره الاستمرار في الدراسة، وفي ذلك حالات كثيرة.والمؤسف أن بعض هذه المدارس الخاصة التي ترفع لواء التعليم والتربية، وتتشدق بارتقاء مستواها، وكفاءة كادرها، وجماليات المكان الذي تشغله، وتحضر برامجها، وأنشطتها، و،و،و.. من بنود السلسلة الطويلة من مفردات التفاخر بنموذجيتها، وبالنتائج التي يحققها طلبتها، تتناسى أن عليها ما يجب أن تقدمه للمجتمع، فالأخذ يجب أن يقابله عطاء. ومثلما لا تتغاضى عن تحصيل ربحية مرتفعة، ولا تتنازل قليلاً أمام من تقعسه ظروفه، يأتي السؤال أين دور هذه المدارس من المسؤولية المجتمعية، أين موقعها من التكافل الاجتماعي؟ وليس المقصود هنا أن تفرط في حقوقها، ولكن أن تشارك في الدور الإنساني، بالتسلح بقليل من المرونة تجاه من يستمهلونها، أو يتأخرون في سداد بعض أقساط الرسوم الدراسية لأبنائهم، وأيضاً ألا تأتي بقسوة على حق الطالب محدود الدخل في الدراسة وسط زملائه دونما إيذائه نفسياً، وإشعاره بالنقص والدونية عنهم، وألا تجلده بسوط إجراءاتها المتعسفة من الحرمان .القضية ليست هينة، فشكاوى أولياء الأمور ممن أعجزتهم ظروفهم عن سداد أقساط أبنائهم، ترد دوماً باكية، وشاكية قسوة بعض مدارس «الإذلال» والتعنت، ومن شواهد الأمر ما يرويه «س. ع» من حرمان طفله من الحصول على الشهادة في نهاية عامه الدراسي الأول، لعدم دفع الرسوم كاملة، والتعنت الكامل في قبول نصفها الى حين استكمالها للمدرسة. وتروى الأم «حنان.ن» أن زوجها أنهيت خدماته من عمله، فلم يتمكن من سداد أقساط ابنيه، وحاول مع المدرسة كثيراً تأجيلها الى حين إيجاده فرصة عمل، ورفضت مسؤولة المدرسة تماماً، وظل محاسبها يلح في طلب الأقساط، الى أن منعت المدرسة الطالبين من الداوم، مع تراكم الأقساط، وتزايدها، وفي الوقت ذاته رفضت إعطاء الأسرة أوراقهما لإلحاقهما بأية مدرسة خيرية، الى حين سداد المتأخرات، وظل الأمر معلقاً سنوات، مع بقاء الولدين في البيت، وضياع سنوات من عمرهما بلا طائل، ومدت الأسرة يدها للجميع الى أن تمكنت مؤخرا من فك أسر الولدين اللذين لا يزالان في المرحلة الإعدادية، وزملائهما اشرفوا على إنهاء المرحلة الثانوية. الأثر النفسي حول الأثر النفسي الذي يقع على الطالب متعثر سداد الرسوم، الذي تعامله مدرسته الخاصة بصلافة، وتشعره بالدونية، والاختلاف عن زملائه، يقول الاختصاصي النفسي د. علي الحرجان: حالات كثيرة وردتني من هذه النوعية، كان الأبناء فيها يعانون الانعزالية، والإحباط الدراسي، والاكتئاب، والقلق، واضطراب العلاقات الاجتماعية، والانطواء على النفس، وفقدان الرغبة والقدرة على التحصيل الدراسي، فيما يصاب قسم آخر بالعدوانية تجاه أفراد المجتمع ككل، والعنف، مقابل أبناء يلجؤون الى التدخين، وتعاطي الحبوب بسبب الاضطراب النفسي، والكراهية الداخلية للمجتمع، مع توالى أسئلتهم لأسرهم عن أسباب عدم استكمالهم الدراسة كأقرانهم، في حين، وبشكل عام، تخلق الفوارق الطبقية اضطراباً في نفسية الطفل وكراهية للمجتمع. وأيضاً يعاني الآباء والأمهات متعثرو الظروف المادية، الاضطرابات النفسية لشعورهم بالذنب والتقصير تجاه تدريس الأبناء، وسداد رسومهم الدراسية، فيما التعليم بشكل عام يعد حقاً من حقوق الإنسان، واستثمار للمجتمع، لذا يجب أن يكون مجانياً في أي من المدارس لمن يفتقر الى الإمكانات المادية، لا سيما في إمارات الخير، التي تبادر جمعياتها الخيرية، وأهل الإحسان فيها بمد اليد، والمساهمة، بما يستلزم أن تكون المدارس الخاصة شريكاً في ذلك، وألا تنظر الى الجانب الربحي فقط، لاسيما وأن التعليم الخاص في كثير من دول العالم