«هذه الأرض لي والكون لي..» هذه الكلمات لمحمود درويش التي فيما يبدو ترنّمَ بها ذات رحيل، خلف هذه الكلمات يتراءى للمتابع لدرويش والمحب لكلماته أنها أضاءت في ذاكرته جراء كثير من الحوافز أحدها كثرة الأسفار وقوة الإحساس، السفر يمنحك إحساساً بالحرية والجمال، بامتلاك الكون بأكمله يجتاحك هذا الإحساس بقوة حتى لو لم تكن ثرياً تملك الأراضي والقصور والميادين والبساتين والغابات الشاسعة، يكفي أن تتتحرر من تفاصيل الحياة اليومية التي تستغرقك وتستنزف وقتك دون استئذان، تتأمل الأرض والسماء والبحر ونعم الله التي تمتد بلا انتهاء على هذا الكون، يصبح الرحيل أكمل وأجمل حين يكون في أرض بعيدة ليست هي أرضك ومناخ ساحر عجيب ليس هو ذاته الذي ولدت ونشأت فيه، هنا فقط يفيض بين أضلاعك إحساس جميل بأن أحلامك أصبحت على بعد خطوات منك، وأصبحت تردد بفرح كما رددت كاتبة تلك الرواية الجميلة «كم بدت السماء قريبة؟!» **** تمضي الأيام خاطفة كالأحلام بما تحتويه من لحظات وإشارات، انعطافات وتلميحات، يمتزج الحلم بالواقع فلا تدري أيها كان حلماً عابراً وأيها كان واقعاً مشهوداً، لكنها حين فتحت عينيها في تلك اللحظة تتذكر جيداً بأنها رأت رؤيا عابرة حقاً حين تسلل النوم إلى جفنيها، كأنما كانت في تلك المنطقة المرتفعة ذاتها التي زارتها هذا اليوم، كانت في حالة انبهار ودهشة طوال الوقت، سعيدة بذلك الاكتشاف الجديد، حين رفعت رأسها إلى أعلى كان ثمة كائن يحدق بها طويلاً عرفت من خلال اطلاعها وقراءاتها السابقة أنه الموت، كان مخيفاً إلى درجة أنها لاتريد التلفظ بالرمز ولا بالإسم، تذكرت كثيراً من الأحبة فقدتهم هذه العام، هل يعني ذلك أنه قد حان دورها، لماذا الآن إذن؟ أيكون ذلك وهي في قمة السعادة والفرح؟ هل يحدث؟! لا.. لا.. تحاول طرد الصورة والفكرة من رأسها.. ثم يحتلها سؤال آخر أكثر توهجاً، هل أنت خائفة، وجلة، قلقة؟! هل تتلهفين لمعرفة سر ذلك الحلم؟ تتوالى الأسئلة وتمتزج بلذة الراحة بعد التعب والدفء بعد رجفة البرد.. أنا على يقين بأنه ليس منا من لم يخطر في ذهنه هاجس الموت حتى لو لم يكن حزيناً ولو لولم يكن يعاني مزاجاً سوداوياً، لذا أليس من الأفضل والأجمل أن نؤمن بالموت باعتباره حقيقة ماثلة أمامنا، هي بيننا لايمكننا الخلاص منها أو ردها، هي قضاء الله ومصيره الذي لايستأذن ولا ينتظر موافقة من أحد أياً كان صغيراً أو كبيراً، فقيراً أو غنياً، جاهلاً أو عالماً ولا حتى رسولاً، سلام على رسل الله جميعاً. ليس كالإيمان واليقين بالله إحساساً يريحك ويصل بك إلى ضفاف السعادة والأمان. (*) عنوان رواية لـ (بتول الخضيري).
مشاركة :