زيارة وزراء خارجية الولايات المتحدة وإيران الأسبوع الماضي لبغداد، كان عكس صورة من الصراع على العراق بما ينطوي عليه موقعه من أهمية استراتيجية، سياسياً وأمنياً إضافة إلى الفرص الاقتصادية، وحمل كل منهما رسائل بدأ الكشف عنها تدريجياً خلال الأيام الجارية. ظريف في زيارته الأخيرة للعراق، التي تعد الأطول له في العالم، منذ تسلمه مهام وزارة الخارجية الإيرانية، التقى بالرئاسات الثلاث بالإضافة إلى أغلب زعماء المكونات السياسية العراقية سواء من خلال حضوره في قاعة مجلس النواب أم في مقابلات فردية، بمن فيهم المسيحيين والصابئة والإيزيديين، لكن الملفت كان عدم إجراء أي لقاء مع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أو من يمثله، سواء داخل تحالف الإصلاح والإعمار أو ككتلة سائرون. جمود العلاقات مع الصدر وفي هذا السياق قال المحلل السياسي رعد هاشم للعربية نت، إن عدم لقاء #ظريف مع أي جانب ممثل عن الصدر، هو بسبب الجمود بالعلاقات ما بين الطرفين، مشيراً إلى أن الصدر الذي يرفض أي تدخل في الشؤون العراقية، يزور حالياً لبنان في زيارة خاصة. أما عن رسائل التي مررها ظريف خلال زيارته للعراق، بيّن هاشم أن مدة بقاء ظريف ولقاءاته المتعددة مع مختلف الطبقات السياسية وحتى المجتمعية بضمنها شيوخ ووجهاء العشائر العراقية، يعد خروجاً عن الأعراف الدبلوماسية والبروتوكولات الملحقة بها، والذي أظهر الجانب الآخر من زيارته لجعل العراق منبراً ضد الولايات المتحدة. واستغرب هاشم عدم وجود أي رد رسمي من الحكومة أو من الخارجية العراقية حول تحركات ظريف داخل #العراق ، مشيراً إلى أن إدراج هذه اللقاءات لم يعرف إن كان مفروضا من الجانب الإيراني أو كان بالتنسيق مع الجانب العراقي. ذروة الصراع الصراع بين واشنطن وطهران الذي اعتبره المراقبون بأنه سيصل ذروته في الأيام القادمة، خاصة وبعد تسريبات نقلت عن وزير الخارجية الأميركي مايك #بومبيو بإبلاغه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي من عدم تمكن واشنطن بالوقوف أكثر أمام تل أبيب من ضرب أهداف تابعة لإيران داخل العمق العراقي. وبالمقابل النظام الإيراني كان شدد موقفه من خلال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بأنهم لن يسمحوا للمسؤولين الأميركيين بالتدخل في العلاقات الإيرانية - العراقية، مشيرين إلى إمكانية استخدام جميع أوراقهم للحفاظ على امتيازاتهم الكبيرة في العراق. إذ توعد جواد الطليباوي المتحدث باسم ميليشيا عصائب أهل الحق الذي يتزعمه قيس الخزعلي والتابعة لإيران، القوات الأميركية في العراق بالمواجهة بأساليب وضربات قتالية مختلفة، على خلفية تهديد بضرب فصائل من الحشد الشعبي من قبل إسرائيل. إيران تستخدم أوراقها وأضاف الطليباوي، إذا ما أقدمت الإدارة الأميركية على شن عدوان على ما أسماه بمحور المقاومة فإنها ستواجه أساليب وضربات قتالية تختلف عن سابقاتها التي جعلتها تجر معها أذيال الهزيمة من أرض العراق، بحسب تعبيره. وكان النائب عن تحالف البناء منصور البعيجي، كشف عن وصول قانون إخراج القوات الأجنبية من الأراضي العراقية من اللمسات الأخيرة، وسيتم تقديمه إلى رئاسة مجلس النواب لإدراجه على جدول الأعمال من أجل تمريره داخل قبة البرلمان بأسرع وقت ممكن. ووفقاً للمحللين، فإن تشريع قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق هو انعكاس لرغبة إيران، والذي يشير إلى دخول صراع النفوذ في العراق مرحلة جديدة من التصعيد، بعد تكثيف الولايات المتحدة جهودها بهدف فك ارتباط بغداد عن طهران سياسياً واقتصادياً. موقف حكومة عبد المهدي من هذا الصراع، يمكن ترجمته بأنه يرتكز على تجنب استفزاز كل من طهران وواشنطن حتى اللحظة، وذلك في ظل الظروف الغامضة التي أحاطت بحصوله على منصب رئيس الوزراء، فهو لم يكن حليفاً علنياً للولايات المتحدة، ولا خصماً للنظام الإيراني. الطاقة مقابل رفض العقوبات كل هذا يأتي بالتزامن مع وعود كبيرة قطعتها إيران لجهة مساعدة العراق على حل مشاكله المعقدة، خاصة في مجال الطاقة، التي ترهنها بموقف بغداد من العقوبات الأميركية على إيران، والتي تحثها باتجاه الوقوف ضدها. وكان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو حمل في زيارته الأخيرة للعراق ملفاً حول مهلة الإعفاء الأميركية للعراق تنتهي في مارس / آذار المقبل، والتي تتطلب تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، بعد عجزه، والاعتماد على الطاقة الإيرانية. وفي غضون ذلك، أفادت مصادر مطلعة أن رئيس الجمهورية برهم صالح، سيزور واشنطن قريباً لبحث استثناء العراق من العقوبات الأميركية ضد إيران، في حين أن الاستثناء المؤقت الذي أقرته الإدارة الأميركية بخصوص استيراد الغاز الإيراني لإمداد الكهرباء في العراق ستنتهي في مارس / آذار المقبل. وفي ظل هذه التحديات يبقى واقع الانتقال إلى حكومة عراقية مستقرة متعثر، كونه يتطلب مواجهة المزاج الإقليمي والدولي والتخادم السياسي الداخلي والأجندات الدينية والقومية، من أجل حكومة لها برامج خدمية قابلة للتنفيذ بالاستناد إلى جملة من الإصلاحات القضائية والقانونية والادارية والهيكلية التي تحضر في إطارها ملفات تمكين الاستقرار ومكافحة الفساد والعدالة الانتقالية كمتغيّر مهم في مسار تحقيق الإصلاح والتغيير.
مشاركة :