المتقدمة، يعتبر وقفياً، وليس ربحياً. دور مجالس الأولياء ورداً على سؤال عن دور مجالس أولياء أمور الطلاب والطالبات في التواصل مع المدارس الخاصة لاعتماد المرونة في التعامل مع متأخري سداد الأقساط، قال محمد راشد رشود، رئيس مجلس أولياء أمور الطلاب والطالبات بدبا الحصن التابع لمجلس الشارقة للتعليم: نسمع كثيراً عن تعدد شكاوى بعض أولياء الأمور من المدارس الخاصة، في شأن رفض بعض هذه المدارس الخاصة تسليم الشهادات المدرسية للطلاب، لامتناع بعض أسرهم عن تسديد الرسوم الدراسية، إما بسبب عسر مادي، وإما لظرف طارئ لذلك.ولنكن منصفين، فإن ولي الأمر طالما اطلع على لائحة الرسوم والإجراءات المتبعة، ووافق ووقع على الشروط، فعليه أن يلتزم بذلك، ومن جانب آخر على إدارات المدارس الخاصة مراعاة ظروف بعض أولياء الأمور المعسرين والتيسير عليهم بتأجيل الأقساط الشهرية المستحقة للرسوم الدراسية لأبنائهم، وأن تكون مرنة في هذا الشأن، وتساعدهم بدراسة حالاتهم بالتعاون مع مجالس أولياء أمور الطلابة والطالبات، أو مجالس أولياء أمور المدرسة، ورفع حالاتهم الخاصة للجمعيات الخيرية.أما رفض بعض المدارس الخاصة تسليم الشهادات المدرسية للطلاب متأخري سداد الأقساط، فهذا قرار تعسفي لأنه لا ذنب لهم في ذلك، ومن حقهم أن يتعلموا ويحصلوا على الشهادات العلمية، فيما نطلب من الجهات المختصة إعادة دراسة القوانين الخاصة بالمدارس الخاصة، ومراعاة بعض الأسر المعسرة. مبادرة نوعية وأضاف سهيل الكعبي عضو مجلس إدارة مجلس أولياء أمور الطلاب والطالبات في المنطقة الوسطى: لابد ونحن في عام التسامح من إنشاء صندوق خيري في المدارس الخاصة للطلبة ذوي الدخل المحدود، كمبادرة نوعية منها، وتقاضي 50% أو 25% فقط من الرسوم الدراسية المستحقة، وعدم التركيز على الجانب المادي الربحي فقط، ودعوة الجمعيات الخيرية للنظر في أوضاع أسرهم، وأيضاً على رجال الأعمال التدخل في كفالة هؤلاء، حيث -للأسف- شاهدت بعيني أطفالاً صغاراً يعملون في أحد الأسواق كحمالين، لتوقفهم عن الدراسة لضيق ذات أيدي أسرهم، وعدم تسديد رسومهم الدراسية.أما مجالس أولياء الأمور فدورها مجتمعي، بالتدخل لحل مشاكل الطلاب، والقيام بزيارات مختلفة للمدارس للتوجيه والنصح، وغيرها، وليس مخاطبة المدارس الخاصة بخفض الرسوم الدراسية، أو التغاضي عن سداد أقساط. الجمعيات الخيرية وفي سؤال عدد من مسؤولي المدارس الخاصة عن دورهم -المفقود ضمناً- تجاه الطلبة من متعثري سداد الرسوم الدراسية، رفضوا الحديث، وألقوا بتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي على كاهل الجمعيات الخيرية، وتنصلوا من مسؤوليتهم المجتمعية، فلجأنا إلى مسؤولي الجمعيات الخيرية للوقوف على دورهم في هذا الصدد، وحجم مساعدتهم، فقال علي حسن العاصي رئيس لجنة الأسر المتعففة في أم القيوين: العام الماضي دفعنا ما يتراوح بين 3 الى 4 ملايين درهم رسوماً دراسية للطلبة المحتاجين، وللأسف الشديد بعض المدارس الخاصة تستغل أن أبناء الأسر محدودة الدخل مسجلون في جمعيات خيرية فتلجأ في منتصف العام الدراسي قبيل الامتحانات الى طردهم للضغط على الجمعية الخيرية، أو على ولي الأمر لتسديد الرسوم، وهناك مدارس تلجأ الى إخراج الطالب المتعثر من الحصة الدراسية، أو من الطابور الصباحي، وإخباره أمام زملائه بتقاعس والده عن سداد الأقساط، بما يشعره بالإهانة والانكسار، ويهبط بمستوى طموحه، رغم انه قد يكون مجتهداً، لكن حالة والده المادية سيئة، لإنهاء عمله، أو لقلة راتبه، مع رغبته في تعليم ابنه بصورة جيدة، في حين أن بعض المدارس الخاصة تسعى لتحقيق كسب مادي فقط، من دون الاهتمام بتوفير تعليم متميز، مقابل مدارس خاصة أخرى تتعامل برقي وتحضر، حال تلقت كتاباً بالالتزام بسداد الرسوم الدراسية المتأخرة، واعتقد ان على المناطق التعليمية في كل إمارة منع المدارس الخاصة من طرد أي طالب تعثر والده في سداد الأقساط. الأخذ بالظروف ومن الجانب الأسري نبه خالد الغيلي عضو لجنة الأسرة في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة الى أن على المدارس الخاصة الأخذ في الاعتبار الظروف الطارئة التي قد تلم ببعض الأسر، وتؤدي لتعثرها في تسديد الرسوم الدراسية، وألا تربط ذلك بحرمان الأبناء من أداء الامتحانات، ولا تحرجهم أمام زملائهم، وتنتقص من قدرهم، وقيمتهم، حتى لا تترتب على ذلك أضرار نفسية وعلمية.وعلى المدارس الخاصة اتخاذ إجراءات ميسره وسرية في مثل هذه الحالات، وتحويل الرسوم الى أقساط ميسرة، يستطيع أولياء الأمور سدادها، وبذلك نحقق الهدف المرجو دونما عواقب على الطرفين، بما يصب أيضاً في خانة المشاركة في المسؤولية المجتمعية، ونحن، بفضل الله، في وطن يحمل روح التسامح، ويتميز بالتعاون والتكافل ما بين الجميع. إعانة المكروب نص الشرع على التكافل الاجتماعي، وإعانة المكروب، والتيسير على ذوي الدخل المحدود، وعن ذلك قال د. عزيز فرحان العنزي: جاء الإسلام بخلق يمثل أعظم الأخلاق ألا وهو التيسير على المعسرين، وتفريج كرب المكروبين، والوقوف مع الآخرين في نوائبهم، وما يطرأ على حياتهم، يقول جل وعلا «إنما المؤمنون إخوة»، ويقول جل وعلا«وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان». ولما كان التعليم حقاً مشروعاً للجميع، لأن الإسلام دعا الى العلم، والمعرفة، ورفع الجهل عن الآخرين، فمن الواجب على الجميع أن يتعاونوا لتحقيق هذا المقصد العظيم، وحينما يتعثر طالب في مواصلة الدراسة، فمن الواجب الوقوف معه لتجاوز محنته، وتفريج كربته، لأن المسلم يعيش للآخرين، وليس لنفسه فقط، وقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم «من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عنه في الدنيا والآخرة»، لذلك ينبغي على المدارس الخاصة ألا تستعجل في إيقاف دراسة الطلاب المعسرين، وان يكون لها منح سنوية لهم، وان تعقد شراكات مع الجمعيات الخيرية وغيرها لمساعدة من لا يستطيعون تسديد الرسوم الدراسية. ليست خيرية قال د. سعيد الكعبي رئيس مجلس الشارقة للتعليم: التعليم حق لكل طفل، ويجب ألا يحرم منه لأي سبب كان، لان حرمانه من ذلك يسهم في أننا نربي مجرماً مستقبلاً، أو مشرداً، أو جاهلاً، وفي كل الأحوال فلن يستطيع بناء المجتمع، ولذا فإما أن نربي إنساناً صالحاً، وإما غير ذلك، واليوم بدلاً من أن يدفع المرء ملايين أو مليارات في هذا أو ذاك، الأفضل أن يعلّم طفلاً ليوم مستقبلي سيستفاد منه فيه.واليوم إن فرضنا أن رسوم التعليم الخاص مرتفعة في الدولة، بحيث لا يستطيع المقيم الإيفاء بها، فليرجع أبناءه للدراسة في دولته، ولا يربط مستقبلهم الدراسي به، حيث إن القضية بشكل أساسي تتعلق بأولياء الأمور، ووجوب موازنتهم لظروفهم المادية، بحيث لا يورطون أنفسهم في أقساط وخلافه، عدا ذلك فالجمعيات الخيرية إجمالاً، لا تستطيع سداد المتأخرات الدراسية المالية عن جميع الحالات، وفي الوقت ذاته فإن المدارس الخاصة لديها مصروفات، ومشاريع، وليست جهة خيرية، فيما من المفترض أن تخصص كل مدرسة نسبة معينة، للطلبة ذوي الدخل المحدود، وان تتبع المرونة مع الأسر التي تعرضت لمشكلات مادية، لا سيما وأن المجتمع، والقيادة الحكيمة تحث على التكافل الاجتماعي.

مشاركة :